بينما كانت إسرائيل تقوم بسحق جنين كان أصدقاؤها الغربيون يوفرون الغطاء!

بقلم ديفيد هيرست 

ترجمة وتحرير مريم الحمد

سأبدأ مقالي باقتباسين مهمين، الأول على لسان الصحفي الفلسطيني الذي شهد على هجوم القوات الإسرائيلية الأخير على مخيم جنين، حيث يقول “المشاهد في جنين كانت مرعبة، هناك ذخيرة حية في كل مكان، والمنازل يتم هدمها، وصوت الصراخ لا يمكن نسيانه، ولكن الصدمة الأكبر كانت عندما خرجت القوات الإسرائيلية من سيارات الجيب وبدأوا بإطلاق الرصاص نحو ونحو كاميراتنا”.

أما الاقتباس الثاني فقد ورد على لسان السياسي البريطاني ووزير الخارجية عن حزب المحافظين، مايكل جوف، ففي الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يتوغل في مخيم جنين، كان حزب جوف يسارع بتحريك مشروع قانون يحظر حركة المقاطعة BDS، وقد أشار جوف في كلمته الافتتاحية في البرلمان باعتبار كل من يعارض القانون “معاد للسامية”، بقوله “السؤال المطروح على كل عضو في هذا المجلس هل يقف معنا ضد معاداة السامية أم لا؟”.

النقاش البريطاني الدائر هو جزء من قواعد اللعبة التي تمارسها إسرائيل، وهي جزء أساسي من الغطاء الذي تستخدمه لمواصلة مشروع الضم، فرغم ظهور إسرائيل بكل وضوح بمكان المعتدي، يسعى كلا الجانبين في النقاش الدائر في لندن إلى تصويرها بدور الضحية!

يسعى مشروع قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة إلى حظر الهيئات العامة بما في ذلك المجالس المحلية عن دعم المقاطعات التي تستهدف الحكومات الأجنبية على أسس أخلاقية أو سياسية، ومن هنا فقد شن جوف هجومه على حركة المقاطعة لسببين، الأول أنها عززت معاداة السامية في الداخل وأنها تتعارض مع السياسة البريطانية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثلة بحل الدولتين، فقد زعم جوف أن حركة المقاطعة “تم تصميمها خصيصاً لمحو إسرائيل”.

ويرى وزير الظل السابق، ريتشارد بوردن، أن مشروع القانون يعمل على حماية انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل من التدقيق التي قد تقوم به الهيئات العامة في المملكة المتحدة، وتجاهل بريطانيا لمبادئ الأمم المتحدة بما يخص حقوق الإنسان والذي وقعت عليه منذ أكثر من عقد من الزمان.

ولا يعد توقيت القانون من قبيل الصدفة أبداً، فليس من الصدفة التاريخية أن كلا الجانبين في مجلس العموم يناقشان قانوناً من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من إفلات إسرائيل من العقاب، في وقت تشن فيه حرباً قاتلة ضد اللاجئين في مخيم مزدحم للغاية، وعندما تنتهي الحرب هذه يركز الجيش نيرانه على المستشفيات التي تعالج الجرحى!

قواعد اللعبة الإسرائيلية

مما لا شك فيه أن النقاش البريطاني الدائر هو جزء من قواعد اللعبة التي تمارسها إسرائيل، وهي جزء أساسي من الغطاء الذي تستخدمه لمواصلة مشروع الضم، فرغم ظهور إسرائيل بكل وضوح بمكان المعتدي، يسعى كلا الجانبين في النقاش الدائر في لندن إلى تصويرها بدور الضحية!

نقاش ينطوي على وهم كبير، فالحقيقة أن أي حكومة بريطانية من أي لون سياسي أبعد ما تكون عن الجدية في فرض إنشاء الدولة الفلسطينية، لأن ذلك يعني ببساطة طرد حوالي 700 ألف مستوطن من الضفة والقدس الشرقية.

 ومن هنا يصرح إسرائيلي مثل المستوطن مردخاي كوهين عبر قناة كان العبرية، بأن الهدف من هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية هو “دفعهم للمغادرة”، مضيفاً أن “على الفلسطينيين التوجه للعيش في الأردن إذا كانوا يريدون حياة طبيعية”، ثم أشاد كوهين بمنظر سكان المخيم الذين اضطروا للنزوح من منازلهم ليلة الهجوم الإسرائيلي، وهي ليست هجرتهم الأولى، فقد هجروا قبل 75 عاماً أول مرة.

لقد باتت بذاءة النقاش الذي دار في مجلس العموم في نفس الليلة التي هاجم فيها الجيش الإسرائيلي مخيم جنين الذي لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر بالطائرات المسيرة والدبابات والقناصة، واضحة للجميع، فقد سارع حزب العمال بقيادة كير ستارمر بإبعاد نفسه عن التشبه بالحزب الذي شن حملة ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً، أو حتى من أي ادعاء تقدمي، فلا فرق بين جوف وستارمر إلى بالمبالغة في الصياغة ليس إلا.

الضوء الأخضر نحو التطرف

للمرة الثانية في حياته المهنية، لجأ ستارمر إلى مستشارين في مجلس الملك البريطاني من أجل طلب النصيحة، الأولى كانت من مارتن فوردي الذي وجد أن من “المضلل” التأكيد على أن زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين قد تدخل بالفعل لوقف التحقيق في قضايا معاداة السامية، لكن النصيحة لم تناسب رغبة ستارمر فتجاهلها.

إن التظاهر بأن حل الدولتين ما زال ممكناً هو أحد أبشع وأقبح الادعاءات التي تتمسك بها الحكومة البريطانية

أما النصيحة الثانية فكانت من ريتشارد هيرمر الذي اعتبر مشروع القانون المناهض لحركة المقاطعة “مرفوضاً”، بغض النظر عما إذا كان المرء يعارض الحركة أو يتفق معها، إلا أنها تظل شكلاً من أشكال الاحتجاج السلمي، ولذلك فإن القانون ربما يحمل أثراً سلبياً على قدرة المملكة المتحدة على حماية حقوق الإنسان في الداخل والخارج، ولكن ستارمر تجاهل النصيحة أيضاً، وامتنع عن التصويت على القراءة الثانية للقانون.

هذه النتيجة هي عين ما ينشده الجنود والمستوطنين الإسرائيليون إن صح التعبير، فكيف إن أضفنا إليها اللهجة المعتدلة لرئيس الوزراء ريشي سوناك الذي حث إسرائيل على “ضبط النفس”، كما وصف نتنياهو بأنه “حليف لا غنى عنه”!

من جهتها، دعمت الولايات المتحدة التبرير الإسرائيلي للهجوم على جنين، فقد أشار المتحدث باسم الخارجية الامريكية، نيد برايس، إلى أن “لإسرائيل الحق المشروع في الدفاع عن شعبها وأراضيها ضد جميع أشكال العدوان بما في ذلك الجماعات الإرهابية”.

تصريحات تعطي الضوء الأخضر، بطبيعة الحال، لأكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، من أجل مواصلة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين والإفلات من العقاب، وهذا هو السبب وراء تجاوز إسرائيل منذ فترة طويلة فكرة دولة فلسطينية كجار لها، فلم يعد هناك حديث إلا عن حل الدولة الواحدة، تحاول فيه أقلية يهودية إجبار أغلبية عربية على المغادرة.

إن التظاهر بأن حل الدولتين ما زال ممكناً هو أحد أبشع وأقبح الادعاءات التي تتمسك بها الحكومة البريطانية.

واقع “الدولة الواحدة”

في الحقيقة، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، والمستوطنين لا يكترثون بذلك، فقادة المستوطنين لا يرون أي مشكلة في الإفصاح عن نواياهم، بل يفخرون بذلك، فهم يريدون إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم في الضفة من خلال ترهيبهم، وبحماية الجنود!

عام 2017، كتب زعيم الحزب الصهيوني الديني، بتسلئيل سموتريتش، في ما يسمى “خطة القرار” عام 2017 أن الفلسطينيين “لا وجود لهم كشعب”، وأنهم “في الأساس ليسوا سوى حركة مضادة للحركة الصهيونية، وفلسطين كان الاسم الجغرافي لهذه القطعة من الأرض ليس إلا”، ويختتم سموتريتش قائلاً “إن استمرار وجود الصراع في أرضنا يعني المزيد من السنوات بين الدماء والسيف حتى يتخلى أحد الطرفين عن طموحه القومي بطيب خاطر أو بالقوة وهنا يأتي السلام في أرض إسرائيل”.

إذا كان نتنياهو يعتقد أنه قد أغلق الملف بهذه العملية فهو مخطئ بالتأكيد، فقد بدأ فصل جديد مع جيل جديد من المقاتلين الذين يتبنون قضية تحرير وطنهم من أي محتل كان!

هذه سياسة إسرائيل التي تحرك الاستيطان والجيش والمحاكم، ومن الوهم التظاهر بغير ذلك!

جيل جديد

كل كلمة يقولها ستارمر لدعم “الوطن اليهودي”، وفي كل مرة يمتنع حزب العمال عن هكذا تصويت، فإنهم بذلك يرسلون رسالة واضحة إلى إسرائيل أنه يمكنها الاستمرار فيما تريد، بما يعبر عن “الدولة اليهودية” التي تشمل اليهود فقط، دون النظر إلى ضحاياها بإنسانية.

السؤال الذي يطرح نفسه، على من يجب إلقاء اللوم أكثر، على سموتريتش وبن غفير، ام على المدافعين عن إسرائيل في بريطانيا؟! في الحقيقة هم يخدمون نفس القضية!

ليست هذه المرة الاولى التي يتم تسوية مخيم جنين فيها بالأرض بواسطة الجرافات، فهي نفس الطريقة التي تعامل بها ارئيل شارون مع المخيم عام 2002، وقتل فيها 52 فلسطينياً، في ذلك الوقت، اعتقد مبعوث الشرق الأوسط آنذاك إلى المنطقة، توني بلير، أن الحل يكمن بخطة منطقة اقتصادية!

وبعد 21 عاماً، أصبحت جنين مرتعاً لجيل جديد من المقاومين الذين لم يكونوا قد قد ولدوا بعد عام 2002، وهذا يثبت أن جنين لم ولن تستسلم للاحتلال، فإذا كان نتنياهو يعتقد أنه قد أغلق الملف بهذه العملية فهو مخطئ بالتأكيد، فقد بدأ فصل جديد مع جيل جديد من المقاتلين الذين يتبنون قضية تحرير وطنهم من أي محتل كان!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة