تراجع منظومة القيم الأخلاقية في الغرب سبب رئيسي في تأجيج الإبادة الجماعية في غزة!

بقلم مانويل حساسيان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لا شك أنه ما زال هناك ملامح واضحة لهيمنة الحضارة الغربية المادية حول العالم، حيث تركز هذه الحضارة الغربية على الثروة المادية على حساب الروحانية والأخلاق، يكللها الطموح بترسيخ الهيمنة والسيطرة على كل من الناس ومواردهم الاقتصادية والطبيعية.

لقد ساهم هذه الحضارة المادية على تشكيل نظام إمبراطوري يسعى إلى السلطة ومتجاوزاً كل الاعتبارات الأخلاقية والمعنوية،من تجاهل  المعايير الدولية والحدود القانونية، فهي حضارة تعمل وفق مبدأ يسمح بأي وسيلة لتحقيق أهدافها.

اليوم، بات النظام العالمي نظاماً همجياً يتجاوز كل الأعراف الإنسانية، وذلك بهدف السيطرة على مقدرات الناس، فهو نظام يفرض قوانين شبيهة بالفصل العنصري، ويعزز النظرة إلى غير البيض من الأنجلوسكسونيين على أنهم أدنى مرتبة بهدف إذلالهم.

رغم هذه السياسات المتغطرسة، يبدو العالم الغربي راكداً مستسلماً لقانون الغاب وخالياً من أي بصيص أمل في معارضة حقيقية، فحرية التعبير مكبوتة والانتقادات ممنوعة!

تصطف معظم دول أوروبا الغربية مع هذه الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة والتي تدوس القيم الإنسانية وتقمع كل حركات التحرر، فهناك فجوة كبيرة بين الحكومات والشعوب التي تعارض هذه الهيمنة.

وتتمثل الهيمنة في الشركات متعددة الجنسيات، والصناعات العسكرية ووسائل الإعلام واللوبيات الصهيونية، ويمكن القول أن وحشية هذا النظام العنصري تنبع من إفلاسه من القيم، وانحلال كامل للأنظمة الأخلاقية، وتآكل المعتقدات، وهو نهج مفتوح تجاه أي ثقافة أو حضارة تعارض هيمنتها، حيث تلجأ في المقام الأول إلى التدابير القسرية.

رغم هذه السياسات المتغطرسة، يبدو العالم الغربي راكداً مستسلماً لقانون الغاب وخالياً من أي بصيص أمل في معارضة حقيقية، فحرية التعبير مكبوتة والانتقادات ممنوعة!

حليف استراتيجي

على الأرض، تمارس القوى السياسية المهيمنة في الأنظمة الغربية سياسات قمعية دون حسيب أو رقيب، في وقت غابت فيه التحديات الفكرية أو العسكرية ضد هذه الهيمنة العالمية، ومن قلب هذا الهيكل الدولي المعقد، شهد الشعب الفلسطيني مجازر بأحدث التقنيات العسكرية وبدعم اقتصادي وسياسي لا حدود له!

من يعتقد أن تل أبيب تهيمن على القرار الأميركي فهو مخطئ، بل على العكس من ذلك، فقد تمتعت إسرائيل تاريخياً بدعم أوروبي وهي الآن تحت القيادة الأمريكية، التي بدورها تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً في الشرق الأوسط من أجل تحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية.

ولا يمكن تجاهل الحقيقة الواضحة لوجود انفصال بين الخطاب الفكري والسياسي العربي، وهذا يقودني إلى السؤال، أين هي الصحوة العربية التي تصورها جورج أنطونيوس في الثلاثينيات، مؤكداً على النهضة الفكرية والسياسية؟

في ظل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، لا يوجد اعتراف بحل الدولتين أو اتفاقيات أوسلو أو أي اتفاقيات مع القيادة الفلسطينية، فأجندة حكومته واضحة وهي الضم والتهجير لإنهاء القضية الفلسطينية

لقد أدى غياب هذه الصحوة إلى مجتمع مدني مجزأ وغير قادر على إنتاج أفكار لتعزيز مجتمعات أخرى بشكل أفضل، حيث أن إحدى المفارقات تكمن في وجود ثروة مالية في الدول العربية والإسلامية، على النقيض من طبيعتها الاستهلاكية واعتمادها الكامل على السلع الغربية.

تكمن استثمارات هذه الدول في المقام الأول في الغرب وليس داخل العالم العربي، مما يؤدي إلى تبعيتها الاقتصادية والسياسية والفكرية، حيث تفشل تلك الأنظمة في استخدام عائدات النفط في الإنتاج لصالح شعوبها كما أنهم يظلون خاضعين للهيمنة الغربية.

في إطار النظام العالمي القائم اليوم، هناك دعم واضح للاحتلال الإسرائيلي الذي يقمع السكان العزل بسبب جريمة وحيدة وهي سعيهم إلى تقرير المصير وحق العودة.

 صار من الواضح أن الحرب المستمرة على غزة تهدف إلى تقويض القضية الفلسطينية بحجة القضاء على حركة حماس، حيث تسعى إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية، وعزل شمال غزة ليكون بمثابة منطقة عازلة لأمن إسرائيل، والاستيلاء على حقل غاز طبيعي بحري بمليارات الدولارات في غزة، والسيطرة على “مشروع قناة بن غوريون” عبر غزة.

حل الدولتين

في ظل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، لا يوجد اعتراف بحل الدولتين أو اتفاقيات أوسلو أو أي اتفاقيات مع القيادة الفلسطينية، فأجندة حكومته واضحة وهي الضم والتهجير لإنهاء القضية الفلسطينية.

في ظل هذه الجريمة، كنا نتوقع تحولاً في الموقف الأوروبي نحو دعم وقف إطلاق النار وإحياء الاتفاقيات الدولية في إطار حل الدولتين، فالمظاهرات في العواصم الأوروبية تضغط بشكل فعال على حكوماتها لإعادة النظر في مواقفها وتحمل المسؤولية عن جرائم إسرائيل.

التضحيات التي تم تقديمها في غزة كبيرة وتفطر القلب، وترمز إلى وقوف الشعب في وجه الاحتلال الوحشي

لا شك أن حجم هذه الاحتجاجات سيؤثر أيضاً على نتائج الانتخابات المقبلة في الغرب، ومع ذلك، فنحن لا نريد التكهن بسيناريوهات مستقبلية، فالواقع أنه لا يوجد بديل عملي لحل الدولتين.

 أما الموقف الإسرائيلي فهو واضح، إسرائيل دولة فصل عنصري، ومن الجدير ذكره أن حكومة نتنياهو الحالية تعارض فكرة حل الدولتين، وتميل بوضوح إلى الضم والتهجير.

باعتقادي، يجب أن تأخذ  الولايات المتحدة وأوروبا موقفاً حاسماً يدعم حل الدولتين مع خارطة طريق واضحة المعالم لتنفيذه، فالنضال المستمر منذ 75 عاماً يجب أن يتجسد في إقامة الدولة الفلسطينية الموحدة.

تعيش الحضارة الغربية اليوم حالة انهيار في بنيتها وأيديولوجياتها وإطارها الأخلاقي، وأول ملامحها كان الفشل في قيادة العالم الحديث،  بات الغرب بحاجة حقاً إلى تحول عميق وديناميكي نحو حضارة شمولية على أساس العدالة والقيم الإنسانية الأساسية والمبادئ الديمقراطية الحرة.

التاريخ لا يكتبه المنتصر، بل ينقشه الشعب من خلال ثوراته ومنجزاته، وهذه رؤية حتمية عبر عنها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، الذي قال أن الحضارات معرضة للانهيار وأن هناك حتمية واضحة في عملية التطور، ويمكن القول أن التضحيات التي تم تقديمها في غزة كبيرة وتفطر القلب، وترمز إلى وقوف الشعب في وجه الاحتلال الوحشي.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة