الاعتداءات المتكررة على غزة لا تعطي فرصة لأطفالها للتعافي من آثار الصدمات والرعب

كان رياض أشكونتانا في غرفته عندما ذهبت زوجته لتطمئن على أطفالها الخمسة بعد سماعها انفجارًا فجر يوم 16 أيار/ مايو 2021.

فجأة، شعر باهتزاز في جميع أنحاء المبنى المكون من أربعة طوابق حيث كان يعيش في مدينة غزة.

“عندما أسرعت لرؤيتهم في الغرفة المجاورة، بدأت الصواريخ الإسرائيلية تتساقط علينا وانهار المبنى فوقنا”- رياض أشكونتانا.

وبينما كان تحت الأنقاض، لم يسمع سوى بكاء ولديه، دانا، تسعة أعوام، وزين عامين.

وقال: “كنت أنادي بأسمائهم جميعاً للتحقق مما إذا كانوا على قيد الحياة، ولكن بعد بضع دقائق توقف بكاء دانا وزين، لم يصدر أي صوت من الآخرين، وبقيت تحت الأنقاض لمدة 11 ساعة”.

نُقل أشكونتانا إلى مستشفى الشفاء القريب من منزله المدمر، وبعد ساعة تم انتشال ابنته سوزي من تحت الأنقاض حيث نجت بأعجوبة.

وقال: “سوزي كانت في السابعة من عمرها عندما حوصرنا تحت الأنقاض لمدة 11 ساعة، لقد نجت لكن والدتها وأربعة أشقاء قتلوا بجانبها”.

منذ ذلك اليوم، حاول أشكونتانا مساعدة ابنته في التغلب على خسارتها، ولكن دون جدوى.

وبعد ذلك بعامين، اتخذت الأمور منعطفا نحو الأسوأ عندما شنت إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر حملة قصف أخرى في غزة، حيث قصفت مبنى مجاور لمنزل سوزي وقتلت بعض صديقاتها.

قالت سوزي: “لقد جعلني ذلك أشعر بالخوف والبكاء لقد كان صوت الانفجار هائلاً”.

وأضافت “ركضت إلى جدتي ثم هربنا وذهبنا إلى منزل آخر، كان الأمر مخيفًا. ما زلت أخشى اللعب مع أصدقائي في الهواء الطلق”.

يشعر والدها الآن أنه عاد إلى المربع الأول في محاولاته لمساعدتها على التعامل مع الصدمة التي باتت مألوفة بين الأطفال الفلسطينيين في غزة.

التعامل مع الفقدان

وضحت مجموعة من التقارير الصدمة العميقة التي يعاني منها الأطفال في غزة، حيث أفاد الأورومتوسطي في عام 2021 أن أكثر من 90٪ من الأطفال عانوا من شكل من أشكال اضطراب ما بعد الصدمة في أعقاب الهجمات الإسرائيلية المتكررة على القطاع.

وقال والدها الحزين: “بعد استشهاد العائلة، كانت صدمة سوزي شديدة وكادت تفقد القدرة على الكلام”.

خضعت لدورة علاج مكثفة لمدة أربعة أشهر في برنامج غزة للصحة العقلية التابع لمنظمة غير حكومية، وكان والدها يأخذها يوميًا تقريبًا إلى أماكن ترفيهية ولقضاء وقت ممتع مع أبناء عمومتها، مما ساعد سوزي على المضي قدمًا.

وقال أشكونتانا: ” ترسم إخوتها وأمها دائما، وما زلت أخبرها بأن إخوتها وأمها في الجنة، وهو مكان جميل جدًا، وإنهم فوق القمر هناك، يلعبون مع بعضهم البعض وسنزورهم قريبًا”.

شكلت نجاة سوزي حافزًا كبيرًا لأشكونتانا لمحاولة المضي قدمًا في حياته، وفي هذا يقول: “إن بقاء سوزي وقدرة الله ساعداني جدا، فسوزي لديها تأثير قوي جدًا عليّ، لقد بقيت قوياً من أجلها.”

على الرغم من صدماتها المتعددة، كان إنجاز سوزي الأكاديمي ممتازًا، وهي تحلم بأن تصبح طبيبة وتساعد الآخرين الذين عانوا.

بداية جديدة

في وقت لاحق من عام 2021، تزوج أشكونتانا لتأسيس عائلة جديدة لسوزي، ورزق بطفل منذ أربعة أشهر وأسماه يحيى، تيمنا باسم ابنه يحيى الذي كان في الخامسة من عمره حين قُتل في القصف الإسرائيلي.

وقال: “أجواء الأسرة الجديدة ساعدت سوزي كثيرًا، لكن لا شيء يمكن أن يجعل حياتها كما كانت قبل القصف”.

وأضاف: “منذ أن فقدت عائلتي، كان لدي هواجس من أن إسرائيل ستقصف مكانًا قريبًا جدًا مرة أخرى خلال حروبها على غزة”.

في 10 أيار/مايو، كان من المفترض أن تذهب سوزي في رحلة مدرسية مع زملائها في الفصل، وهو أمر كانت تتطلع إليه لفترة طويلة وذكر والدها أنها ” أعدت نفسها جيدًا للرحلة” وأنه اشترى لها أغراضاً لذلك.

لكن في 9 أيار/ مايو، شنت إسرائيل هجومًا استمر خمسة أيام على غزة، مما أسفر عن ارتقاء 33 شخصًا بينهم ستة أطفال ومئات الجرحى.

وكان من بين الشهداء الأطفال بعض من أصدقاء سوزي وزملائها في الفصل، لقد كانت صدمة شديدة أخرى بالنسبة لها، إذ لم تكن بعيدة من الصدمة الأخيرة.

طلب والدها من شقيقه قضاء بضعة أيام معهم في شقة والدتهم في حي النصر بمدينة غزة، حيث خفف تواجدها مع أبناء عمومتها من حدة الصدمة بالنسبة لسوزي، وأبعدها قليلاً عن أجواء الحزن على وفاة زملائها في الفصل.

ومع ذلك، لم يمض وقت طويل حتى تجددت صدمة سوزي مرة أخرى.

ففي 13أيار/مايو، اغتالت إسرائيل إياد الحسني، العضو البارز في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في غارة جوية على شقة مجاورة لجدة سوزي، التي كانت تقيم مع جدتها في ذلك الوقت.

وتقول الجدة، سميرة، البالغة من العمر 64عامًا: “بعد تناول الغداء، كانت سوزي وعمها وأحفادي الآخرون يأخذون قيلولة عندما صُعقنا فجأة بصوت يصم الآذان ورأينا نيرانًا وزجاجًا مكسورًا يدخل الغرفة التي تطل على الشقة التي تعرضت للقصف”.

وأضافت: “كان الأطفال يصرخون بجنون، لم أكن أعرف الهدف من القصف. كان الأمر مخيفًا للغاية، أخذت الأطفال وهربت، لكن الصوت كان مخيفًا أكثر من الصواريخ التي سقطت على ابني في عام 2021، كنت خائفة حد الموت، أكثر من أي وقت مضى”.

أما والد سوزي فكان في محل بقالة قريب عند سماع الانفجار.

ويقول: “ذهبت إلى البقالة لشراء أغراض للأطفال، ثم وجدت أشخاصًا يركضون بجنون نحو المبنى الذي يضم شقة والدتي، ركضت ووجدت والدتي وسوزي والأطفال يبكون بصوت عالٍ في الشارع، أسرعت سوزي وعانقتني، كان وجهها شاحباً. فررنا الى منزل أخي “.

بعد وقف إطلاق النار بوساطة مصرية في 14 مايو، عادت الجدة سميرة إلى شقتها، وكانت سوزي مترددة في مرافقة جدتها، لكنها قررت في النهاية أن تفعل ذلك.

وقال أشكونتانا: “عندما وصلت ورأت الشقة التي تعرضت للقصف، بكت سوزي وأرادت المغادرة، لكنني جئت وتمكنت من طمأنتها”.

“الحرب عرّضتها لأشياء مرعبة كنا نحاول حمايتها منها منذ عامين، لكنها تعرضت لانتكاسة الآن، أفكر في السفر معها إلى مصر قريبًا، لإخراجها من جو القصف في غزة.”

مقالات ذات صلة