الدعم الغربي لإسرائيل ليس استثنائياً… فكيف ذلك؟

بقلم جوزيف مسعد

ترجمة وتحرير مريم الحمد

كثيراً ما يُقال أن إسرائيل تعد استثناءً لسياسات الولايات المتحدة والدول الغربية من حيث دعمها اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً باعتبارها مستعمرة استيطانية غربية الصناعة.

رغم الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ما انفك يعلن أنه لا يوجد “خط أحمر” بالنسبة لإسرائيل، وذلك يتجلى في استمرار إدارته بحماية إسرائيل من العقوبات الدولية، بل ولم يكد يمر أسبوع على إقرار الكونغرس الأمريكي مشروع قانون المساعدات الخارجية والذي بموجبه سيتم تزويد إسرائيل بمبلغ إضافي قدره 26 مليار دولار!

في ذروة القمع الاستعماري الفرنسي خلال نضال الجزائر من أجل الاستقلال، دعمت كل من الولايات المتحدة وأوروبا فرنسا وقامت بحمايتها من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، فيما أدانت الثوار الجزائريين

ومع ذلك، يلوح سؤال هنا، هل إسرائيل استثناء لتلك السياسة حقاً؟! فالناظر في تاريخ الدعم الغربي لبعض المستعمرات الاستيطانية الأوروبية المعروفة يثبت أن الدعم الغربي لإسرائيل ليس فريداً ولا غير مسبوق، حتى وإن اختلف في بعض التفاصيل.

ومن مفارقات التاريخ، أن هناك من  دعم مناهضة الاستعمار في الجزائر وفي نفس الوقت رفض دعم الشعب الفلسطيني، وهناك أيضاً من أيد تحرير جنوب إفريقيا من الفصل العنصري، فيما دافع عن إسرائيل رغم فصلها العنصري، ويؤكد التاريخ أيضاً أن الغالبية العظمى ممن دعموا الجزائر الفرنسية و روديسيا وجنوب إفريقيا العنصرية في الغرب، هم ذاتهم من يؤيدون التفوق اليهودي الذي تنتهجه إسرائيل.

حماية تفوق البيض

في ذروة القمع الاستعماري الفرنسي خلال نضال الجزائر من أجل الاستقلال، دعمت كل من الولايات المتحدة وأوروبا فرنسا وقامت بحمايتها من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، فيما أدانت الثوار الجزائريين.

هذا ما حصل أيضاً في جنوب إفريقيا، حيث وفرت القوى الغربية غطاء دائماً  لتفوق البيض في دولة الفصل العنصري التي كانت قائمة آنذاك، حيث قاموا بحماية ذلك النظام أيضاً من العقوبات في المحافل الدولية منذ الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات، حتى امتد الفصل العنصري على يد العنصريين البيض لناميبيا حتى عام 1990.

كان هذا هو الحال أيضاً في روديسيا، حيث قام البريطانيون بحماية مستعمرتهم الاستيطانية العنصرية من الإدانة الدولية قبل وبعد أن أصدر المستعمرون البيض، بقيادة إيان سميث، إعلان الاستقلال من جانب واحد عام 1965، وكل ذلك بهدف حماية تفوق البيض.

في عام 1962، قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة واللجنة الخاصة المعنية بالاستعمار بدور نشط لحث بريطانيا على إنهاء سيادة البيض في روديسيا، لكن البريطانيين رفضوا ذلك، ثم في سبتمبر عام 1963، استخدمت بريطانيا حق النقض ضد قرار لمجلس الأمن يدعو البريطانيين إلى معارضة نقل القوات الجوية الروديسية الملكية إلى الحكومة المحلية الروديسية.

أصدر مجلس الأمن في مارس عام 1970 قراراً يدين بريطانيا لرفضها استخدام القوة للإطاحة بالنظام الروديسي غير القانوني، وهنا استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا حق النقض ضد القرار!

في أبريل عام 1965، وقبل إعلان الاستقلال، اعتمد مجلس الأمن قراراً آخر يدعو بريطانيا إلى منع إعلان الاستقلال، وفي أكتوبر، أصدرت الجمعية العامة قراراً يدعو البريطانيين إلى استخدام “جميع التدابير الممكنة” لمنع إعلان الاستقلال، وقبل 6 أيام من إعلان الاستقلال، صدر قرار آخر من الجمعية العامة يحث بريطانيا على استخدام “جميع الوسائل الضرورية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية” لمنع المستوطنين من إعلان الاستقلال.

رغم كل ذلك، أعلن المستوطنون البيض الاستقلال، فقامت بريطانيا بسبب الضغط الدولي بطرد روديسيا من الدول التي تتعامل بالجنيه الاسترليني وأخرجتها من اتفاقيات الكومنولث الاقتصادية، كما حظرت الواردات وجمدت 9 ملايين جنيه استرليني (25.2 مليون دولار) من احتياطيات روديسيا في البنوك البريطانية.

أما الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، فقد أعلنا إدانتهما مع دعوة الدول إلى عدم الاعتراف بالحكومة المتمردة و”الامتناع عن أي عمل من شأنه أن يساعد ويشجع النظام غير الشرعي والكف عن تزويده بالأسلحة والمعدات والإمدادات العسكرية وقطع كل العلاقات الاقتصادية معه”، كما دعا مجلس الأمن إلى فرض حظر على النفط، وبالمقابل، قطعت 9 دول إفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا لأنها سمحت بإعلان الاستقلال.

حاولت بريطانيا التفاوض مع نظام روديسيا الجنوبية المتمرد عليها مرة أخرى في ديسمبر عام 1966 وفي أكتوبر 1968 ولكن دون جدوى، فطلبت الحكومة البريطانية من الأمم المتحدة فرض عقوبات دولية على المستعمرين المتمردين، الذين قاموا منذ عام 1965 بنقل أصولهم المالية من البنوك البريطانية إلى جنوب إفريقيا لحمايتها.

التحدي الصريح 

أخيراً، أصدر مجلس الأمن في مارس عام 1970 قراراً يدين بريطانيا لرفضها استخدام القوة للإطاحة بالنظام الروديسي غير القانوني، وهنا استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا حق النقض ضد القرار!

من جهة أخرى، فقد أبدى بعض أعضاء البرلمان البريطاني المحافظين استياءهم إزاء العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عام 1966، مجادلين بأن روديسيا لم تكن حالة شاذة بل كانت حالة طبيعية، حيث زعم أحد أعضاء البرلمان أن “كل الرجال العقلاء وجدوا الأمم المتحدة متحيزة ضد روديسيا، لأن الأمم المتحدة لم تفرض عقوبات على المجر أو التبت أو زنجبار أو غيرها من الأنظمة الاستبدادية”، وفي الولايات المتحدة، ضم وزير الخارجية الأمريكي السابق، دين أتشيسون، صوته إلى الأصوات التي أدانت قرار الأمم المتحدة.

كانت المساعدة التي تلقاها النظام المتمرد أو ما يُعرف باسم روديسيا الجنوبية، من جنوب إفريقيا والبرتغال فعالة في بقاء المستعمرة الاستيطانية البيضاء القائمة على العنصرية، كما ساهم عدم مراعاة ألمانيا الغربية وفرنسا والولايات المتحدة واليابان للمقاطعة التي فرضتها الأمم المتحدة، في استمرار ذلك النظام العنصري.

من أكثر الأمثلة وضوحاً على تصالح بريطانيا مع حكومة روديسيا الجنوبية، قيام رئيس الوزراء البريطاني، إدوارد هيث، وحكومته  البريطانية المحافظة الجديدة آنذاك باستئناف المفاوضات مع النظام المتمرد عام 1970، وتوصل معها في 24 نوفمبر 1971 إلى اتفاق قبلت فيه بريطانيا باستقلال روديسيا معترفة بها حتى عام 2035.

أما الولايات المتحدة، والتي كانت تلتزم في البداية بالمقاطعة إلى حد ما، فقد غيرت رأيها عام 1972 بعد الاتفاقية البريطانية، حيث قرر الرئيس آنذاك، ريتشارد نيكسون، انتهاك قرارات الأمم المتحدة واستيراد المعادن الروديسية للاستخدام العسكري كما انضم إلى جنوب إفريقيا والبرتغال في التحدي الصريح للأمم المتحدة.

دعم ثابت لا يتوقف

أما في حالة جنوب إفريقيا، ففي عام 1963، رفضت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية، بين دول أوروبية أخرى، الالتزام بالحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على بيع الأسلحة إلى جنوب إفريقيا.

وفي عام 1973، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الفصل العنصري هو “جريمة ضد الإنسانية”، لكن الدول الغربية لم تكترث بذلك ولم تتردد في استمرار دعم نظام الفصل العنصري والاستثمار فيه اقتصادياً وتزويده بالسلاح.

لقد أدى سقوط كل من أنغولا وموزمبيق على أيدي الثوار الأفارقة ونهاية تفوق العرق الأبيض الاستعماري البرتغالي عام 1975 إلى وقوع نظام الفصل العنصري في أول كارثة دولية كبرى من نوعها!

مع دخول عام 1980، كانت زيمبابوي قد حلت محل روديسيا وكانت وتيرة الحرب الثورية من أجل التحرير في ناميبيا آخذة بالتسارع، عندها وجدت جنوب إفريقيا نفسها وحيدة في رفع علم تفوق العرق الأبيض في جميع أنحاء إفريقيا، ولم يكن لها حلفاء يشبهونها، باستثناء الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، سوى إسرائيل وتايوان التي يحكمها حزب الكومينتانغ.

عندما فرضت الأمم المتحدة حظراً دولياً إلزامياً على الأسلحة على البلاد في نوفمبر عام 1977، وذلك لأن شرطة جنوب إفريقيا كانت قد قتلت ستيف بيكو، رفضت إسرائيل وتايوان الالتزام بالحظر، فكانت هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الأمم المتحدة مثل هذا الحظر على دولة عضو.

بحلول عام 1978، كان الأمريكيون يشكلون أكبر شريك تجاري لجنوب إفريقيا، يليهم البريطانيون واليابانيون وألمانيا الغربية ودول أوروبية أخرى.

من المهم مراجعة التاريخ من قبل أولئك الذين يدعمون الفلسطينيين اليوم، خاصة من يتعجبون من وقاحة الساسة الغرب في مواصلة دعم إسرائيل رغم جرائمها في حق الفلسطينيين، فقد كانوا هم ذاتهم من أيد نظام تفوق العرق الأبيض العنصري الجزائر الفرنسية و روديسيا وجنوب إفريقيا

أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية في البلاد، والتي تجاوزت 26 مليار دولار في ذلك العام، فقد كان 40% منها من رأس المال البريطاني، و20% من الولايات المتحدة، و10% من ألمانيا الغربية، وهي استثمارات حققت معدل عائد مرتفع في الستينيات والسبعينيات.

من المهم مراجعة التاريخ من قبل أولئك الذين يدعمون الفلسطينيين اليوم، خاصة من يتعجبون من وقاحة الساسة الغرب في مواصلة دعم إسرائيل رغم جرائمها في حق الفلسطينيين، فقد كانوا هم ذاتهم من أيد نظام تفوق العرق الأبيض العنصري الجزائر الفرنسية و روديسيا وجنوب إفريقيا

في الواقع، كان عدم اهتمام الولايات المتحدة بمعاناة السكان السود في جنوب إفريقيا كبيراً لدرجة أن سفير الولايات المتحدة ورجل النفط في تكساس، جون هيرد، كان قد ذهب في رحلة صيد طائر الدراج في جزيرة روبن في جنوب إفريقيا في أحد المرات، مع وزير النقل آنذاك بن شومان عام 1972، حيث استخدم السجناء السياسيين كضاربين!

العار الغربي

أما على المستوى الدولي، وفي منتصف الثمانينيات، فقد أدى رفض نظام جنوب إفريقيا لتقديم تنازلات كبيرة إلى زيادة الإدانة الدولية، حتى اضطرت كل من الولايات المتحدة ومعظم دول الكومنولث والجماعة الأوروبية إلى سحب الاستثمارات تطبيقاً للعقوبات الاقتصادية.

وكانت مارغريت تاتشر الوحيدة الرافضة آنذاك، فقد واصلت دعم نظام الفصل العنصري من خلال الروابط التجارية والاقتصادية، ولكن عندما زار وفد من الكومنولث جنوب إفريقيا لتقييم الوضع في مايو عام 1986، رفض الجنوب إفريقيون ما حصل من التقليل من شأن عدوانهم.

مع وجود الوفد في البلاد، داهمت جنوب إفريقيا قواعد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المزعومة في زيمبابوي وزامبيا وبوتسوانا، مما أرغم   تاتشر على الإدانة هذه المرة، فوفقاً للجنة الكومنولث البريطانية، بين عامي 1980 و1989، أدت هجمات جنوب إفريقيا ورعايتها للجماعات المناهضة للثورة والتي بدأت الحروب الأهلية في البلدان المجاورة إلى وفاة مليون شخص، وتشريد ثلاثة ملايين، كما تسببت في أضرار بقيمة 35 مليار دولار على اقتصادات الدول المجاورة.

بدأ نظام الفصل العنصري في تقديم التنازلات بعد ذلك، وذلك من خلال تخفيف قوانين الفصل العنصري حتى إلغائها في نهاية المطاف مع انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، مما أدى إلى إزالة التهديد الشيوعي الذي استخدمته جنوب إفريقيا والدول الإمبريالية الغربية كذريعة لدعمها طويل الأمد لنظام الفصل العنصري.

في ذلك الوقت، مارست القوى الإمبريالية ضغوطاً على حكومة جنوب إفريقيا لإنهاء الحظر المفروض على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ففي الوقت الذي كان يستعد فيه العصر النيوليبرالي لغزو العالم، كانت تلك اللحظة الأكثر ملاءمة لدمج حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في الترتيب الجديد.

قام مانديلا بتعليق الكفاح المسلح وبدأ المفاوضات على الفور، مما أدى إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية والمقاطعة الرياضية لنظام جنوب إفريقيا.

من المهم مراجعة التاريخ من قبل أولئك الذين يدعمون الفلسطينيين اليوم، خاصة من يتعجبون من وقاحة الساسة الغرب في مواصلة دعم إسرائيل رغم جرائمها في حق الفلسطينيين، فقد كانوا هم ذاتهم من أيد نظام تفوق العرق الأبيض العنصري الجزائر الفرنسية و روديسيا وجنوب إفريقيا، ولذلك فإن إسرائيل ليست استثناءً من ذلك التاريخ المخزي!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة