المتطرفون الحقيقيون في المملكة المتحدة هم سياسيوها!

بقلم بيتر أوبورن

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في عام 1912، تحول اللورد فيسكونت هيلمسلي، الذي كان من المقرر أن يموت مع عدد كبير من أنصاره على الجبهة الغربية في الحرب العالمية الأولى، إلى أول نائب يستخدم مصطلح “متطرف” في البرلمان البريطاني، حيث استخدمه للتحذير من النساء اللاتي يطالبن بحق التصويت.

رغم ذلك، وبعد سنوات قليلة، حصلت المرأة على هذا الحق وسرعان ما توقف السياسيون عن استخدام المصطلح بحق مؤيدي تحرير المرأة، ولكن بدلاً من ذلك، كما اكتشفت أثناء بحثي في ​​كتابي “مصير إبراهيم: لماذا يخطئ الغرب بشأن الإسلام”، بدأت الطبقة السياسية والإعلامية في بريطانيا في تطبيق هذا المصطلح على أولئك الذين دعموا استقلال الهند.

أنا أعتقد أن الأجيال القادمة سوف تنظر إلى الوراء بالعار والرعب معاً من فكرة أن زعماء الحزبين السياسيين الرئيسيين في بريطانيا قد دعموا نتنياهو، وربما تشعر تلك الأجيال بالدهشة والاستغراب من حقيقة أن رئيس الوزراء البريطاني قام  بتعليق المساعدات عن غزة في الوقت الذي يواجه فيه الجيب المحاصر المجاعة

يمكن استنتاج كيف تم استغلال مصطلح “المتطرف” كأداة بلاغية لإثبات أن المدافعين عن حق المرأة في التصويت بقيادة إيميلين بانكهرست أو أنصار حزب المؤتمر بقيادة المهاتما غاندي كانوا خارج إطار الرأي المقبول، وبالتالي يمكن نبذهم أو تجاهلهم، بل والسخرية منهم وتشويه سمعتهم في وسائل الإعلام وتجريمهم وسجنهم!

“تم اختطافها”

بعد مرور كل تلك السنوات، صار يُنظر إلى غاندي على مستوى العالم باعتباره أحد أعظم رجال الهند في القرن العشرين، في حين يُنظر إلى معارضي استقلال الهند على أنهم المتطرفون الحقيقيون.

لقد تم الاعتراف أيضاً بالنضال العظيم الذي خاضته إيميلين بانكهرست وابنتها كريستابل، وذلك من خلال نصب تذكاري لهما خارج مبنى البرلمان، في حين تم نسيان أو احتقار أولئك الذين وصفوهما بالتطرف.

يتم اليوم تصنيف المسلمين البريطانيين على أنهم متطرفون من قبل السياسيين ووسائل الإعلام، حتى تمت شيطنة مجموعة معينة من المسلمين في الأسابيع الأخيرة، والاستهزاء بالداعين إلى وقف إطلاق النار في غزة داخل البرلمان ومحاولة تشويه سمعتهم في الصحافة.

وفي بيانه الذي ألقاه مؤخراً في داونينج ستريت، حذر رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، من أن الاحتجاجات على غزة “تمزقنا”وأن شوارع بريطانيا قد “تم اختطافها” من قبل المتطرفين العنيفين الذين يدعون إلى الجهاد على حد تعبيره.

وفي بيانه، أمر وزير المجتمعات المحلية، مايكل جوف، بإعداد تعريف جديد للتطرف، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة التايمز والتي كان جوف يعمل بها، سوف يتم إنشاء “وحدة حكومية جديدة لمكافحة التطرف” من أجل “تقييم ما إذا كان التعريف قد تم انتهاكه”، وفيه يُمنع الجماعات والأفراد المصنفون على أنهم متطرفون من تلقي التمويل الحكومي والمجالس، كما يُمنعون من العمل مع الهيئات العامة.

لسنا بحاجة لانتظار حكم التاريخ حتى نتأكد من وجود سوء نية في خطاب سوناك حين هاجم ما أسماه “القوى هنا في الداخل التي تحاول تمزيقنا”، حتى أنه أشار بعدها إلى أن “الإسلاميين والمتطرفين اليمينيين وجهان لعملة واحدة وكلاهما يشكلان تهديدًا للديمقراطية البريطانية”

في الوقت نفسه، أشار اللورد والني، مستشار الحكومة لشؤون العنف السياسي، إلى أن حملة التضامن مع الفلسطينيين ستكون أحد الأهداف الرئيسية للنظام الجديد.

في الواقع، لقد احتشدت وسائل الإعلام البريطانية خلف سوناك وجوف ووالني، إلا أن زعيم حزب العمال، كير ستارمر، كان الأسرع في الإشادة بدعوة سوناك لتعديل تعريف التطرف.

عار ورعب معاً

إذا توقفنا للحظة وعدنا خطوة إلى الوراء، فسوف نتساءل كيف سيفسر المؤرخون الأحداث الرهيبة التي وقعت في الأشهر القليلة الماضية، هل سيشيدون بقرار سوناك بتقديم الدعم “القاطع” لإسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو عشية الهجوم على غزة؟ أم هل ينظرون إلى قرار سوناك بتعليق الأموال المقدمة إلى الأونروا باعتباره تصرفاً صادراً عن رئيس وزراء بريطاني “معتدل”؟

أتساءل كيف سيحكمون على قرار سوناك بمواصلة تقديم الدعم العسكري لإسرائيل في مواجهة حكم محكمة العدل الدولية القاضي بأن هناك أسبابًا معقولة لارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة؟ وماذا سيكون رأيهم في حملة التشهير الأخيرة المستوحاة من داونينج ستريت ضد المتظاهرين الفلسطينيين؟ وما هو الحكم الذي سيصدره التاريخ على دعم ستارمر للعقاب الجماعي لغزة؟!

أنا أعتقد أن الأجيال القادمة سوف تنظر إلى الوراء بالعار والرعب معاً من فكرة أن زعماء الحزبين السياسيين الرئيسيين في بريطانيا قد دعموا نتنياهو، وربما تشعر تلك الأجيال بالدهشة والاستغراب من حقيقة أن رئيس الوزراء البريطاني قام  بتعليق المساعدات عن غزة في الوقت الذي يواجه فيه الجيب المحاصر المجاعة.

علاوة على ذلك، وكما هي الحال مع المطالبات بحق المرأة في التصويت واستقلال الهند، فمن المرجح أن يحكم التاريخ على أن المتطرفين الحقيقيين ليسوا حملة التضامن مع فلسطين، بل يمكن العثور على هؤلاء المتطرفين الحقيقيين في داونينج ستريت وداخل جدران حزب المحافظين وحزب العمال بقيادة ستارمر.

قبل شهر، أشارت منظمة Open Democracy، إلى أن الاعتقالات في المسيرات المؤيدة لفلسطين كانت بمعدل أقل مما كانت عليه في مهرجان جلاستونبري للموسيقى العام الماضي، فخلال 4 أشهر من الاحتجاجات، لم يتم اعتقال سوى 153 شخصاً، تم إطلاق سراح 117 منهم دون توجيه تهم إليهم، مما يؤكد سلمية التظاهر، ومع ذلك، تصور الحكومة الاحتجاجات على أنها تهديد متطرف!

محظور من بريطانيا

لسنا بحاجة لانتظار حكم التاريخ حتى نتأكد من وجود سوء نية في خطاب سوناك حين هاجم ما أسماه “القوى هنا في الداخل التي تحاول تمزيقنا”، حتى أنه أشار بعدها إلى أن “الإسلاميين والمتطرفين اليمينيين وجهان لعملة واحدة وكلاهما يشكلان تهديدًا للديمقراطية البريطانية”،  فما الذي تعتبره الحكومة يمينيًا متطرفًا؟

عندما أعلن النائب السابق لرئيس حزب المحافظين، لي أندرسون، مؤخراً عن أن عمدة لندن صادق خان كان تحت سيطرة الإسلاميين، يقم سوناك بتوصيف  تعليقه بأنه معاد للإسلام أو عنصري!

قبل أسبوع أيضاً، كرر النائب بول سكالي إشارته إلى نظرية المؤامرة اليمينية المتطرفة، رابطاً ذلك بأجزاء من لندن وبرمنغهام باعتبارها “مناطق محظورة” على غير المسلمين، فيما لا يوجد ما يشير إلى إدانة سكالي باعتباره متطرفًا!

في هذه الأيام، تبدو العيون مفتوحة على حملة التضامن مع فلسطين، مع أن السياسيين هم من يشكل التهديد الحقيقي للتماسك الاجتماعي البريطاني!

علاوة على ذلك، فقد ذكرت صحيفة التايمز في 3 مارس أن “وزارة الداخلية تعكف على إعداد قائمة بأسماء الدعاة المتطرفين الأجانب الذين سيتم منعهم من دخول بريطانيا”، ولا يحتاج الأمر لجهد في التفكير لمعرفة أنه سوف يُطلب من المسؤولين تحديد شخصيات من دول بما في ذلك باكستان وإندونيسيا لإضافتها إلى القائمة.

في عام 2017، تعرض عضو حزب المحافظين، بوب بلاكمان، لانتقادات شديدة بسبب استضافته تابان غوش في مجلس العموم البريطاني، وغوش هو قومي هندوسي دعا الأمم المتحدة للسيطرة على معدل المواليد المسلمين وأشاد بالإبادة الجماعية لمسلمي الروهينجا، ولكن بلاكمان برر الاستضافة بأنه لم يكن على علم بتصريحات غوش على حد تعبيره.

نظرية المؤامرة و”حصان طروادة”

في العام الماضي، ارتبط اسم سوناك بموراري بابو، الواعظ الهندوسي المؤثر والذي قام ببناء معبد أيوديا مكان مسجد بابري التاريخي الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر قائمًا حتى 6 ديسمبر 1992 عندما دمره حشد من القوميين الهندوس.

وفي حادثة أخرى، قام سوناك بزيارة مفاجئة إلى كلية يسوع بجامعة كامبريدج في أغسطس 2023، حيث كانت الكلية تستضيف حفلًا هندوسيًا على شرف بابو، والقى خطاباً جاء فيه: “إنه لشرف وسرور حقًا أن أكون هنا اليوم في يوم الاستقلال الهندي، أنا هنا اليوم ليس كرئيس للوزراء ولكن كهندوسي”.

أتساءل أيضاً، لماذا سُمح لمايكل جوف بإجراء مراجعة وايتهول حول مفهوم التطرف؟ لم يكن هناك شخص أنسب لهذه المهمة بالتأكيد، فجوف هو من أطلق نظرية مؤامرة “حصان طروادة” المعادية للإسلام عندما كان وزيراً للتعليم قبل 10 أعوام، والتي كانت قائمة على مبدأ أن “الإسلاميين” كانوا يخططون للسيطرة على مدارس برمنغهام.

لا يوجد هناك تعريف واضح المعالم للتطرف، الشيء الوحيد المؤكد أنه إذا ما وقع في أيدي حكومة عديمة الضمير، فسوف يتم استخدامه كسلاح ضد أي جماعة قد تكون أقل شعبية وفي أي لحظة.

في هذه الأيام، تبدو العيون مفتوحة على حملة التضامن مع فلسطين، مع أن السياسيين هم من يشكل التهديد الحقيقي للتماسك الاجتماعي البريطاني!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة