العملات الرقمية قد تحمي أهل غزة من البطالة ولكن ليس من إسرائيل!

بقلم أحمد السماك

ترجمة وتحرير مريم الحمد

محمد شاب من غزة، يبدأ يومه جيدا حين يكسب الدولارات من تداول العملات المشفرة في القطاع المحاصر، تخرج محمد من كلية الزراعة عام 2013، ولكنه لم يتمكن من العثور على وظيفة جيدة، فكان خياره الوحيد هو العمل في متجر صرف عملات مقابل 300 دولار شهرياً، ولكنه أراد زيادة راتبه، فبدأ بتداول العملات الرقمية بعد عام وظيفته، حتى أصبح له اليوم حصة في المتجر الذي عمل به، كما أنه استطاع شراء شقة وسط مدينة غزة.

دخلت العملات المشفرة فعلياً إلى السوق في غزة عام 2015، وكان تلك البدايات، غير أنه أصبح اليوم نشاطاً شائعاً في القطاع الذي يعاني من آثار الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ أكثر من 16 عاماً، حيث يُعتقد أن التداول بالعملات زاد بشكل كبير منذ عام 2018 حتى أصبحت مراكز التدريب تقدم دورات خاصة في المجال بقيمة لا تتجاوز 100 دولار.

ومن المعلوم أن الآلاف من شباب القطاع لجؤوا إلى التداول بالعملات الرقمية من أجل تحسين الدخل والمعيشة، خاصة في ظل معدل بطالة هو الأعلى في العالم بين الخريجين في القطاع بنسبة بلغت 73.9% كل عام تقريباً!

ويرى رئيس تحرير صحيفة “الاقتصادية” في غزة، محمد أبو جياب”، أن الشباب المتعلم “لجأ إلى الإنترنت لكسب لقمة العيش من خلال التداول بالعملات المشفرة أو التسويق الرقمي، فأصبحوا يحققون أرباحاً عالية أو يتحملون خسائر فادحة في وقت قصير جداً لأنه عمل محفوف بالمخاطر في نهاية المطاف”.

من جانبها، وقبل عام تقريباً، قامت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة بحظر العديد من الأنشطة التجارية عبر الإنترنت، مثل مخططات التداول الهرمي وتداول الفوركس، أكبر منصات تداول العملات الأجنبية، بالإضافة إلى مراكز التدريب التي تقدم دورات حول تداول العملات المشفرة بحجة أنه “سلبية الظواهر”!

ورغم الحملة الحكومية، إلا أن التداول الرقمي مازال شائعاً، فنصف متاجر صرف العملات في القطاع تسحب وتودع عملة USDT أو ما يعرف بـ “العملة المستقرة” للعملاء، وهي عملة مشفرة مصممة للحصول على نقطة سعر مستقرة، وفي حالة USDT فالنقطة المستقرة هي 1 دولار أمريكي، بمتوسط عمولة بين 1-2%.

معوقات

عام 2019، أصدر الجناح العسكري لحركة حماس “كتائب القسام”، نداء للتبرعات عبر عملة بيتكوين المشفرة، وقام بنشر عنوان محفظته المشفرة على موقع الجناح على الانترنت، وبعد أقل من سنتين في عام 2021، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية قامت بمصادرة أكثر من 836 ألف دولار من العملات المشفرة من شركة صرف عملات زعمت أنها مرتبطة بحماس، فقامت على إثر ذلك بمصادرة 30 محفظة تشفير استخدمتها المجموعة عام 2022.

من جانب آخر، صرح قسم الأمن السيبراني في وزارة الداخلية والأمن القومي التي تديرها حماس في غزة، أنه قد تم مصادرة ما قيمته نصف مليون دولار، بالإضافة إلى تجميد 21 حساباً، بالإضافة إلى الاستيلاء على الأرصدة في الربع الأول من العام 2022، حيث أشارت إدارة القسم إلى أنها تلقت 25 شكوى خلال يناير وفبراير حول “عمليات اختراق أجنبية” لمحافظ عملات مشفرة، بينها 20 شكوى تتعلق باختراق إسرائيلي.

لسان حال الكثيرين من أهل القطاع “أنا لست إرهابياً، أنا مجرد تاجر أعمل بالتداول بالعملات المشفرة لأتمكن من العيش الكريم”!

 في إبريل 2023، قامت اللجنة الوطنية الإسرائيلية لمكافحة “الإرهاب الاقتصادي” بمصادرة أكثر من 80 حساباً رقمياً بالإضافة إلى مئات المحافظ الرقمية برغم أن لها صلات بحركة حماس، وهو أمر غير دقيق، فعدد من تلك المحافظ لم يكن لحماس ولا حتى لأهداف سياسية، ومن هؤلاء محمد الذي تم إغلاق حسابه في يوليو 2021 بحجة “دعم الإرهاب”، دون أي إخطار مسبق، فعلق محمد بقوله ” ما زلت لا أعرف لماذا؟ هل أنا رجل داعم للإرهاب؟ أنا رجل أحب الحياة” وأضاف بسخرية “أنا من أشد المعجبين بالكباب وليس الإرهاب”!

ويؤكد المحاضر في مجال العملات المشفرة في الجامعة الإسلامية في غزة، رائد راشد، أن “القرصنة وإغلاق الحسابات والمحافظ الرقمية وارد في غزة، فمن يجرؤ على النطق بكلمة إن كانت إسرائيل تتهمك بالإرهاب؟!”، في إشارة إلى منصة Binance، أحد أشهر المنصات التي تُعنى بمحافظ العملات المشفرة، حيث قامت المنصة بإغلاق الحسابات بناء على طلب إسرائيلي بشبهة سرقة أو غسيل أموال!

على إثر ذلك، أعلن الجناح العسكري لحركة حماس “كتائب القسام”، تعليق نشاط رفع عملة البيتكوين، وذلك من باب “القلق بشأن سلامة المتبرعين وتجنيبهم أي ضرر” على حد وصف بيان الحركة.

مصدر دخل

بات شباب غزة يرون أن العملات المشفرة وسيلة جيدة لكسب المال، خاصة في ظل ظروف القطاع، فقد يصل متوسط الربح إلى ما بين 3-4% من رأس المال وأحياناً حتى 30%، وفقاً لقيمة العملة التي تتغير باستمرار، لكن الغالبية العظمى من المتداولين ما زالوا يخسرون أموالهم بسبب نقص الخبرة.

يخشى المتداولون في غزة أن تقوم منصة Binance بفرض المزيد من القيود على إجراءات التداول من القطاع المحاصر، الأمر الذي يزيد من التحديات والمعوقات التي يعاني منها الغزيون أصلاً!

وفي حالات أخرى، يلجأ الشباب إلى الإنترنت ليتعلموا أساسيات التداول الرقمي، من أجل تحسين معيشتهم وتوفير الأساسيات لعائلاتهم، والتي لا يمكن أن يغطيها راتب ناقص أو متقطع في أحسن الأحوال.

غير أن تلك الاستفادة باتت مهددة بالتلاشي بعدما قامت منصة Binance بحجب المحافظ القادمة من غزة بحجة “الإرهاب”، ولسان حال الكثيرين من أهل القطاع “أنا لست إرهابياً، أنا مجرد تاجر أعمل بالتداول بالعملات المشفرة لأتمكن من العيش الكريم”!

“انتهاكات ضد الفلسطينيين”

يؤكد الباحث في مجال حقوق الإنسان في غزة، محمد أبو هاشم، أن مصادرة أموال أهل القطاع من قبل إسرائيل دون أساس قانون “انتهاك للحق في الملكية”، مشيراً إلى أن “إسرائيل تتذرع بالقانون الدولي لمكافحة الإرهاب لارتكاب انتهاكاتها بحق الفلسطينيين ومصادرة أموالهم، وهي تعلم أنه لا يوجد من يحاسبها”، ويضيف “الملجأ القانون الوحيد للمتضررين من المصادرة الإسرائيلية، هو القضاء الإسرائيلي”!

ولا يحدث هذا القمع ضد الغزيين من قبل إسرائيل فقط، ففي 27 مارس 2023، رفعت لجنة “تداول العقود الآجلة للسلع” الأمريكية، دعوى إنفاذ مدنية في المحكمة الفيدرالية في ولاية شيكاغو، ضد مؤسس منصة Binance الكندي من أصول آسيوية، شانغ بينغ زاو، بتهمة “التهرب المتعمد من القانون الفيدرالي وتشغيل بورصة غير قانونية لمشتقات الأصول الرقمية”، ذكرت في إحدى صفحات ملف القضية أن زاو كان يعمل على “تسهيل أنشطة قانونية غير محتملة لحماس عام 2019”.

ويخشى المتداولون في غزة من أن يؤثر ملف القضية على أوضاعهم، فتقوم منصة Binance بفرض المزيد من القيود على إجراءات التداول من القطاع المحاصر، الأمر الذي يزيد من التحديات والمعوقات التي يعاني منها الغزيون أصلاً!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة