بعد إغلاق البحر الأحمر في وجهها… لماذا تساعد مصر إسرائيل لتصبح الممر التجاري الجديد؟

بقلم وليد أبو هلال

ترجمة وتحرير مريم الحمد

منذ إطلاق عملية طوفان الأقصى، باتت حماس تتطلع إلى حلفائها في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران للحصول على الدعم في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية، واللافت أن العديد من أعضاء المحور استجابوا لنداءات المقاومة الفلسطينية ولو بحذر.

الحقيقة أن مساهمة اليمن في الحرب ضد العدوان الإسرائيلي هي التي كان لها الأثر الأكبر بين شركاء التحالف، فمنذ نوفمبر، ركزت القوات المسلحة الحوثية على العمليات البحرية من خلال منع أو الاستيلاء على سفن تجارية قالت أنها كانت في طريقها إلى إسرائيل أو مرتبطة بها. 

أوضح الحوثيون أن هدفهم من ذلك هو تطبيق المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي صدقت عليها اليمن عام 1989، حيث تلزم الاتفاقية الدول الموقعة “بمنع ومعاقبة” مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية.

عندها، بدأ العالم يدرك تأثير موقع اليمن الجغرافي على التجارة الدولية، نظراً لقرب جزيرة بريم اليمنية من مضيق باب المندب، 

ومع ذلك، بدلاً من إجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي ومعالجة الأزمة الإنسانية في غزة، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة وعلى رأسهم مصر، مشروعاً مشتركاً لنقل البضائع براً كطريق تجاري بديل إلى البحر الأحمر.

ومن عجيب المفارقات أن إسرائيل هي التي تسعى إلى التسبب في الاشتباكات البحرية والتوترات الإقليمية، وفي نفس الوقت تحرص على تصدير مينائها كممر جديد للتجارة العالمية، بدلاً من قناة السويس التي سوف يؤدي تعطيلها إلى خسارة كبيرة لمصر ومربحاً لإسرائيل!

مياه مضطربة

في ديسمبر، أطلقت الولايات المتحدة عملية “حارس الرخاء”، في محاولة لإحباط هجمات الحوثيين، حيث وقع الاشتباك الأول عندما أطلقت الولايات المتحدة النار على قوارب الحوثيين في البحر الأحمر في اليوم الأخير من عام 2023، أعقب ذلك عدة اشتباكات كان أخطرها ما حصل قبل أيام، عندما قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وبدعم 4 دول فقط، بتنفيذ غارات جوية على الأراضي اليمنية.

خلال جلسة في مجلس الأمن الدولي، زعمت كل من الولايات المتحدة وشريكتها بريطانيا بأن أعمالهما العسكرية تتفق مع القانون الدولي ومبدأ الدفاع عن النفس، وهو ما ينذر باتساع محتمل للحرب الدائرة  في الشرق الأوسط.

يعتبر باب المندب من أهم المضائق في العالم، حيث يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط ​​عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ولذلك كي تتمكن سفن الشحن من التحرك من آسيا إلى إسرائيل وقناة السويس وأوروبا، يجب عليها المرور أولاً بمضيق باب المندب.

ويعد المضيق، الذي يبلغ عرضه 26 كيلومتراً، هو المسؤول عن مرور 25% من التجارة العالمية، حيث يتحرك عبره أكثر من 4.5 مليون برميل من النفط وأكثر من 21 ألف سفينة سنوياً.

لقد ظلت قناة السويس أهم مشروع لمصر منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، فهي أقصر طريق تجاري عالمي والأقل تكلفة اقتصادية من آسيا إلى أوروبا، كما أنها تعد رافداً أساسياً للاقتصاد المصري، فهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، بالإضافة إلى تشغيل الآلاف من القوى العاملة المصرية

لقد أدت تهديدات الحوثيين المستمرة على الممر إلى زعزعة نظام الشحن، مما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين البحري بشكل كبير وأُجبرت معظم الشركات التجارية العملاقة على تجاوز باب المندب وتغيير مسارها نحو رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.

 ذلك التحويل يعني زيادة في تكاليف الشحن، ورحلة إضافية تستغرق أسبوعين إلى 3 أسابيع، تنتهي بارتفاع التضخم، الذي تحاول الحكومات الغربية وبنوكها المركزية خفضه منذ أكثر من عام ونصف من بعد الوباء.

من جانب آخر، وفي محاولة أخرى لتجاوز البحر الأحمر، أطلقت إسرائيل والإمارات ومصر مشروع “الجسر البري”، حيث وقعت شركة النقل الذكية الإسرائيلية، Trucknet Enterprise، اتفاقية مع Puretrans FZCO في دبي وموانئ دبي العالمية، لاستخدام الشاحنات لنقل البضائع على طول الطرق البرية من دبي عبر السعودية والأردن ومن ثم إلى إسرائيل.

 تستمر البضائع في طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط ​​عبر ميناء حيفا أو براً إلى مصر، حيث يتم استخدام موانئ العين السخنة وبورسعيد على خليج السويس المصري، كما وقعت Trucknet مذكرة تفاهم أخرى أو مذكرة تفاهم مع شركة الخدمات اللوجستية WWCS، ومقرها الإسكندرية، لإدارة الجانب المصري من طريق التجارة البرية.

ويعد مشروع الجسر البري نسخة منفذة من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهي الخطة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن لأول مرة خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في نيودلهي بالهند في سبتمبر الماضي.

ربما كان بايدن يهدف إلى إحياء مشروع قناة بن غوريون القديم، الذي تم تصوره في الستينيات ولكن تم تأجيله لعدة عقود بسبب المعارضة العربية والمخاوف البيئية، حيث كانت الخطة تقضي باستخدام القنابل النووية لحفر قناة في صحراء النقب!

يعتقد أن لدى بايدن هدفاً رئيسياً آخر أيضاً،  وهو عرقلة مبادرة الحزام والطريق التوسعية الصينية، التي تستخدم ميناء اللاذقية السوري للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.

تجاوز قناة السويس

في خضم كل ذلك، من اللافت تجاهل بايدن التام للمصالح المصرية أو التأثير الضار على قناة السويس، والأغرب أن مسؤولين مصريين قللوا من شأن تأثير مشروع الجسر البري الجديد على الدخل الناتج عن قناة السويس حتى أنهم يشاركون في تنفيذه.

بدلاً من الاستثمار في المشاريع الإسرائيلية مثل الجسر البري، الذي يهدف إلى تجاوز قناة السويس، يجب على السلطات المصرية العمل على إعادة تدفق السفن عبر القناة واستخدام جميع أوراقها لإنهاء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة!

من جهة أخرى، فقد أعرب العديد من خبراء الصناعة عن مخاوفهم من إضعاف الاقتصاد المصري، في ظل محاولة إعادة رسم الخريطة الاقتصادية والسياسية نحو جعل ميناء حيفا الإسرائيلي بوابة رئيسية إلى أوروبا.

لقد ظلت قناة السويس أهم مشروع لمصر منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، فهي أقصر طريق تجاري عالمي والأقل تكلفة اقتصادية من آسيا إلى أوروبا، كما أنها تعد رافداً أساسياً للاقتصاد المصري، فهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، بالإضافة إلى تشغيل الآلاف من القوى العاملة المصرية.

مع استمرار الأمور في التدهور في الشرق الأوسط، ربما لم تعد قناة السويس تتمتع بدورها البارز، فقد أدى تغير المسار عبر رأس الرجاء الصالح الذي اعتمدته العديد من خطوط الشحن إلى انخفاض عدد السفن التي تستخدم قناة السويس مما أدى إلى خسارة في حجم الإيرادات.

ما يحدث في قناة السويس اليوم يذكرني بحادثة وقعت في مارس عام 2021، حين علقت سفينة الحاويات “إيفر جيفن” وحمولتها التي تبلغ قيمتها مليار دولار في القناة و”أدى ذلك إلى تعطل التجارة العالمية”.

هنا هرعت الدعوات الدولية لإيجاد طرق تجارية بديلة، ومثلما فعل في ذلك الوقت، يجب على النظام المصري اليوم العمل على وضع استراتيجيات للحد من التوترات الإقليمية من أجل الحفاظ على دخل قناة السويس الذي يقدر بقيمة 9.5 مليار دولار سنوياً تقريباً.

تجدر الإشارة إلى أن الحوثيين صرحوا مرارًا وتكرارًا بأنهم سوف يمنعون السفن من المرور إلى إسرائيل حتى تدخل المساعدات إلى غزة، فكان بإمكان الحكومة المصرية تحدي الحصار الإسرائيلي وتسهيل دخول الغذاء والدواء والوقود وغير ذلك من المساعدات الحيوية إلى غزة عبر معبر رفح، الذي لا يزال مغلقاً. 

بدلاً من الاستثمار في المشاريع الإسرائيلية مثل الجسر البري، الذي يهدف إلى تجاوز قناة السويس، يجب على السلطات المصرية العمل على إعادة تدفق السفن عبر القناة واستخدام جميع أوراقها لإنهاء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة