اكتظاظ ومياه ملوثة.. قلق من شبح الأوبئة بين صفوف النازحين في غزة!

بقلم رويدة عامر

ترجمة وتحرير مريم الحمد

منذ أكثر من شهرين الآن، تقيم ريم أبو دقة وعائلتها في المستشفى الأوروبي جنوب غزة بعد أن لجأت إليه هرباً من القصف الإسرائيلي، مثلها مثل 85% من سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.

ريم، التي تبلغ من العمر 45 عاماً، من سكان بلدة عبسان شرق خان يونس جنوب القطاع، والتي أصبحت مركز القتال مؤخراً بين القوات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، فمع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق السكنية، أصيب العديد من أفراد عائلة ريم، فاضطروا إلى الانقسام إلى مجموعتين، حيث لجأ بعضهم إلى مستشفى ناصر، فيما لجأ البقية إلى المستشفى الأوروبي.

تقول ريم أبو دقة، “لم نجد بديلاً عن نصب خيم مصنوعة من النايلون وأغطية أسرة المرضى في مكان مكتظ ليس فيه إمدادات للمياه”، الأمر الذي يصعب عليهم الحفاظ على النظافة وقد يؤدي إلى تفاقم انتشار الأمراض، وتضيف ريم أن “إشعال الحرائق باستخدام القماش والأحذية يؤدي إلى تفاقم التلوث والمخاطر الصحية”.

أوضحت ريم أبو دقة أن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر، مؤكدة ظهور حالات التهاب المعدة والأمعاء بسبب البيئة الملوثة، إضافة إلى  عدم كفاية المياه للاستحمام وفترات الانتظار الطويلة للوصول إلى الحمام.

“نحن نكافح المرض نتيجة المياه الملوثة والظروف المعيشية غير الملائمة، أي نوع من العقاب الجماعي هذا؟ نحن نعاني من شح المياه، ونقص الغذاء، وغياب الأمان، وغياب الحياة بشكل عام”- سميرة- نازحة في غزة

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 1.9 مليون فلسطيني نزحوا داخلياً منذ بداية الهجوم على غزة، ولم يُسمح إلا بدخول كميات محدودة من المساعدات إلى غزة منذ بداية الحرب، بعد أن فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً على القطاع، بما في ذلك قطع إمدادات المياه والكهرباء، مما تسبب في نقص حاد في المياه والوقود والغذاء والأدوية.

أما عن الأوضاع غير الصحية داخل المستشفى الأوروبي، فقد أشارت ريم إلى أن الأطفال يضطرون للجلوس وسط أكوام القمامة، ما يزيد من التلوث ويؤدي إلى انتشار الأمراض الجلدية، ناهيك عن نقص الأدوية والمراهم.

ويقوم النازحون بطهي الطعام على نار مشتعلة بمواد سامة مثل أكياس النايلون والأحذية، مما يعرض صحتهم للخطر، وفي وصف ذلك تقول ريم، ” نحن محرومون من الغذاء الصحي في مراكز اللاجئين، ولسوء الحظ، تتفاقم محنتنا بسبب عدم وجود ملاذات آمنة في قطاع غزة، حيث تتعرض جميع المناطق لهجمات الطائرات والدبابات الإسرائيلية”.

في خيمة مجاورة تسكن روان السيد ذات 35 عاماً، مع أطفالها الثلاثة الذين تفاقم أمراضهم المستمر منذ فترة بسبب البرد الشديد وضعف المناعة وعدم كفاية الغذاء، فبعد أن كانت تعد لهم 3 وجبات يومية صارت بالكاد تعد لهم واحدة!

نزحت رزان مع عائلتها نزحوا مرتين منذ بداية الهجوم الإسرائيلي، ففي البداية غادروا مخيم جباليا إلى مدينة خان يونس، ومن ثم تم تهجيرهم مرة أخرى إلى المستشفى الأوروبي، والذي تصف حاله بقولها، “الوضع مأساوي، نحن نعتمد على حصص يومية هزيلة، ويعاني الأطفال من الجوع ويستيقظون كل يوم وهم يعانون من آلام في المعدة ويزداد المغص لديهم بسبب البرد”.

وبسبب الآثار الضارة لوسائل التدفئة المؤقتة، التي تسبب أبخرة ضارة تنبعث من الحرائق التي تغذيها الأحذية والزجاجات البلاستيكية الفارغة والنايلون، تقول روان “يعاني أطفالي من مشاكل في التنفس والالتهاب الرئوي وأنا أشعر بالعجز”.

“عقاب جماعي”

في مدرسة الأونروا المجاورة للمستشفى الأوروبي، تسكن سميرة البالغة من العمر 55 عاماً والنازحة من مخيم الشجاعية، حيث كل طابق داخل المدرسة يستوعب أكثر من 200 نازح، ولا يتوفر سوى حمامين، لكن تلك الحمامات بعيدة كل البعد عن النظافة، وتفتقر إلى المياه والنظافة السليمة.

“إسرائيل تراجعت عن الوعود التي قدمتها بالحفاظ على سلامة أولئك الذين امتثلوا لأوامرها بإخلاء شمال غزة قبل شهرين، والآن، تم تهجيرهم قسراً مرة أخرى، أين يمكن أن يذهبوا غداً؟!”

المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان للنازحين داخلياً- باولا جافيريا بيتانكور

 تقول سميرة أن “الاكتظاظ يثير مخاوف بشأن احتمال تفشي الأمراض بين السكان”، وأضافت أن أمراض الجهاز الهضمي انتشرت مع دخول البرد الشديد، تقول، “نحن نكافح المرض نتيجة المياه الملوثة والظروف المعيشية غير الملائمة، أي نوع من العقاب الجماعي هذا؟ نحن نعاني من شح المياه، ونقص الغذاء، وغياب الأمان، وغياب الحياة بشكل عام”.

وقد أوضح مدير المستشفى الأوروبي، الدكتور يوسف العقاد، أن فريقه الطبي وثق حالات عديدة من التهاب الكبد الوبائي والجدري والأمراض الجلدية نتيجة اكتظاظ النازحين داخل المستشفى وفي المدارس المحيطة به، فممرات المستشفى وبوابات الأقسام والحديقة تعج بآلاف النازحين، مما يضع عبئاً هائلاً على المستشفى.

أشار الدكتور العقاد إلى أن غياب المياه والنظافة العامة يساهم في انتشار الأوبئة والأمراض الجلدية، كما أن عدم توفر العلاج الكافي للمتضررين من القصف يزيد من تفاقم الأمر، مضيفاً أن “المستشفى يتعرض لضغط كبير بسبب ارتفاع عدد الجرحى، مما دفعنا لفتح مدرسة قريبة لاستيعاب المصابين بالمتوسطة والخفيفة”.

“أين يمكن أن يذهبوا؟!”

من جانب آخر، حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان للنازحين داخلياً، باولا جافيريا بيتانكور، من أن إسرائيل تسعى إلى تغيير تركيبة سكان غزة بشكل دائم، عبر أوامر الإخلاء المستمرة والهجمات الممنهجة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في المناطق الجنوبية، رغم تحديدها في البداية كمناطق آمنة.

تقول بيتانكور أن “إسرائيل تراجعت عن الوعود التي قدمتها بالحفاظ على سلامة أولئك الذين امتثلوا لأوامرها بإخلاء شمال غزة قبل شهرين، والآن، تم تهجيرهم قسراً مرة أخرى، أين يمكن أن يذهبوا غداً؟!”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة