بقلم ريتشارد بوردن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
مع مرور أكثر من 68 سفينة يومياً عبر قناة السويس، محملة بنحو 12% من إجمالي البضائع المنقولة في العالم، أصبح من المستحيل على المجتمع الدولي أن يتجاهل الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر بشكل متصاعد خلال الشهرين الماضيين.
وفي هذا السياق، جاء قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باتخاذ إجراء عسكري ضد قواعد الحوثيين في اليمن ضمن التوقعات التي سادت على نطاق واسع.
لكن السؤال هنا هو ما هي الاستراتيجية وراء هذا الإجراء؟ هل سيوقف الإجراء العسكري الهجمات على السفن؟ وهل سيساعد ذلك الأهداف الأمريكية المعلنة المتمثلة في منع التصعيد الإقليمي للحرب المدمرة في غزة أم أنه سيعرقلها؟
في البداية، لا ينبغي لأحد أن يحمل أوهاماً حول الحوثيين، إذ يمكن لعائلات 150 ألف شخص قتلوا خلال الحرب الأهلية في اليمن أن يقدموا شهاداتَ على وحشيتهم، كما تشهد بذلك الغارات الجوية التي نفذها خصومهم بقيادة السعودية على المناطق المدنية في اليمن.
كما توفي أكثر من 227 ألف يمني بسبب المجاعة ونقص الرعاية الصحية خلال الحرب، فيما تتواصل الأزمة الإنسانية حتى يومنا هذا، حيث ما زال الفقر مستقراً عند مستويات مروعة في ظل عدم تلقي العاملين في القطاع العام في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على أجورهم لأكثر من سبع سنوات، الأمر الذي يوضح أيضًا كيف يعيش اليمنيون العاديون تحت حكم الحوثيين.
وعبر الادعاء بأن أفعالهم في البحر الأحمر هي أعمال تضامن مع الفلسطينيين تحت الحصار، فليس هناك شك في أن الحوثيين يحاولون اكتساب الشرعية في العالم العربي وتعزيز سمعتهم المتدهورة في الداخل من خلال تحويل الانتباه إلى أماكن أخرى.
كما أن أفعالهم تؤدي دورًا مفيدًا أيضًا في لعبة القوة الإقليمية لحليفتهم الرئيسية، إيران، حيث تشير كافة الدلائل إلى أن الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا الأسبوع على اليمن لن تؤدي إلا إلى تغذية هذه الأجندات.
الحوثيون يتوعدون بالانتقام
نعم، تمتلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قدرة عسكرية على ضرب قواعد الحوثيين بقوة ومواصلة إطلاق النار من السماء على أي طائرات بدون طيار أو صواريخ تستمر في اختراق السفن في البحر الأحمر، لكن هل ستتمكنان من القضاء على قدرة الحوثيين على مواصلة إطلاق النار؟
ومن الواضح بالفعل أن ذلك لن يحدث، وقد تعهد الحوثيون بالانتقام بل وشنوا هجومًا صاروخيًا آخر بالقرب من البحر الأحمر في غضون ساعات من عودة الطائرات الأمريكية والبريطانية المهاجمة إلى قواعدها.
ولنتذكر أن آلاف الضربات الجوية السعودية لم تتمكن من تدمير الحوثيين عسكرياً طوال الحرب الأهلية طويلة الأمد في اليمن.
لماذا ينبغي أن تكون الضربات الجوية المحدودة التي نفذتها القوات الأمريكية والبريطانية هذا الأسبوع أكثر فعالية، خاصة في ظل تواصل قدرة الحوثيين على الاعتماد على إيران في تزويدهم بما يحتاجون إليه لمواصلة هجماتهم بطريقة أو بأخرى؟
لذا، حتى من الناحية العسكرية، فهناك علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتمتعان بفرصة حقيقية لتحقيق أهدافهما المعلنة، لكن الخطر الحقيقي أعمق من ذلك بكثير.
بصراحة، إن الإجراء الذي اتخذته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا الأسبوع تفوح منه رائحة المعايير المزدوجة في نظر الناس في جميع في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه.
وحتى لو كان أهالي المنطقة قد شككوا سابقاً في ادعاء الحوثيين بأنهم حراس الفلسطينيين، فإنهم الآن سوف يتساءلون كيف يمكن للقوى الغربية عندما تتعطل التجارة أن تبرر العمل العسكري ضد عمل تضامني مع شعب تحت الحصار.
يمكن أن لا يقود الدعم الأميركي لإسرائيل إلى تعطيل خطوط الإمداد التجارية، ولكن الأسلحة التي قدمتها أمريكا ساهمت بشكل مباشر في مقتل أكثر من 23 ألف إنسان في غزة حتى الآن.
والآن، سيبدو ادعاء القادة السياسيين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة بأنهم اضطروا إلى اتخاذ إجراءات ضد الحوثيين لحماية أرواح المدنيين على متن السفن التجارية في البحر الأحمر بمثابة نفاق تام عندما يظهرن استعداداً للسماح بمواصلة قتل عدة آلاف من المدنيين الفلسطينيين وكثير منهم أطفال في منازلهم على بعد بضع مئات من الأميال إلى الشمال.
إن الغضب الذي يولده هذا الأمر في جميع أنحاء الشرق الأوسط حقيقي وهو آخذ في التزايد، مما يسمح للحوثيين بالحصول على شرعية لا يستحقونها.
كل هذا، إلى جانب الاشتباكات المستمرة على الحدود الشمالية لإسرائيل واحتمال تنفيذ المزيد من الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حماس أو حزب الله في عمق لبنان، لا يزيد من خطر التصعيد الإقليمي فحسب، بل يزيد من خطر وقوع موجة جديدة من الهجمات الإرهابية خارج الشرق الأوسط.
ومن الواضح أنه لا يمكن تجاهل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، حيث تتحمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والقوى البحرية الأخرى مسؤولية حماية الشحن، ومن ضمن تلك المسؤولية إسقاط الصواريخ التي يتم إطلاقها وصد محاولات الحوثيين للسيطرة على السفن.
وبطبيعة الحال، فإن ذلك لا يمكن أن يكون نهاية المطاف، فعاجلاً أم آجلاً، يمكن لصاروخ الحوثي أن يصل إلى هدفه وقد يؤدي إلى فقدان الأرواح.
غير أن الإجراء الحالي من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يحركه شعار “لابد من القيام بشيء ما” دون أن يعكس تفكيراً استراتيجياً واضحاً حول ماهية هذا “الشيء”.
وتشير كل الدلائل إلى أنه حتى لو تدهور حال عشرات القواعد العسكرية للحوثيين بشكل خطير هذا الأسبوع، فإن هجماتهم على السفن ستستمر، وعندما يفعلون ذلك، فهل ترغب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حقاً في تصعيد انتقامهما المتبادل إلى حد شن حرب شاملة على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، مع كل المخاطر الجيوسياسية التي قد تنطوي عليها؟
إن السبيل لإنهاء الهجمات في البحر الأحمر هو إزالة الذريعة التي يستخدمها الحوثيون لشن تلك الهجمات بغية اكتساب الشرعية المحلية والإقليمية، ويعني ذلك معالجة الأسباب، وليس الأعراض فقط.
ومن الأمور الجوهرية في هذا الشأن توفر رغبة من جانب القادة الغربيين في إنهاء معاييرهم المزدوجة فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، فقد بات الأمر يتطلب ممارسة ضغوط واضحة، وفي المقام الأول من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، من أجل التوصل إلى وقف ثنائي دائم لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل لإنهاء إراقة الدماء وتأمين إطلاق سراح الرهائن.
ولابد أن يكون هذا الضغط حقيقياً، فلا داعي للقلق الدبلوماسي بشأن مستوى الخسائر في صفوف المدنيين الذي تختار حكومة نتنياهو تجاهله، إذ يجب أن يعني إنهاء المعايير المزدوجة أيضًا الاتساق في تطبيق القانون الدولي.
نعم، يشمل ذلك محاسبة من يهاجم السفن في البحر الأحمر، ويعني ذلك أيضاً التنديد بجرائم الحرب في إسرائيل وفلسطين بشكل لا يقل صراحة عما حدث في أوكرانيا، ويعني ذلك ضرورة الالتزام بكل ما قد تحكم به محكمة العدل الدولية بشأن الطلب الذي تقدمت به جنوب أفريقيا بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لإصدار أمر قضائي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
من المفترض أن يغطي القانون الدولي كل العالم، وقد مضى وقت طويل حتى تعامل القادة السياسيون الغربيون مع الأمر على هذا النحو، والقيام بذلك هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله من الناحية الاستراتيجية، وهو أيضًا الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله من الناحية الأخلاقية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)