أن تفقد أطفالك في أي لحظة! كابوس كل أم وأب في غزة!

بقلم عصام عدوان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

استيقظت في الثانية بعد منتصف الليل يوم الثلاثاء 9 مايو، على إحساس غامر بعدم الارتياح وثقل الهواء الذي أتنفسه من حولي، بعد أن أيقظني صوت القصف العنيف في الخارج، فتحت هاتفي على الفور لأعلم أن أسوأ مخاوفي قد تحققت وأن جيش الاحتلال قد قصف غزة مرة أخرى!

فتحت تويتر لأغرد فيه عما أرى وأسمع كصحفي وشاهد عيان من غزة، ها قد عادت الطائرات الإسرائيلية لتؤدي رقصتها القاتلة من فوق رؤوسنا، فعلى مدى 16 عاماً من الحصار، ظلت أصوات الطائرات والقنابل التي تنفجر من فوق المباني وطنين المسيرات بدون طيار، بمثابة تذكير دائم على أن حياتنا في غزة دائماً في خطر.

واليوم مرة أخرى، بعد أخبار الاغتيال الإسرائيلي لقادة مقاومة بعينهم، تستعد غزة لخوف جديد مع حرب ربما تكون وشيكة!

لقد قُتلوا في نومهم!

لقد أودت الضربات الإسرائيلية الليلية بحياة 20 فلسطينياً بينهم 4 نساء و4 أطفال، وأُصيب 20 آخرون حالات بعضهم حرجة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.

عندما أنظر في عيني طفلتي، لا يسعني إلا تذكر الوضع المثقل والتساؤل عما قد يخبئه المستقبل لنا ولها، وهل سيكون لديها مستقبل أصلاً، إذا ما تبدلت آمالها وأحلامها بالخرف والخسارة والحزن والصدمة؟!!

 وكان من بين الضحايا طبيب الأسنان المعروف جمال خصوان، الذي كان رئيس مجلس إدارة مستشفى الوفاء، بالإضافة إلى زوجته وابنه طالب الطب البالغ من العمر 20 عاماً، تاركين وراءهم الأطفال الأصغر بعد انهيار سقف منزلهم خلال نومهم، فتلك هي الطبيعة الحمقاء للقصف الإسرائيلي، فكيف يقتل أشخاصاً كرسوا أنفسهم لمعالجة النساء وخاصة الفقراء منهم، كما كان معروفاً عن الطبيب الشهيد خصوان!

لقد أعادت أجواء الليلة الماضية لذاكرتي على الفور شريط الحروب السابقة التي شنها الاحتلال على غزة، حرب (2008-2009) وحرب 2012 وحرب 2014 وحرب 2021 وحرب 2022، وتذكرت معها كم أخذت معها من أرواح الأطفال والنساء!

يموت الأهل مرتين في غزة!

الخوف على الحياة يعيشه الآباء والأمهات في غزة مرتين أو ربما أكثر، بل هو أكبر الأعباء ثقلاً، فالخوف من فقدان أحد أطفالهم في أي لحظة هو كابوس دائم بالفعل، لم أكن أفهم ذلك حتى وُلدت ابنتي سارة قبل عام تقريباً.

وتعد مواجهة تداعيات الحروب أكثر صعوبة على الوالدين، فعندما أنظر في عيني طفلتي، لا يسعني إلا تذكر الوضع المثقل والتساؤل عما قد يخبئه المستقبل لنا ولها، وهل سيكون لديها مستقبل أصلاً، إذا ما تبدلت آمالها وأحلامها بالخرف والخسارة والحزن والصدمة؟!!

يتردد صدى أصوات الانفجارات ليلاً ليجعل للتوتر صوتاً مسموعاً في جميع أنحاء القطاع، يتجمع الآباء مع أطفالهم، يتحلقون معاً ويحاولون حمايتهم، يصرون على طمأنتهم وإخبارهم بأنهم سوف يكونون بخير رغم أنهم لا يملكون أي ضمان لذلك ولا يعرفون إن كانوا سيكونون بخير حقاً، فمع كل عدوان أو هجمة، يقترب شبح الموت ليلقي بظلاله على حياتنا والأحلام التي نريد رسمها لأطفالنا.

تذكرنا الصور المفجعة للأطفال الأبرياء الذين قُتلوا في نومهم بهشاشة الحياة في غزة، ويتألم قلبي على الأطفال الذين تم إسكات ضحكاتهم للأبد، مثل ميار (11 عام) وعلي (8) عز الدين، وهاجر البهتيني (5 أعوام).

