السودان وأهله وثرواته وقود صراع البرهان وحميدتي على السلطة!

أعلن المبعوث الأممي إلى السودان، فولكر بيرتس، ارتفاع عدد القتلى الذين سقطوا في الاشتباكات المتجددة بين قوات الجيش ووحدات الدعم السريع في السودان إلى أكثر من 180 قتيلاً فيما تجاوز عدد الجرحى 1800 جريح.

وأكد المبعوث الأممي، على ضرورة حماية موظفي الأمم المتحدة والمنشآت الطبية، مشيراً إلى أن “الوضع صعب جدا إن لم يكن مستحيلاً أمام أي عمل إنساني”.

ويأتي هذا الارتفاع في أعداد القتلى والمصابين بعد أقل من 12 ساعة على إعلان لجنة أطباء السودان المركزية عن سقوط 56 قتيلاً و595 جريحاً، صباح الأحد.

وكانت اللجنة قد أكدت في بيان نشرته على حسابها الرسمي في “تويتر” أن من بين القتلى عشرات العسكريين بالإضافة إلى مدنيين سقطوا خلال الاشتباكات الدائرة منذ صباح يوم الجمعة الماضي.

وأشارت اللجنة إلى وقوع إصابات وقتلى بين المدنيين، لم يتسن نقلهم إلى المستشفيات والمرافق الصحية بسبب احتدام المعارك التي عرقلت حركة مركبات الإسعاف وطواقم المسعفين واعتراضها من قبل القوات النظامية.

وكشفت اللجنة في تحديثات لمعطياتها حول القتال الدائر منذ صباح الجمعة أن من بين القتلى 25 سقطوا في العاصمة الخرطوم 17 من المدنيين، و8 عسكريين، في حين بلغ عدد الجرحى في العاصمة التي تشهد أكثر بؤر القتال ضراوة إلى 302 حالة.

وسجلت ولاية أم درمان المستوى الثاني في تعداد القتلى بعد الخرطوم، حيث وثقت البيانات مقتل 11 سودانياً فيها بينهم 7 مدنيين، و 4 عسكريين، وبلغ عدد المصابين 42.

ووفقاً للمعطيات، فقد قتل 8 آخرون بينهم 7 مدنيين وعسكري واحد وفي ولاية بحر، التي بلغ عدد الجرحى فيها 81 مصاباً.

وفي ساعة متأخرة من ليلة الأحد، أعلنت مصادر محلية أن هدوءاً حذراً ساد الولايات الثلاث بعد يوم من الاشتباكات العنيفة.

ونقلت مصادر صحفية عربية عن متحدث باسم الجيش السوداني دعوته لعناصر قوات الدعم السريع للتخلي عن القتال والالتحاق بصفوف القوات المسلحة.

وأكد المتحدث التزام قيادة القوات المسلحة “بتنفيذ المسار السياسي الذي التزمت به”، في مسعى واضح لفض أي تضامن شعبي مع قيادة قوات الدعم السريع التي يرأسها محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”.

كما تبادل الجيش ووحدات الدعم السريع معلومات متناقضة حول استسلام قوات من كل طرف للطرف الآخر في مناطق مختلفة من البلاد.

وكانت مصادر صحفية قد أعلنت أن مضادات أرضية تتبع على ما يبدو للدعم السريع أطلقت باتجاه مقاتلات حربية شنت هجمات على مواقع للوحدات في الخرطوم.

وأعلنت قوات حميدتي عن إسقاط مروحية مقاتلة تابعة للجيش من طراز أباتشي في مدينة الخرطوم بحري.

في المقابل أعلن الجيش “تطهير” مطار مروي من مقاتلي قوات الدعم السريع وأسر 100 منهم في عملية عسكرية.

ووفقاً لمتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، فإن عناصر وحدات الدعم السريع قاموا “باختطاف” مجموعة من الأسرى الذين كانوا محتجزين لديهم خلال انسحابهم من مطار مروي.

الخرطوم “مدينة أشباح” مع احتدام القتال وحرق المباني

أدت ثلاثة أيام من القتال المكثف في الخرطوم إلى ارتفاع الخسائر في الأرواح، وتوسع دائرة الضرر في المباني والبنية التحتية، ونفاد إمدادات الغذاء والوقود، فيما لازال الذعر يخيم على السكان مع استمرار سماع دوي الانفجارات وإطلاق النار والغارات الجوية في العاصمة السودانية.

فقد تواصلت المعارك بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية حتى مساء الإثنين، حيث قُتل ما لا يقل عن 97 مدنياً وعشرات المقاتلين وأصيب نحو 1000 آخرين، وفقًا للجنة الأطباء السودانيين المركزية. 

وأدت أيام القتال المتتالية إلى انهيار سريع في البنية التحتية المتهالكة أصلا في المدينة، كما غرقت العديد من شوارع العاصمة في الظلام الدامس خلال ساعات الليل بسبب انقطاع التيار الكهربائي. 

وشوهدت ألسنة النيران تتصاعد من عدد من المباني بسبب تعرضها للغارات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة السودانية، أو بعد ضربها بالمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات التي أطلقتها قوات الدعم السريع رداً على الغارات.

واشتعل حريق هائل يوم الاثنين بالقرب من مقر الجيش بوسط الخرطوم فيما سمع دوي الانفجارات في نفس المكان.

ونزح سكان الأحياء القريبة من المقرات العسكرية من منازلهم واحتمى بعضهم في أقبية المباني لساعات بسبب استمرار القصف.

وقالت هالة أحمد، وهي من سكان حي الخرطوم إن نوافذ شقتها تحطمت عندما سقطت قنبلة في مكان قريب، مضيفة:” هذا أعلى صوت سمعته في حياتي”.

وتابعت شاهدة العيان السودانية:” تحطمت النوافذ، وفتحت الأبواب، وتحطمت بعض المصابيح الكهربائية والنظارات، يبدو أنه نتج عن قنبلة من إحدى الطائرات التي كانت في هذا الصباح “.

وكشفت جولة قصيرة بالمدينة، يوم الاثنين، عن أضرار لحقت بالمطار الدولي وإحدى محطات الكهرباء الرئيسية ومباني الوزارات والمباني السكنية، فيما ظل مقر قيادة الجيش محور أعنف الاشتباكات مساء الاثنين.

المستشفيات عالقة في القتال

ومع تطور القتال إلى معارك في الشوارع، استخدم الطرفان المتحاربان المباني المدرسية والمستشفيات كمواقع لنقاط التفتيش وسواتر من نيران العدو.

وقالت نقابة المعلمين ولجنة الأطباء في بيان مشترك أن المستشفيات والمؤسسات الصحية في الخرطوم والمدن الأخرى تعرضت للقصف بالمدفعية الثقيلة والأسلحة النارية. 

وأكد البيان وقوع أضرار جسيمة في مستشفى الشعب التعليمي ومستشفى ابن سينا التخصصي ومستشفى بشاير، نتيجة الاشتباكات والقصف المتبادل بين الطرفين المتصارعين. 

وأوضح أحد الأطباء أن المستشفيات تعاني من “مشاكل كبيرة” بسبب انقطاع الكهرباء الذي يعيق عمل الفرق الطبية.

وتشير التقارير إلى أن السكان اختاروا البقاء في منازلهم بسبب القتال أساساً وبسبب الشعور المتزايد بإمكانية تعرضهم لاعتداءات خارجة على القانون، مع غياب الشرطة عن الشوارع وحتى عن مراكز الشرطة في بعض الأحياء.

ووصف شاهد عيان من منطقة العامرات المركزية الخرطوم بأنها “مدينة أشباح” في إشارة إلى الظلام والشوارع الخالية وبعض الأنباء عن عمليات سطو خلال الليل.

وبحلول يوم الاثنين، بدأ السكان يواجهون مشاكل نقص الغاز والبنزين، فيما بذل الكثير منهم جهوداً لشراء المنتجات الأساسية بما في ذلك الخبز.

مخاوف من المستقبل

ومع ادعاء كلا الجانبين تمكنهما من السيطرة على مواقع رئيسية، قال بعض السكان إنهم غير متأكدين مما آلت اليه الأوضاع معبرين عن خشيتهم من المستقبل الذي ستؤول إليه البلاد.

في بيان يوم الاثنين، زعمت القوات المسلحة السودانية أنها تسيطر على قواعد قوات الدعم السريع الرئيسية في مروي ومواقع أخرى، مؤكدة أنها اعتقلت العشرات من مقاتلي الدعم السريع وحثت الآخرين على الاستسلام مع ضمان سلامتهم.

أما قوات الدعم السريع، فزعمت من طرفها في بيان أصدرته أنها تسيطر على القصر الرئاسي وقاعدة جبل أولياء الجوية وجزء من مقر قيادة الجيش، متهمة القوات المسلحة السودانية بشن ضربات جوية على أحياء سكنية مكتظة بالسكان.

ودعا البيان المجتمع الدولي إلى التدخل ومراقبة “الانتهاكات التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية تحت قيادة البرهان”، مجددا الزعم بأن قوات الدعم السريع باتت “على وشك تحقيق نصرنا الكامل ونعتقد أنه انتصار الشعب السوداني، كما نكرر التزامنا بالعملية السياسية من أجل العودة إلى المسار الانتقالي”. 

وجدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يوم الاثنين دعوته للأطراف المتحاربة في السودان إلى “وقف الأعمال العدائية على الفور”، محذرا من أن المزيد من التصعيد “قد يكون مدمرا للبلاد والمنطقة”.

وكانت أعمال العنف قد اندلعت في السودان خلال عطلة نهاية الأسبوع على خلفية الخلافات المتعلقة بدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي. 

ففي السابق، ساعد قائد القوات شبه العسكرية محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي قائد الجيش والحاكم الفعلي للبلاد اللواء عبد الفتاح البرهان في انقلاب ناجح في أكتوبر 2021، لكن تحالف القائدين العسكريين المضطرب انهار الآن تمامًا.

مقالات ذات صلة