الأطفال في رفح ينامون في أقفاص الدجاج بسبب نقص أماكن الإيواء وصعوبة ظروفها

بقلم هالة الصفدي

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

بات العثور على مأوى سواء كان خيمة بسيطة في الشارع أو في قاعة دراسية مكتظة ترفاً بالنسبة لمئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين في قطاع غزة.

فخلال أربعة أشهر فقط، حولت الغارات الإسرائيلية القطاع إلى منطقة غير صالحة للسكن، حيث دمر الجيش الإسرائيلي أكثر من نصف مباني غزة أو ألحق أضراراً بها، فيما يواصل تقليص المساحات الآمنة أو الصالحة للعيش باضطراد.

أجبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين على النزوح من منازلهم في شمال ووسط غزة باتجاه الجنوب ما أدى إلى تهجير 85% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

ولجأ نحو 1.5 مليون نازح إلى رفح، التي تبلغ مساحتها 64 كيلومترًا مربعًا فقط، حيث باتوا يكافحون الآن من أجل العثور على مساحة تكفي لإقامة خيمة فقط بسبب الاكتظاظ الشديد.

ومؤخراً، وجهت إسرائيل أنظارها صوب رفح، الملجأ الأخير المتاح للفلسطينيين، فصعدت من هجماتها على المدينة الواقعة في أقصى جنوب غزة وهددتها بغزو بري وشيك.

وتحت التهديد بالمزيد من الموت والدمار الشامل، وبسبب الافتقار إلى الخيارات، اضطرت العديد من الأسر النازحة إلى اتخاذ تدابير صارمة للعثور على مأوى، حيث حولت إحدى العائلات أقفاص الدجاج إلى أسرّة لأطفالها.

يخافون النوم

فقد ذكر رأفت لقمان، الذي تتكون عائلته من 32 فرداً بينهم حديثي الولادة والأطفال الصغار أنه قرر الحضور إلى مزرعة الدجاج لأن عائلته لم تتمكن من العثور على أي مكان آخر تذهب إليه.

وأضاف: ” جئنا إلى هنا معتقدين أنه يمكننا تحمل ذلك لبضعة أيام، لكن هذه الحرب استغرقت وقتًا أطول بكثير، لا أستطيع أن أصدق أن أطفالي ينامون في أقفاص حيث كان ينام الدجاج، أنا أنظر إليهم وينفطر قلبي على ذلك، وأتساءل هل هذه هي الطفولة التي أعطيها لهم؟ ولكن ماذا يمكنني أن أفعل غير ذلك؟”.

ومن داخل أقفاص الدجاج، يستطيع الأطفال بسهولة رؤية حدود رفح الخاضعة للسيطرة المصرية، بجدرانها العالية المغطاة بالأسلاك الشائكة.

وأوضح لقمان: ” ابنتي أخذت دميتها (الدب) معها عندما تم إجلاؤنا في المرة الأولى واحتفظت بها طوال الوقت، لكن الدمية سقطت في مياه الأمطار التي غمرت المزرعة في أحد الأيام بينما كانت نائمة، وعندما استيقظت بكت كثيرًا لفقدان دميتها، ومرة أخرى، شعرت أنا وأمها بالعجز الشديد، خاصة وأننا لا نستطيع أن نحضر لها دمية دب جديدة.”

ويقول أطفال لقمان أنهم اعتادوا على واقعهم الجديد الآن وأنه بات من الصعب عليهم أن يتذكروا أنه في يوم من الأيام كان لديهم منزل وغرف نوم.

غير أن ميس ابنة لقمان البالغة من العمر 12 عاماً ترى أن عائلتها محظوظة “لأنها مازالت على قيد الحياة ولم تمت”، مستدركةً بالقول: ” لكن بصراحة، ما زلت أشعر بالخوف أثناء النوم في الأقفاص، فهي باردة جدًا ومظلمة في الليل، لقد كنت أكره الحشرات دائمًا، لكنها موجودة في كل مكان هنا، ولا أستطيع فعل أي شيء حيال ذلك”.

العيش في المنازل المقصوفة

ويعيش النازحون في وسط غزة أيضًا في ظروف مزرية بسبب الاكتظاظ في الملاجئ المقامة داخل المدارس والمستشفيات والمساجد وبسبب نقص الخدمات الأساسية كالمياه النظيفة والصرف الصحي.

فقد قرر أبو أحمد جابر أن يغادر المدرسة التي تديرها الأمم المتحدة والتي كان يحتمي بها واستعد للعودة إلى منزله الذي تعرض للقصف بينما كانت الأسرة تتناول الغداء داخله.

وقال أبو أحمد: ” الوضع في المدارس مروع، إنها مكتظة ولا مراحيض ولا طعام ولا ماء ولا خصوصية على الإطلاق لذلك قررت العودة مع عائلتي إلى منزلي الذي تعرض للقصف والعيش على أي مساحة منه”. 

غطى الدخان الأسود الكثيف منزل الأسرة عند قصفه فحجب ضوء النهار عن عيون ساكنيه الذين ظنوا في ذلك الوقت أنهم ماتوا.

كانت ابنة أبو أحمد المتزوجة والحامل تتواجد معهم في المنزل عند قصفه وكانت معها ابنتها البالغة من العمر سنة واحدة، فعمد الرجل المسن وأبناؤه إلى إخراجهما من تحت الأنقاض بأيديهم العارية، ثم نزحت الأسرة إلى إحدى المدارس بحثاً عن مأوى، حيث نزفت ابنته لساعات قبل أن تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليهم.

وعلى الرغم من تجربتهم المؤلمة، إلا أن أبا أحمد، الذي يعاني من مشاكل في القلب ومن مرض السكري، اتخذ قرار العودة إلى منزله المدمر في البريج وسط غزة لأنه شعر أن جميع البدائل الأخرى تفتقر إلى الكرامة.

وقال بصوت يكسوه الأسى والغضب ” هذا منزلي، كيف يمكنني أن أتخلى عنه؟ لقد بنيته بيدي حجرا حجراً وأنا أنظر إليه 20 مرة في اليوم وأعاني من حقيقة أنني لا أستطيع حتى إعادة بناء أو إصلاح أي شيء”. 

وأضاف: ” أنا أبكي كل ليلة لا أستطيع حتى النوم بعد الآن، وإذا نمت واستيقظت لأي سبب من الأسباب، لا أستطيع النوم مرة أخرى، أنا أعيش حياة بدائية للغاية وسط الأنقاض، لكنني أفضل ذلك على مغادرة منزلي والإخلاء من مكان إلى آخر مثل قطع الشطرنج، ومن أجل ماذا؟ ماذا فعلت أنا وعائلتي؟”. 

وتابع: ” لقد أدركت أن أحداً لا يهتم لأننا في غزة، لقد تحولنا إلى مقاطع فيديو يمكن للناس مشاهدتها، لماذا يصعب عليهم إعطاءنا حقوقنا الأساسية التي تمنحها لنا جميع القوانين الدولية؟ لا أستطيع ذلك فهم العالم.”

وأعاد نزوح ما يقرب من مليوني فلسطيني في غزة إلى الأذهان ذكريات نكبة عام 1948 عندما تم تهجير 750 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم على يد الميليشيات الصهيونية لإفساح المجال أمام إنشاء دولة إسرائيل.

” أنا أبكي كل ليلة، لا أستطيع حتى النوم بعد الآن وإذا نمت واستيقظت لأي سبب من الأسباب، فلا أستطيع العودة إلى النوم مجدداً” – أبو أحمد جابر

ويعيش الفلسطينيون في غزة اليوم ما عاشه أجدادهم قبل أكثر من 70 عامًا، وسط مخاوف من عدم القدرة على العودة أبدًا.

وقال أبو أحمد جابر: ” إذا تم تدمير المنزل، فإن الأرض لا تزال موجاودة، وهي ملكي وأنا أفضل أن أموت هنا على أن أعيش نكبة أخرى كما فعلت عائلتي من قبلي”.

وختم بالقول: ” أنا لا أطلب المساعدة للمغادرة أو الإخلاء، أنا أطلب إنهاء هذه الحرب والمساعدة في إعادة بناء منزلي وإعادة بناء غزة، وكل ما أريده حقاً هو السلام، أريد أن أرى أطفالي يتزوجون ويحصلون على وظائف ويتطلعون إلى مستقبلهم مع أطفالهم”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة