تفاصيل جديدة.. أبرز ما جاء في قضية اتهام سيناتور أمريكي بتلقي رشاوي من مصر

تتخذ لائحة الاتهام المؤلفة من 39 صفحة والموجهة للسيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي روبرت مينينديز شكل الرواية التي تجمع بين مطوري العقارات المتقدمين وأساتذة التجسس في الشرق الأوسط، فهناك سبائك ذهب مخبأة في منزل في إحدى ضواحي نيوجيرسي، وإشارات عابرة إلى “الجنرال” وشركة ناشئة لتوزيع اللحوم الحلال لها صلات بالمخابرات المصرية.

وفي قلب هذه الملحمة يظهر مينينديز وزوجته الثانية نادين، حيث وجه المدّعون الفيدراليون في نيويورك يوم الجمعة اتهامات بالفساد للسيناتور الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية ذات النفوذ في مجلس الشيوخ.

يزعم ممثلو الادعاء أن الزوجين نفذا على مدار فترة الخطوبة والزواج، مخططًا لتحقيق الثراء عبر تداول معلومات حساسة لدى الحكومة الأمريكية وتسهيل المساعدات العسكرية لمصر.

لمع نجم مينينديز منذ أن أصبح رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لأول مرة عام 2013، ولم يفقد منصبه إلا عندما سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ، وقد أبدى اهتمامًا خاصًا بالشرق الأوسط مقدماً نفسه كبطل للديمقراطية.

دافع مينينديز عن دول مثل اليونان وأرمينيا وعن حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في شمال سوريا ووجه انتقادات علنية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي بعض الأحيان لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وفي عدة مناسبات، وجه الإدانة لمصر على خلفية سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، لكن لائحة الاتهام الفيدرالية ضده تشير إلى أنه كان يعمل بعناية خلف الكواليس لتأمين مبيعات السلاح إلى مصر.

التهم الموجهة ضد روبرت مينينديز

تضمنت الاتهامات الموجهة لمينينديز وزوجته التآمر للرشوة ولارتكاب عمليات احتيال وابتزاز، كما شملت قائمة المهتمين وائل حنا، مؤسس شركة اللحوم الحلال التي يُزعم أن لها صلات بمسؤولين رفيعي المستوى في الجيش والمخابرات المصرية، وفريد دعيبس، وهو مطور عقاري فلسطيني أمريكي على علاقة تجارية بالعائلة المالكة القطرية، وخوسيه أوريبي، وكيل تأمين سابق في نيوجيرسي، حيث أنكر المتهمون ما وجه إليهم من اتهامات.

وبلهجة متحدية، أصر مينينديز في مؤتمر صحفي عقد يوم الاثنين، على أنه لم يرتكب أي خطأ وأنه كان هناك “تسرع في إصدار الأحكام”، مضيفاً: “الادعاءات الموجهة ضدي هي مجرد افتراءات، ومحكمة الرأي العام ليست بديلاً عن نظامنا القضائي الموقر.”

ويدعي ممثلو الادعاء أن مينينديز استخدم منصبه في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ للتأثير على المساعدات العسكرية والتمويل لمصر، حليفة الولايات المتحدة العتيدة، التي تعرضت لانتقادات من بعض المشرعين بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.

بدأ تنفيذ المخطط عندما قدّمته نادين، صديقة مينينديز العاطلة عن العمل في ذلك الوقت، إلى صديقها القديم وائل حنا، الذي سهّل بدوره اللقاءات بين مينينديز والمسؤولين المصريين لضمان استمرار تدفق المساعدات العسكرية للقاهرة دون عوائق، في المقابل، حصل مينينديز على عمل متواضع لنادين في شركة حنا، وكانت هذه مجرد البداية وفقا للمدعين العامين.

الجذور الكوبية

وبحسب لائحة الاتهام، فقد جنى مينينديز وزوجته مكاسب مالية مهولة على مدى السنوات الأربع التي تلت، حيث عُثر على مبلغ 480 ألف دولار نقداً مخبأة في منزل مينينديز عند تفتيشه في الصيف الماضي كان جزء منها محفوظاً في مظاريف تحمل بصمات دعيبس، أحد المتهمين في القضية.

“قمت بسحب آلاف الدولارات من حساب التوفير الشخصي الخاص بي… بسبب تاريخ عائلتي التي واجهت المصادرة في كوبا” – السيناتور روبرت مينينديز

كما عُثر على سبائك ذهبية تبلغ قيمتها حوالي 100 ألف دولار في منزل مينينديز بعد عودته من رحلة إلى مصر في تشرين أول / أكتوبر 2021، وعُثر كذلك على سيارة مرسيدس بنز مكشوفة بقيمة 60 ألف دولار مهداة لنادين كانت مركونة في مرآب بيت مينينديز، بالإضافة إلى معداتٍ رياضية باهظة الثمن وجهاز لتنقية الهواء.

وبرر مينينديز احتفاظه بالأموال في منزله بأسلوب حياته الذي يعود إلى جذوره الكوبية، فقال:” حالياً قد يبدو هذا أسلوباً قديماً، ولكني كنت أسحب هذه الأموال من حساب التوفير الشخصي الخاص بي من الدخل الذي حصلت عليه بشكل قانوني على مدى السنوات الثلاثين الماضية.”

“أقوى من رئيس مصر”

وفي لائحة الاتهام، تظهر نادين وكأنها تتفاخر بقوة مينينديز خلال اتصالاتها بالمصريين، وقد استشهد ممثلو الادعاء برسالة نصية وجهتها نادين إلى مسؤول مصري في آذار/ مارس 2020 كتبت فيها:” في أي وقت تحتاج فيه إلى أي شيء، لديك رقمي وسنقوم بكل شيء”، وادعت بعد ذلك أنها قادرة على جعل وائل حنا “أقوى من رئيس مصر”.

ويقول ممثلو الادعاء إن شركة حنا IS EG Halal استخدمت كوسيلة لنقل أموال الرشوة لمينينديز وزوجته، حيث منحت الحكومة المصرية خلال عام 2019 الشركة الناشئة في نيوجيرسي السيطرة الحصرية على شهادات صادرات الأغذية الحلال من أمريكا إلى مصر.

وحين ساور القلق وزارة الزراعة الأمريكية بشأن تأثير الاحتكار على ارتفاع التكاليف لموردي اللحوم الأمريكيين الآخرين، حاول مينينديز منع الوزارة من التدخل لكنها لم تمتثل لضغوطه كما يقول المدعون.

وخلال أيار / مايو 2018، حصل مينينديز على معلومات “حساسة للغاية” وإن كانت غير سرية من وزارة الخارجية حول عدد وجنسيات العاملين في السفارة الأمريكية في القاهرة، قام بإرسالها عبر نادين إلى مسؤول مصري في رسالة حملت عنوان “لمعلوماتك”.

وبحسب المدعي العام، فإن نقل هذه المعلومات : ” يمكن أن ينشيء مخاوف أمنية عملياتية كبيرة إذا تم الكشف عنها لحكومة أجنبية أو إذا تم نشرها على الملأ”.

ويكشف ممثلو الادعاء أن مينينديز صاغ رسالة بالنيابة عن الحكومة المصرية يسعى فيها لإقناع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بالإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات لمصر.

وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منصبه متعهداً بعدم تقديم المزيد من “الشيكات الفارغة للديكتاتور المفضل لدى ترامب” في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ووفر الهجوم الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة المحاصر في أيار / مايو 2021، فرصة للقاهرة للترويج لدورها التقليدي كوسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وأعربت إدارة بايدن عن “خالص امتنانها” لحكومة السيسي لمساعدتها في التوسط في الهدنة، لكنها واصلت نقاش ما إذا كانت ستحجب جزءًا من المساعدات العسكرية السنوية والتي اشترطها الكونجرس بسبب المخاوف من تجاوزات حقوق الإنسان.

في ضوء هذا المشهد، بعثت القاهرة رئيس مخابراتها عباس كامل إلى واشنطن، بالتزامن مع اجتماع يقول ممثلو الادعاء الأمريكي إن مينينديز عقده مع مسؤول كبير في المخابرات المصرية قبل الموعد المقرر للقاء المسؤول مع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ لمناقشة سجل مصر في مجال حقوق الإنسان.

تُظهر الرسائل النصية التي اطلع عليها ممثلو الادعاء، أن مينينديز أرسل لزوجته خطاباً يوضح الأسئلة التي من المتوقع أن يواجهها المسؤول المصري من أعضاء مجلس الشيوخ.

وبدورها، أرسلت نادين الخطاب إلى مسؤول مصري آخر لم تذكر اسمه، وأضافت:” اعتقدت أنه سيكون من الأفضل أن تعرف مسبقًا ما الذي يتم الحديث عنه، وبهذه الطريقة يمكنك إعداد تفنيداتك”.

بعد اجتماع مينينديز بالمسؤول المصري، زُعم أن حنا قام بشراء 22 قطعة من سبائك الذهب تزن أونصة واحدة لصالح مينينديز، وقد عثر على اثنتين منها أثناء تفتيش منزل مينينديز عام 2022.

شريك رئيسي

ظلت مصر شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ السبعينيات عندما أقام الرئيس أنور السادات علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وعقب اضطراب العلاقات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كان يُنظر إلى مصر في عهد السادات أيضاً باعتبارها سداً لمواجهة التوسع الشيوعي، وكانت المساعدات العسكرية إحدى الطرق لإبقائها في الكتلة الغربية، ومنذ ذلك الحين ومصر تتلقى نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات سنويا.

مصر هي أكثر الدول العربية اكتظاظاً بالسكان وموطن قناة السويس، التي يمر عبرها 13% من التجارة العالمية، ويعني موقعها الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط أنها ليست مجرد شريك في مكافحة الإرهاب، بل إن لها دور حاسم في وقف الهجرة من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.

ورغم ذلك، أصبحت المساعدات العسكرية لمصر خلال السنوات الأخيرة في مرمى بعض المشرعين بسبب سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان.

يحكم مصر السيسي، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عسكري عام 2013 أطاح بأول حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد.

أشرف السيسي على حملة قمع واسعة النطاق ضد المعارضة، والتي يقول المحللون إنها تتراجع إلى حد لم يُسبق في عهد الحكام العسكريين السابقين، فقد سجنت حكومة السيسي ما يقرب من 60 ألف معتقلاً سياسياً، ووثقت وزارة الخارجية الأمريكية حالات القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والاختفاء القسري.

وفي أيلول/ سبتمبر، أعلنت إدارة بايدن أنها ستحجب 85 مليون دولار من أصل 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية المقدمة للقاهرة بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة