بقلم عثمان مقبل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال العام الماضي، تابعنا بأمل حذر كيف تدخلت حكومة حزب العمال عند انتخابها وتعهدت باستعادة إنفاقنا على المساعدات الدولية ورفعه من 0.5% إلى 0.7% من الدخل القومي الإجمالي “عندما يحين الوقت المناسب”.
وقد بدا الأمر وكأنه عودة إلى تحمل المسؤولية بالنسبة للمملكة المتحدة، وكنا متفائلين بأنه بعد عقد من التخفيضات في تمويل المساعدات الإنسانية، ستفي حكومة كير ستارمر بوعدها وتتمسك بواجبها الأخلاقي لدعم الملايين في جميع أنحاء العالم.
لكن اليوم، دخل هذا الالتزام في حالة خراب، وباتت العواقب وخيمة على أكثر الناس ضعفاً في العالم، حيث استقالت وزيرة التنمية في حكومة ستارمر أناليز دودز يوم الجمعة بسبب تخفيضات المساعدات، قائلة إن ذلك سيؤثر بشكل خطير على أعمال الإغاثة في السودان وغزة وأوكرانيا.
ومن شأن القرار المتهور الذي اتخذته المملكة المتحدة بخفض إنفاقها على المساعدات الخارجية من 0.5% إلى 0.3% من الدخل القومي الإجمالي أن يحرم عشرات الملايين على مستوى العالم من المساعدات المنقذة للحياة.
إن كل واحد من هؤلاء الناس، الذين يواجهون الفقر المدقع والمرض والأزمات الإنسانية، يعتمدون على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة، لكن القوى العالمية خذلت 362 مليون رجل وامرأة وطفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية
إن هذا الخفض الجذري يشكل خيانة لدورنا طويل الأمد كرواد للتنمية ويرسل إشارة مخيفة حول أولويات الحكومة المتغيرة.
وفي الوقت نفسه، أعلنت المملكة المتحدة عن خطط لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، مما يكشف عن أولوياتها الخاطئة، حيث يتم تحويل المليارات التي يمكن استخدامها لتوفير المساعدات المنقذة للحياة إلى التوسع العسكري.
ومن خلال تفضيل المكاسب قصيرة الأجل على الاستقرار العالمي، تعمل المملكة المتحدة على زعزعة استقرار المناطق الضعيفة، وتأجيج الاضطرابات العالمية، وتعميق معاناة الملايين، وستظل عواقب هذه التخفيضات في الميزانية محسوسة لأجيال.
اتجاه خطير
ووفقًا للأمم المتحدة، فقد احتاج 114 مليون شخص في عام 2015 إلى مساعدات إنسانية، أما اليوم، فيبلغ هذا الرقم حوالي واحد من كل 22 شخصاً في جميع أنحاء العالم، وهذا أمر مفجع، حيث فشل 362 مليون رجل وامرأة وطفل في تلقي المساعدة من القوى العالمية.
أدت إعادة الهيكلة الدولية للتنمية في المملكة المتحدة، والتي كانت ذات يوم المعيار الذهبي للمساعدات الخارجية، إلى إضعاف التركيز الإنساني للمملكة، وإعطاء الأولوية للمصالح السياسية والدبلوماسية على المساعدات المنقذة للحياة
والنتيجة؟ تراجع بطيء، ولكن ثابت في الساحة الدولية في وقت تزداد فيه الحاجة إلى القيادة القوية أكثر من أي وقت مضى، والآن، بدأت العواقب الحتمية للتدابير والتراجع في التأثير تظهر للعيان، فقد فقدت بلادنا سمعتها على الساحة العالمية.
إن تراجع المملكة المتحدة هو جزء من اتجاه عالمي أكبر وأكثر خطورة، حيث تصرفت الولايات المتحدة، التي كانت عبر التاريخ لاعباً رئيسياً في الجهود الإنسانية، بطريقة مماثلة على نطاق أكبر وأكثر أهمية.
ففي ظل إدارة ترامب، تم تجميد تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وتقليصه وتسييسه، وبدون تدخل، من المرجح أن ينتشر هذا النمط من التراجع عبر العالم الغربي الذي يتصاعد فيه الاتجاه اليميني.
وفي جميع مناطق الصراع، لا يقع عمال الإغاثة في مرمى النيران فحسب، بل أصبحوا هم الأهداف، ففي غزة والسودان، تعرض العاملون في المجال الإنساني للهجوم والعرقلة، وفي كثير من الحالات تم قتلهم.
الانحدار الأخلاقي
منذ 7 أكتوبر، جرمت دولة الاحتلال بشكل منهجي عمليات الإغاثة، ومنعت عمليات التسليم المنقذة للحياة، وشنت حملة لا هوادة فيها ضد أولئك الذين يقدمون المساعدات، والإحصائيات في هذا المضمار مخيفة، فقد استشهد أكثر من 300 عامل إغاثة في غزة وحدها جراء عدوان مباشر من قبل الاحتلال.
وفي الوقت نفسه، أظهرت الحكومات الغربية، بما فيها حكومة المملكة المتحدة ضعفاً في أفضل الأحوال، وربما وصل إلى حد التواطؤ، وأمام الأدلة المتزايدة على الانتهاكات الإنسانية، فشلت جميعها في اتخاذ إجراءات وتدابير ذات معنى.
ولا ينبغي أن يكون هناك سوء فهم، فهذه الحكومات تملك الأدوات مثل العقوبات، والضغوط الدبلوماسية، والآليات القانونية الدولية لكنها اختارت عدم استخدامها، فأصبح صمتها قبولاً بالمعاناة.
وقبل أسابيع فقط، سارع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى إدانة الولايات المتحدة بسبب تخفيضاتها للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، محذراً من أن مثل هذه التخفيضات من شأنها أن تلحق الضرر بالقوة الناعمة الأميركية وأن تكون “خطأ استراتيجياً”.
لكن هذا المعيار المزدوج لا يكشف عن فشل القيادة فحسب، بل ويكشف أيضاً عن انحدار أخلاقي مقلق، ونحن نشاهد حكومة المملكة المتحدة تفقد شجاعتها في وقت يعتمد فيه الاستقرار العالمي على العمل الحاسم.
تملك المملكة المتحدة الفرصة لاستعادة دورها كزعيمة إنسانية عالمية، ولكنها تختار، على نحو مخيب للآمال، عدم اغتنامها، ويجب الاستفادة من تاريخنا وخبرتنا وسمعتنا للدفع نحو تجديد الالتزامات بالمساعدات الدولية.
وفي حين تتخلف حكومتنا عن الركب، يواصل العاملون في المجال الإنساني والدعاة والناشطون البريطانيون قيادة المهمة وتعبئة الجهود للاستجابة للأزمات في مختلف أنحاء العالم، لقد حان الوقت لكي يتحلى ساستنا بالشجاعة التي يتمتع بها أسلافنا.
سوف يتذكر التاريخ ما فعلناه في هذه اللحظة، ولن يتذكر صمتنا، ونحن نقف اليوم عند مفترق طرق، فإما أن نجدد التزامنا بالقيم التي اتصفنا بها ذات يوم كالتعاطف والتضامن والمسؤولية أو أن نقبل مكاننا في الانهيار الأخلاقي للمجتمع الدولي، الاختيار بين أيدينا، ولكن العواقب سوف يتحملها أشد الناس ضعفاً في العالم.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)