قبل ساعات قليلة من القصف، نشر أهل ميار فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي عن اختيارها لملابس الرحلة المدرسية في صباح اليوم التالي، ثم ذهبت إلى الفراش لتذهب معها تخطيطات الرحلة، فذلك اليوم لن يأتِ أبداً! تم إلغاء الرحلة في اليوم التالي، ولم يعرف آباء أصدقاء ميار كيف يخبرون أطفالهم عن خبر إلغاء الرحلة، حتى أن والدة تقى، صديقة ميار المقربة، شاركت على فيسبوك الدمار الذي شعرت به ابنتها وما وصفته بقولها “حسرة القلب وألم لن تتغلب تقى عليه أبداً”.

لقد عايشت جزءاً من مشاعر الحسرة تلك على مدار حروب غزة بنفسي، يجب على الأطفال أن يجدوا السلوى والعزاء بين الذكريات التي تركها أصدقاؤهم الشهداء، سيشعرون بالغياب المؤلم وهم يمشون في ممرات المدرسة وينظرون إلى مقعد صديقهم الخالي، حنيناً إلى ابتسامة كانت تعطيهم السعادة يوماً.

بصفتي أباً وغزاوياً وإنساناً، أرفض السماح لظلام العدوان الإسرائيلي بإطفاء نور الأمل الذي يحترق بداخلي، أنا سوف أستمر في الحلم والامل والعمل والبناء من أجل مستقبل أفضل لطفلتي ولجميع أطفال غزة

بعد ما حصل، سوف تصبح الرحلة المدرسية تذكيراً قاسياً للأحلام التي لم تتحقق، فالفيديو الذي بقي ذكرى ليعبر عن فرحة ميار وشقيقها علي في رحلة اليوم التالي، سوف يكون لحظات منيرة في ظلال عتمة الحرب، وستظل محفورة في قلوب من عرفوا من معلمين وأقران، بل في كل من تعنيه حياة الفلسطينيين في غزة!

هل يأتي الدور على طفلي؟!

حقيقة الأبوة في مكان مثل غزة تعني أن يعيش الآباء صراعاً دائماً بين الأمل واليأس، ومع ذلك يصبح الموت أسهل على الآباء إذا ما خطر ببالهم أن طفلهم هو التالي، خاصة في ظل وجود الدليل على حقيقة ما نعايشه دائماً من حولنا، بين المباني المتضررة والمستشفيات المؤقتة وقصص أصدقائنا وجيراننا المؤلمة.

في لحظات الهدوء بين الضجيج، أنظر إلى طفلتي وهي نائمة، أراقب التنفس في صدرها، أتعجب من براءتها وقدرتها على السكينة في عالم لم يُظهر لأطفال فلسطين إلا الكثير من الخوف والموت والفقد واليُتم، ومع ذلك، أرى في عيني طفلتي وميض الأحلام بحياة خالية من التهديد المستمر، عالم تستطيع فيه أن تنمو دون خوف!

لقد استقرت المخاوف في قلبي كخنجر مسموم، مولدة ألماً لا يزول أبداً، خاصة في كل مرة أضع نفسي فيها محل أحد الآباء الذين أُجبروا على دفن أطفالهم بسبب الحرب، شعور يضيق به صدري بين الغضب والخوف والحزن والعجز.

بالنسبة إلى لاجئ مثلي، نجا أجداده في السابق من مذبحة إبان النكبة، فإن القصف على غزة هو تذكير لنا بأن نكبتنا لم تنتهِ بعد، ومع حلول الذكرى 75 على النكبة، ما زلنا مستمرين في الصمود والمقاومة بحثاً عن العدالة، وسوف نعلم أطفالنا أهمية الحب والرحمة ونغرس فيهم قيمة الحياة والخير والتمسك بحق الحياة.

بصفتي أباً وغزاوياً وإنساناً، أرفض السماح لظلام العدوان الإسرائيلي بإطفاء نور الأمل الذي يحترق بداخلي، أنا سوف أستمر في الحلم والامل والعمل والبناء من أجل مستقبل أفضل لطفلتي ولجميع أطفال غزة، رغم الطريق المحفوف بالخطر، إلا أن رأسي مرفوع وعيني ثابتة باتجاه الأفق وقلبي مليء بالحب بالحياة، هذا لسان كل أم وأب في غزة!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة