لماذا يتزايد أعداء الولايات المتحدة يوماً بعد يوم؟

بقلم نيكولاس جي إس ديفيز و ميدي بنجامين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

فيما يجري وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولات مكوكية محمومة حول الشرق الأوسط في مسعى لمنع تحول العدوان الإسرائيلي على غزة إلى حرب إقليمية، أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات ووحدة استكشافية من مشاة البحرية و 1200 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط كأدوات لتحقيق “الردع”.

تهدد الولايات المتحدة بلغة واضحة بمهاجمة أي قوات تتحرك للدفاع عن الفلسطينيين من بلدان أخرى في المنطقة، مما يمنح إسرائيل الاطمئنان إلى قدرتها على الاستمرار في ممارسة القتل في غزة دون عقاب.

ولكن استمرار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية هذه، قد يدخل التهديدات الأميركية في حالة من العجز عن منع الآخرين من التدخل، وبالتالي فإن احتمالات انتشار الصراع هائلة من لبنان إلى سوريا، واليمن، والعراق، وإيران.

وحتى الجزائر، تقول إنها مستعدة للنضال من أجل فلسطين حرة، بناء على تصويت بالإجماع في برلمانها في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر.

تنظر حكومات الشرق الأوسط وشعوبها إلى الولايات المتحدة باعتبارها طرفاً في المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، ولذلك فإن أي عمل عسكري أميركي مباشر سوف يعتبر تصعيداً من جانب إسرائيل، ومن المرجح أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد بدلاً من ردعه.

وتواجه الولايات المتحدة بالفعل هذا المأزق في العراق، فعلى الرغم من سنوات من المطالب العراقية بسحب القوات الأمريكية، لا يزال هناك ما لا يقل عن 2500 جندي أمريكي في قاعدة الأسد الجوية في غرب محافظة الأنبار، وقاعدة الحرير الجوية شمال أربيل في كردستان العراق، وقاعدة صغيرة أخرى في مطار أربيل.

وينتشر “عدة مئات” من قوات حلف شمال الأطلسي كذلك بمن فيهم جنود أمريكيون يقدمون المشورة للقوات العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق (NMI)، المتمركزة بالقرب من بغداد.

تصعيد جديد

لعدة سنوات، غرقت القوات الأمريكية في حرب منخفضة المستوى ضد قوات الحشد الشعبي التي شكلها العراق والتي تتكون بشكل رئيسي من الميليشيات الشيعية لمحاربة تنظيم داعش.

على الرغم من ارتباطاتها بإيران، فإن القوى المسلحة ومنها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها من قوات الحشد الشعبي غالبًا ما تجاهلت الدعوات الإيرانية لوقف تصعيد الهجمات على القوات الأمريكية، كما لا تبدي هذه القوى الاحترام لقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني بالقدر الذي تكنه للجنرال قاسم سليماني الذي أدى اغتياله على يد الولايات المتحدة في عام 2020 إلى تراجع قدرة إيران على كبح جماح الميليشيات في العراق.

بعد هدنة استمرت لمدة عام بين القوات الأمريكية والمجموعات المسلحة العراقية، أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى تصعيد جديد لهذا الصراع في كل من العراق وسوريا.

وأعادت بعض الميليشيات تسمية نفسها باسم المقاومة الإسلامية في العراق، وبدأت بمهاجمة القواعد الأمريكية في 17 تشرين الأول / أكتوبر.

وبعد 32 هجومًا على قواعد أمريكية في العراق، و34 هجومًا آخر في سوريا، وثلاث غارات جوية أمريكية في سوريا، شنت القوات الأمريكية في 21 تشرين الثاني / نوفمبر غارات جوية على قاعدتين لكتائب حزب الله في العراق واحدة في محافظة الأنبار والثانية في جرف النصر جنوبي بغداد مما أسفر عن مقتل تسعة على الأقل من رجال الميليشيات.

وأثارت الضربات الجوية رد فعل غاضبا من المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، الذي قال: ” ندين بشدة الهجوم الذي تم تنفيذه دون إشعار الجهات الحكومية على جرف النصر”.

وأضاف: ” هذا العمل يعتبر انتهاكًا صارخًا للسيادة ومحاولة لزعزعة استقرار الوضع الأمني، ويمثل خرقاً واضحًا لدور التحالف في مكافحة داعش على الأراضي العراقية، نحن ندعو جميع الأطراف إلى تجنب الإجراءات الأحادية الجانب واحترام سيادة العراق”.

وكما كانت الحكومة العراقية تخشى، ردت المقاومة الإسلامية في العراق على الضربات الجوية الأمريكية بهجومين على قاعدة الحرير الجوية في 22 تشرين الثاني / نوفمبر وبعدة هجمات أخرى في اليوم التالي.

هاجم المقاتلون العراقيون بعدة طائرات بدون طيار قاعدة الأسد الجوية والقاعدة الأمريكية في مطار أربيل، كما هاجم حلفاؤهم في سوريا قاعدتين أمريكيتين عبر الحدود في شمال شرق سوريا.

تصاعد العنف

باستثناء وقف إطلاق النار في غزة أو الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق وسوريا، لا يوجد إجراء حاسم يمكن للولايات المتحدة اتخاذه من شأنه أن يوقف هذه الهجمات، لذا فمن المرجح أن يستمر مستوى العنف في العراق وسوريا في الارتفاع طالما استمرت الحرب على غزة.

وهناك قوة عسكرية هائلة وذات خبرة تناهض إسرائيل والولايات المتحدة وهي جيش الحوثيين في اليمن، ففي 14 شرين الثاني / نوفمبر، طلب عبد الملك الحوثي، زعيم أنصار الله في اليمن، من الدول المجاورة فتح ممر عبر أراضيها كي يذهب جيشه ليقاتل إسرائيل في غزة.

وقال نائب وزير الإعلام الحوثي نصر الدين عامر لمجلة نيوزويك إنه إذا كان لديهم طريقة لدخول فلسطين، فلن يترددوا في الانضمام إلى القتال ضد إسرائيل.

وتابع عامر: ” لدينا مقاتلون يبلغ عددهم مئات الآلاف، وهم شجعان وأقوياء ومدربون وذوو خبرة في القتال، ولديهم إيمان عميق للغاية، وحلمهم في الحياة هو قتال الصهاينة والأمريكيين”.

إن نقل مئات الآلاف من الجنود اليمنيين للقتال في غزة سيكون مستحيلاً تقريباً ما لم تفتح المملكة العربية السعودية لهم الطريق، وهذا يبدو مستبعدًا إلى حد كبير، لكن إيران أو أي حليف آخر يمكن أن يساعد في نقل عدد أقل للانضمام إلى القتال.

كان الرئيس التركي أردوغان من بين أوائل الزعماء الدوليين الذين تحدثوا بقوة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، وقالوا صراحة إنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

خاض الحوثيون حرباً غير متكافئة لعدة سنوات ضد الغزاة الذين كانت السعودية تقودهم، وقد طوروا أسلحة وتكتيكات يمكنهم استخدامها ضد إسرائيل، وبعد فترة وجيزة من بيان الحوثيين، صعدت القوات اليمنية في البحر الأحمر على متن سفينة مملوكة من خلال شركات وهمية للملياردير الإسرائيلي أبراهام أونغار.

جرى احتجاز السفينة التي كانت في طريقها من إسطنبول إلى الهند في أحد الموانئ اليمنية.

أطلق الحوثيون أيضاً وابلاً من الطائرات بدون طيار والصواريخ باتجاه إسرائيل، وفيما يعمل العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي على تصوير الحوثيين على أنهم مجرد دمى في يد إيران، فإن الحوثيين في الواقع قوة مستقلة لا يمكن التنبؤ بها ولا تستطيع الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة السيطرة عليها.

وحتى تركيا عضوة الناتو، تجد صعوبة في البقاء في مقاعد المتفرجين، ونظراً للدعم الشعبي واسع النطاق لفلسطين بين الأتراك كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من بين أوائل الزعماء الدوليين الذين تحدثوا بقوة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، ووصفها صراحة بأنها مذبحة، وقال إنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

وتقود مجموعات المجتمع المدني التركية حملة لإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة على متن سفن الشحن، متحدية مواجهة محتملة مثل تلك التي وقعت في عام 2010 عندما هاجم الإسرائيليون أسطول الحرية، مما أسفر عن مقتل 10 أتراك على متن سفينة مافي مرمرة.

“كل الخيارات مطروحة”

وعلى الحدود اللبنانية، تتبادل إسرائيل وحزب الله بشكل يومي إطلاق النار منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 97 مقاتلاً و15 مدنياً في لبنان وتسعة جنود وثلاثة مدنيين في إسرائيل، وقد نزح حوالي 46 ألف مدني لبناني و65 ألف إسرائيلي من المنطقة الحدودية.

وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر قائلاً: ” ما نفعله في غزة، يمكننا أن نفعله أيضاً في بيروت”، كرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا التهديد خلال هذا الأسبوع.

كيف سيكون رد فعل حزب الله الآن بعد أن استأنفت إسرائيل مذبحتها الوحشية في غزة بعد توقف قصير، أو إذا قامت إسرائيل بتوسيع نطاق المذبحة لتشمل الضفة الغربية، حيث قتلت بالفعل ما لا يقل عن 237 فلسطينياً آخرين منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر؟

وفي خطاب ألقاه يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر، أحجم زعيم حزب الله حسن نصر الله عن إعلان حرب جديدة على إسرائيل، لكنه حذر من أن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة” إذا لم تنه إسرائيل حربها على غزة.

وبينما كانت إسرائيل تستعد لوقف قصفها الجوي في الثالث والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر، عقد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اجتماعات مع نصر الله ومسؤولين لبنانيين ثم مع زعيم حماس إسماعيل هنية.

وقال أمير عبد اللهيان في بيان:” استمرار وقف إطلاق النار يمكن أن يمنع توسيع نطاق الحرب، وفي اللقاء مع قادة المقاومة، اكتشفت أنه إذا استمرت جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية، فسيتم تنفيذ سيناريو المقاومة الأكثر صرامة وتعقيدًا”.

وكان أمير عبد اللهيان قد حذر في 16 تشرين الأول/أكتوبر من أن “قادة المقاومة لن يسمحوا لإسرائيل بفعل ما تريد في غزة ثم التوجه إلى جبهات المقاومة الأخرى”.

وبعبارة أخرى، إذا كانت إيران وحلفاؤها يعتقدون أن إسرائيل تنوي حقاً مواصلة حربها على غزة حتى تزيل حماس من السلطة، ثم تطلق آلة الحرب الخاصة بها على لبنان أو جيرانها الآخرين، فإنهم يفضلون خوض حرب أوسع نطاقاً الآن، حرب تجبر إسرائيل على قتال الفلسطينيين وحزب الله وحلفائهم في نفس الوقت بدلاً من انتظار أن تهاجمهم إسرائيل واحداً تلو الآخر.

عدد قليل من الحلفاء

المؤسف أن البيت الأبيض لا يستمع لذلك، ففي اليوم التالي، واصل الرئيس جو بايدن التعهد بدعم إسرائيل لاستئناف تدمير غزة، قائلاً إن محاولة القضاء على حماس “هدف مشروع”.

لم ينجح الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل ولا الإمدادات غير المنتهية من الأسلحة إلا في تحويل إسرائيل إلى قوة خارجة عن السيطرة، تمارس الإبادة الجماعية، وتزعزع الاستقرار في قلب منطقة هشة محطمة بالفعل ومصابة بالصدمة بسبب عقود من الحروب التي شنتها الولايات المتحدة.

والنتيجة هي دولة ترفض الاعتراف بحدودها أو حدود جيرانها، وترفض أي قيود على طموحاتها الإقليمية وجرائم الحرب التي ترتكبها.

وإذا أدت تصرفات إسرائيل إلى حرب أوسع نطاقا، فستجد الولايات المتحدة نفسها مع عدد قليل من الحلفاء المستعدين للقفز إلى المعركة.

وحتى لو تم تجنب الصراع الإقليمي، فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل قد تسبب بالفعل في ضرر هائل لسمعتها في المنطقة وخارجها، كما أن تورط الولايات المتحدة المباشر في الحرب من شأنه أن يجعلها أكثر عزلة وعجزًا من الذي واجهته بعد مغامراتها السيئة السابقة في فيتنام وأفغانستان والعراق. 

ما زال بوسع الولايات المتحدة تجنب هذا المصير من خلال الإصرار على وقف فوري ودائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.

وإذا لم توافق إسرائيل على ذلك، فيجب على الولايات المتحدة أن تدعم دعوتها بالتعليق الفوري لشحنات الأسلحة والمساعدات العسكرية وتقييد وصول إسرائيل إلى مخزونات الأسلحة الأمريكية والحد من الدعم الدبلوماسي لإسرائيل.

ولابد أن تكون أولوية المسؤولين الأميركيين وقف المذبحة التي ترتكبها إسرائيل، وتجنب نشوب حرب إقليمية، وإفساح المجال أمام الدول الأخرى حتى تتمكن من المساعدة في التفاوض على حل حقيقي لأزمة احتلال فلسطين.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة