جرائم الحرب و البروباغندا الإسرائيلية تقليد للدعاية الأمريكية كماركة مسجلة!

بقلم ميدي بنجامين ونيكولاس ديفيز

ترجمة وتحرير مريم الحمد

ليست هذه المرة الأولى التي كتبنا فيها عن جرائم الحرب الأمريكية أو جرائم حلفائها ووكلائها مثل إسرائيل والسعودية، مثل الاستخدام غير القانوني للقوة العسكرية في محاولة إزالة ما تعتبره “أنظمة” معادية”، بطريقة عنيفة تشمل قصف المدنيين وقتلهم والتدمير الشامل لمدن بأكملها، ودائماً ما يتم تبريرها بأنها “مكافحة للإرهاب”.

يتشارك غالبية الأمريكيين مشاعر نفور عامة من الحرب، ومع ذلك فهم يميلون إلى قبول هذه السياسة الخارجية العسكرية بسبب تأثير الدعاية أو البروباغندا عليهم، فالبروباغندا هي آلية تلاعب عام تعمل جنباً إلى جنب مع آلية القتل لتبرير التصرفات الوحشية.

ويعد الصمت أحد أكثر أشكال الدعاية فعالية، فهو ببساطة لا يخبرنا ما تفعله الحرب حقاً بالناس الذين تحولت قضية منازلهم ومجتمعاتهم إلى أحدث ساحة معركة في الولايات المتحدة!

منذ عام 2001، أسقطت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 350 ألف قنبلة وصاروخ على 9 دول، بما في ذلك ما لا يقل عن 14 ألف قنبلة وصاروخ في الحرب الحالية على غزة، وهذا يعني 44 غارة جوية في المتوسط ​​يوميًا، يومًا بعد يوم، لمدة 22 عاماً

خلال العقد الأخير، أسقط الجيش الأمريكي أكثر من 100 ألف قنبلة وصاروخ على الموصل في العراق والرقة في سوريا ومناطق أخرى يحتلها تنظيم داعش، حتى أن تقريراً استخباراتياً من طرف الأكراد في العراق قدر قتل أكثر من 40 ألف مدني في الموصل فيما دمرت الرقة بالكامل، بعد أن تلقت أعنف قصف مدفعي أمريكي منذ حرب فيتنام، ومع ذلك لم يتم الحديث عن ذلك إلا نادرًا في وسائل الإعلام الأمريكية.

ولعل أحدث الأمثلة على تناول الأمر إعلامياً كان الحديث عن إصابات الدماغ واضطراب ما بعد الصدمة لدى رجال المدفعية الأمريكية في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا، مشيراً فيه إلى استخدام مدافع الهاوتزر عيار 155 ملم، والتي أطلقت كل منها ما يصل إلى 10 آلاف قذيفة على الرقة، وذلك تحت عنوان “حرب سرية وجروح جديدة غريبة وصمت من البنتاغون”.

إبادة جماعية أمام مرأى الجميع!

انطلاقاً من هذا المنطق، ومن قبيل السخرية، فإن إخفاء الإبادة الجماعية والدمار الشامل يعد إنجازاً رائعاً، وذلك ما تحدث عنه الكاتب المسرحي البريطاني، هارولد بينتر، في خطابه حين تسلم جائزة نوبل للآداب عام 2005، في خضم حرب العراق، حيث عنونه “الفن والحقيقة والسياسة”، لتسليط الضوء على هذا الجانب الشيطاني من الحرب الأمريكية.

المسؤولين الإسرائيليين يدافعون عن أفعالهم في غزة من خلال الإشارة إلى جرائم الحرب الأمريكية، ويصرون على أنهم ببساطة يفسرون قوانين الحرب بنفس الطريقة التي فسرتها الولايات المتحدة في العراق فيقومون بمقارنة غزة بالفلوجة والموصل

وبعد أن ذكر بينتر في خطابه مئات الآلاف من عمليات القتل في إندونيسيا واليونان وأوروغواي والبرازيل وباراغواي وهايتي وتركيا والفلبين وغواتيمالا والسلفادور وتشيلي ونيكاراغوا، تساءل قائلاً “هل حدثت تلك العمليات فعلاً؟ وهل تنسب إلى السياسة الخارجية الأمريكية؟ الجواب نعم، لكنك لن تعرف ذلك، فلم يحدث شيء على الإطلاق، وحتى أثناء حدوثه، لأنه لم يكن أمراً مهمًا، كانت جرائم الولايات المتحدة ممنهجة وشريرة، فقد مارست التنويم المغناطيسي في جميع أنحاء العالم في وقت تتنكر فيه كقوة تمثل الخير العالمي”.

وعلى الأرض، تستمر الحروب وعمليات القتل يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، بعيدًا عن أنظار وأذهان معظم الأمريكيين، فمنذ عام 2001، أسقطت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 350 ألف قنبلة وصاروخ على 9 دول، بما في ذلك ما لا يقل عن 14 ألف قنبلة وصاروخ في الحرب الحالية على غزة، وهذا يعني 44 غارة جوية في المتوسط ​​يوميًا، يومًا بعد يوم، لمدة 22 عاماً.

وهذا المنهج الذي تتبعه إسرائيل في حربها الحالية على غزة، فهي ترغب في تقليد قدرة الولايات المتحدة على إخفاء وحشيتها، ولكن رغم الجهود التي تبذلها إسرائيل لمحاولة التعتيم الإعلامي، إلا أن مذبحتها الحاصلة في غزة يراها ويسمعها الجميع في العالم، خاصة وأن غزة مكان صغير مكتظ بالسكان وكأنه سجن في الهواء الطلق.

من استراتيجيات إسرائيل المتعمدة على ما يبدو في الحرب الأخيرة أيضاً قتل عدد قياسي من الصحفيين في غزة، تماماً كما حدث عندما استهدفت القوات الأمريكية الصحفيين في العراق، ومع ذلك ما زالت تصلنا مقاطع فيديو وصور مرعبة للفظائع الجديدة يوميًا.

قد يكون السبب الآخر لعدم القدرة على إخفاء جرائم هذه الحرب بشكل جيد هو أن إسرائيل هي التي تشنها، وليس الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة هي من تقوم بتزويد المنطقة بالأسلحة بشكل أساسي، كما أرسلت حاملات طائرات إلى المنطقة، وأرسلت الجنرال جيمس جلين من مشاة البحرية الأميركية لتقديم المشورة التكتيكية استناداً إلى خبرته في ارتكاب مذابح مماثلة في الفلوجة والموصل في العراق.

يذكر أن اتفاقية جنيف الرابعة الجديدة لعام 1949، والتي تحدثت عن حماية المدنيين في مناطق الحرب وتحت الاحتلال العسكري، انبثقت بعد فظائع مثل هيروشيما وناغازاكي وقصف المدن الألمانية واليابانية “لإجلاء” السكان المدنيين، كما أسماها ونستون تشرشل، إلى جانب المحرقة النازية في ألمانيا

أما القادة الإسرائيليون، فيبدو أنهم بالغوا في تقدير مدى قدرة آلة حرب المعلومات الأمريكية على حمايتهم من التدقيق والمساءلة السياسية، فخلافاً لما حدث في الفلوجة والموصل والرقة، فإن الناس في جميع أنحاء العالم يشاهدون مقاطع الفيديو بشكل سريع ومن أي مكان، فلم يعد نتنياهو وبايدن و”محللو الدفاع” على شبكات الأخبار هم من يصنعون القصة بشكل يخدم مصالحهم الذاتية، ببساطة، لأنه بات من الممكن لنا جميعاً رؤية الواقع المرير بأنفسنا.

وفي ظل الحقيقة التي شاهدها كل العالم، فقد أصبحت إسرائيل تواجه تحدي الناس لها في الإفلات من العقاب الذي تنتهك به القانون الإنساني الدولي، فقد ذكر الكاتبان مايكل كراولي وإدوارد وونغ في صحيفة النيويورك تايمز، أن المسؤولين الإسرائيليين يدافعون عن أفعالهم في غزة من خلال الإشارة إلى جرائم الحرب الأمريكية، ويصرون على أنهم ببساطة يفسرون قوانين الحرب بنفس الطريقة التي فسرتها الولايات المتحدة في العراق فيقومون بمقارنة غزة بالفلوجة والموصل.

قتل بلا حساب

ما يجعل تصرفات إسرائيل غير قانونية هو تقليدها لجرائم الحرب الأمريكية، ففشل العالم في محاسبة الولايات المتحدة هو ما شجع إسرائيل على الاعتقاد بأنها قادرة أيضاً على القتل بلا حساب، فالولايات المتحدة لا تبالي بميثاق الأمم المتحدة حول التهديد باستخدام القوة، فهي تختلق مبررات سياسية تناسب كل حالة وتستخدم حق النقض في مجلس الأمن للتهرب من المساءلة الدولية.

يقدم المحامون العسكريون تفسيرات استثنائية لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحدثت عن التعامل مع الحماية للمدنيين، باعتبارها ثانوية بالنسبة للأهداف العسكرية الأمريكية، كما تقاوم الولايات المتحدة بشدة اختصاص محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، من أجل ضمان عدم خضوعها للقانون الدولي أبداً أو تعرضها لتحقيق قضائي محايد.

عندما سمحت الولايات المتحدة لمحكمة العدل الدولية بالحكم على حربها ضد نيكاراجوا عام 1986، قضت المحكمة بأن نشر قوات “الكونترا” لغزو ومهاجمة نيكاراجوا وزرع الألغام في موانئ نيكاراجوا كانت أعمالاً تنتهك القانون الدولي، وعليه أمرت المحكمة الولايات المتحدة بدفع تعويضات الحرب لنيكاراجوا، لكنها رفضت واستخدمت حق النقض لذلك بعد شكوى نيكاراغوا لمجلس الأمن الدولي.

يذكر أن اتفاقية جنيف الرابعة الجديدة لعام 1949، والتي تحدثت عن حماية المدنيين في مناطق الحرب وتحت الاحتلال العسكري، انبثقت بعد فظائع مثل هيروشيما وناغازاكي وقصف المدن الألمانية واليابانية “لإجلاء” السكان المدنيين، كما أسماها ونستون تشرشل، إلى جانب المحرقة النازية في ألمانيا.

وفي الذكرى الخمسين للاتفاقية عام 1999، أجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بصفتها الجهة المسؤولة عن مراقبة الامتثال الدولي لاتفاقيات جنيف، دراسة استقصائية لمعرفة مدى فهم الناس في مختلف البلدان للحماية التي توفرها الاتفاقية، فشمل الاستقصاء 12 دولة من ضحايا الحرب، و4 من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا.

نشرت اللجنة الدولية نتائج المسح عام 2000 في تقرير بعنوان “الناس في حالة حرب هم مدنيون على خط النار”، حيث طلب الاستطلاع من الناس الاختيار بين الفهم الصحيح لحماية المدنيين التي تنص عليها الاتفاقية، والتفسير المخفف لها الذي يشبه إلى حد كبير تفسير المحامين العسكريين الأمريكيين والإسرائيليين.

تم تحديد الفهم الصحيح من خلال عبارة أن “المقاتلون يجب عليهم مهاجمة المقاتلين الآخرين فقط وترك المدنيين وشأنهم”، أما العبارة الأضعف وغير الصحيحة فكانت أن “المقاتلين يجب أن يتجنبوا المدنيين قدر الإمكان” أثناء قيامهم بعمليات عسكرية، وفي النتائج وافق ما بين 72% إلى 77% من الأشخاص في الدول الأخرى في مجلس الأمن وسويسرا على العبارة الصحيحة.

 كان الاستثناء في الولايات المتحدة فقط، فقد وافق على العبارة الأولى 52% فقط، فيما وافق 42% منهم على العبارة الأضعف، أي ضعف النسبة في الدول الأخرى، كما أظهرت الدراسة فوارق مماثلة بين الولايات المتحدة وغيرها بالمسائل المتعلقة بالتعذيب ومعاملة أسرى الحرب.

“القوة المفرطة”

يعد العراق أبرز الأمثلة على استخدام الولايات المتحدة لتفسيراتها الاستثنائية وتجاهل اتفاقيات جنيف، مما أدى إلى نزاعات لا نهاية لها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI)، والتي أصدرت بدورها تقارير أكدت بأن الضربات الجوية الأمريكية في المناطق المدنية المكتظة بالسكان كانت انتهاكًا للقانون الدولي.

على سبيل المثال، وثقت اللجنة في تقريرها عن حقوق الإنسان للربع الثاني من عام 2007، وقوع 15 حادثة قتلت فيها قوات الاحتلال الأمريكية 103 من المدنيين العراقيين، بينهم 27 قتلوا في غارات جوية في الخالدية قرب الرمادي في 3 أبريل، وقتل 7 أطفال في العراق في هجوم بطائرة هليكوبتر على مدرسة ابتدائية في محافظة ديالى في 8 مايو.

بناء عليه، طالبت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “بإجراء تحقيق شامل وسريع ونزيه في جميع الادعاءات الموثوقة بشأن عمليات القتل غير المشروع التي ارتكبتها القوات المتعددة الجنسيات، واتخاذ الإجراء المناسب ضد العسكريين الذين ثبت أنهم استخدموا القوة المفرطة أو العشوائية”.

وجاء في حاشية التقرير أن ” القانون الإنساني الدولي العرفي يتطلب تجنب وضع الأهداف العسكرية، قدر الإمكان، داخل مناطق مكتظة بالسكان المدنيين، كما أن وجود مقاتلين أفراد بين عدد كبير من المدنيين لا يغير الطابع المدني لأي منطقة”.

علاوة على ذلك، فقد رفضت البعثة الأممية مزاعم الولايات المتحدة المتمثلة بأن عمليات القتل للمدنيين كانت نتيجة استخدام المقاومة العراقية للمدنيين “كدروع بشرية”، وهذا أسلوب دعائي أمريكي آخر تحاكيه إسرائيل اليوم، فالاتهامات الإسرائيلية باستخدام الدروع البشرية تصبح مضحكة في منطقة مثل غزة، مكتظة بالسكان ويستطيع العالم أجمع رؤية ما تفعله إسرائيل من وضع المدنيين في خط النار.

لقد أصبحت الدعوات لوقف إطلاق النار في غزة تتردد في جميع أنحاء العالم، من قاعات الأمم المتحدة وحكومات الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة مثل فرنسا وإسبانيا والنرويج، ومن جبهة موحدة حديثًا لزعماء الشرق الأوسط المنقسمين سابقًا، وفي شوارع لندن وواشنطن، في مشهد أخذ العالم فيه بسحب موافقته على “حل الدولتين”، فقد تبين أنه ينطوي على إبادة جماعية تكون فيها إسرائيل والولايات المتحدة الوحيدتين القادرتين على تحديد مصير فلسطين!

إذا كان زعماء الولايات المتحدة وإسرائيل يرون أنه بإمكانهم تجاوز هذه الأزمة وغسل رعب العالم إزاء الجرائم التي قامت بها إسرائيل بعد مدة قصيرة، فهذا سوء تقدير خطير آخر.

 تقول الكاتبة حنة أرندت  في مقدمة كتابها أصول الشمولية الذي نشرته عام 1950:

“لم يعد بإمكاننا أخذ ما كان جيداً في الماضي وتسميته تراثنا بكل بساطة، أو التخلص من السيئ ببساطة باعتباره ميتاً سوف يصبح طي النسيان، فقد برز التيار الجوفي للتاريخ الغربي أخيراً إلى السطح طاعناً كرامة تقاليدنا، هذا هو الواقع الذي نعيش فيه، ولهذا فإني أرى أن كل المحاولات للهروب من كآبة الحاضر إلى حنين الماضي النقي أو إلى النسيان المبني على أمل مستقبل أفضل مجرد عبث ليس إلا”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة