الأونروا ونفاق الغرب الصارخ

بقلم عثمان مقبل

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

خلال الأسبوع الماضي، انكشفت تناقضات العالم تجاه الأزمة المتواصلة في الشرق الأوسط، إذ لم يتم اتخاذ أي إجراء يستجيب لقرار محكمة العدل الدولية بأن على الحكومة الإسرائيلية أن ترد على الاتهامات التي وجهتها حكومة جنوب إفريقيا بشأن الإبادة الجماعية.

لكن، وبعد ساعات فقط من الادعاءات الإسرائيلية التي لم يتم التحقق منها بأن 12 من أصل 30 ألف موظف في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) متورطون في الهجمات التي قادتها حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية وقف تمويل الوكالة مؤقتًا، على الرغم من عدم وجود أدلة ملموسة أو إجراء تحقيق مستقل.

وفي الواقع، كشفت القناة الرابعة البريطانية استناداً إلى الملف الإسرائيلي الذي اطلعت عليه أنه لا يوجد أي دليل يدعم الادعاءات الموجهة ضد موظفي الأونروا.

وعلى خطى واشنطن، سارت المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا وسويسرا وفنلندا وأستراليا وكندا، والسويد، وإستونيا، واليابان.

وفي حين لم تتخذ أي من هذه الدول أي إجراء لممارسة أي ضغوط جدية لوقف معاناة الفلسطينيين وفقاً للتدابير المؤقتة التي نصت عليها محكمة العدل الدولية، فقد اختارت بدلاً من ذلك مفاقمة الوضع المزري في غزة، من خلال وقف تمويل بقيمة 500 مليون دولار مما يهدد قدرة الأونروا على العمل بعد انقضاء هذا الشهر.

ومنذ تأسيسها عام 1949، ظلت الأونروا تضطلع بدور حاسم في تقديم الدعم للنازحين واللاجئين الفلسطينيين، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي في نداء للدول بعدم قطع تمويل الأونروا، فإن هذا التمويل هو “العمود الفقري لجميع خدمات الاستجابة الإنسانية في غزة”.

غزة شريان الحياة

لقد أصبح دور الأونروا أكثر أهمية منذ تشرين الأول/أكتوبر في دعم جميع سكان غزة تقريبًا، حيث إن غالبية المساعدات التي تدخل القطاع تأتي عبر الوكالة.

وفي الوقت الذي لا تصل فيه الإمدادات الكافية إلى المجتمعات التي تحتاج إليها، فإن قرار قتل الأونروا سيؤدي بكل تأكيد إلى قتل الفلسطينيين، وفي الواقع، فإن إغلاق الأونروا سيشكل واحداً من أكثر الهجمات دموية على غزة في هذا الصراع المروع.

ومن خلال استضافتها 1.4 مليون مدني في ملاجئ مؤقتة وتزويدهم بالغذاء والماء والسكن، فإن لا غنى عن دور الأونروا الذي لا يمكن استبداله، كما أنها توفر الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، ولا توجد وكالة أخرى لديها القدرة على تنفيذ عمليات بحجم ما تقوم به، وبالتالي فإن محاولة استبدال ما تفعله الأونروا في غضون أسابيع أمر مستحيل.

ولا توجد طريقة أخرى للتعبير عن ذلك، فقطع التمويل عن الأونروا يعني قطع أحد شرايين الحياة الأخيرة لغزة.

وحينما تلجأ المنظمات الإنسانية إلى الخيارات المتطرفة والأسوأ، مثل إسقاط المساعدات جواً على غزة، فلماذا يقرر العالم قطع التمويل عن واحدة من الوكالات القليلة القادرة على تقديم المساعدات بسلاسة وكفاءة نسبياً؟

وفي الوقت الذي دعت فيه محكمة العدل الدولية العالم إلى زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، فإن قرار تصفية الأونروا سيؤدي إلى انخفاض كبير في المساعدات التي تصل إلى الأسر والمجتمعات المتضررة، لأنه، حتى لو كان لدى أي منظمة القدرة على تكرار ما تفعله الأونروا، فإن القليل من الناس سيخاطرون بذلك. 

وقد قُتل أكثر من 150 من موظفي الأونروا في العدوان الإسرائيلي منذ تشرين الأول / أكتوبر، وهو أكبر عدد من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين قُتلوا في صراع خلال تاريخها.

علاوة على ذلك، يمكن للمرء أن يتيقن من أنه، حتى لو حلت هيئة أخرى محل الأونروا، فإنها أيضًا ستقع ضحية لتشويه السمعة والاتهامات بلا دليل بالسعي لتسييس المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.

نفاق صارخ

صحيح أن الاتهامات بالنشاط الإجرامي والفساد التي ترتكبها وكالات الأمم المتحدة ليست وليدة اليوم، ولكن عندما اتُهمت منظمات الأمم المتحدة بانتهاك العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في سوريا، أو اتُهمت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بارتكاب جرائم بشعة في هايتي، أو اتُهمت مشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالفساد والسرقة في العراق وأفغانستان، لم يتوقف التمويل الغربي.

ولو تم منع المساعدات من الوصول إلى السوريين أو الهايتيين في ذروة أزماتهم لفقد عدد لا يحصى من الأرواح.

وبالمثل، فإن منع الأونروا من تمويل الغذاء والمياه والرعاية الصحية لسكان غزة في ظل سقوط القنابل والرصاص الذي ينهمر عليهم سيكلف أرواحاً لا حصر لها من الفلسطينيين.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الولايات المتحدة سحبت تمويلها دون التحقيق في ادعاءات إسرائيل فيما يتعلق بموظفي الأونروا الـ 12، وبرغم طرد الوكالة لهم جميعاً.

تعهدت الولايات المتحدة بمبلغ 343.9 مليون دولار لتمويل الأونروا في عام 2022، لكنها الآن وبسبب الإشاعات أوقفت التمويل أثناء أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي المسجلة على الإطلاق، إن مستوى النفاق مثير للاشمئزاز وسيكون مدمراً لشعب قطاع غزة المحاصر.

قد يكون من الصعب الحصول على أي منظور حقيقي مع تطور هذا الصراع وتزايد عدد القتلى كل دقيقة، لكن توقف قليلاً وانظر مرة أخرى إلى كيفية رد فعل المجتمع الدولي على قرار محكمة العدل الدولية ثم اختر أن لا تقوم بأي شيء.

ولننظر مرة أخرى إلى رد فعل المجتمع الدولي على المزاعم الإسرائيلية غير المثبتة إلى الآن والتي طالت العشرات من موظفي الأونروا بوقفهم التمويل عن المساعدات لسكان غزة خلال العدوان الغاشم على غزة، فمن هو الذي سيدينه التاريخ يا ترى؟

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة