بقلم ماسة بشور ونادر ضرغام
ترجمة وتحرير مريم الحمد
على مدى 3 أشهر متواصلة منذ تحرير دمشق، واصلت الحكومة الإسرائيلية ترحيبها بالحكومة السورية الجديدة من خلال التهديدات والغارات الجوية والغزو البري، حتى انتهى الأمر بنتنياهو بوضع جرمانا نصب عينيه!
وفي الحديث عن السبب، زعم نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس بأن الضاحية الواقعة على بعد 3 كيلومترات جنوب شرق دمشق هي مدينة درزية معرضة للتهديد، فأصدرا تعليمات لقواتهما بـ “الاستعداد للدفاع” عن جرمانا.
قال نتنياهو: “لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز”، فيما صرح كاتس: “إذا ألحق النظام الضرر بالدروز، فسوف نضربه”.
“هناك 1.5 مليون شخص في هذه المنطقة، وعدد الدروز هنا لا يتجاوز 150 ألف نسمة، المنطقة بالأصل كانت تعود للطائفة، لكن إخواننا هنا، سواء كانوا مسيحيين أو سنة أو غيرهم، كلهم يدعمون بعضهم البعض اليوم، ونحن نجتمع جميعاً ونحل القضايا في جرمانا معاً” – مكرم عبيد- محامي درزي
يعتبر الدروز أقلية عرقية دينية تتواجد في كل من لبنان وسوريا وإسرائيل، ولكنها أطياف الطائفة لا تشارك موقفاً موحداً تجاه إسرائيل، ففي الوقت الذي يعرف فيه الدروز في فلسطين بولائهم للدولة الإسرائيلية وتجنيدهم في جيشها، فإنهم أقرب للقومية العربية والسياسات اليسارية في لبنان وسوريا، حتى أنهم شاركوا في بعض الأحيان في قتال مباشر ضد إسرائيل.
وتأتي تصريحات نتنياهو وكاتس الأخيرة حول جرمانا بعد ما وصفه سكان المنطقة في حديثهم لموقع ميدل إيست آي، باشتباكات طفيفة بين السكان المحليين وعضو في قوات الأمن الجديدة التابعة للحكومة السورية حيث قُتل ضابط قبل أن يتم حل الخلافات مع سماح الجماعات المحلية لقوات الأمن السورية بالدخول إلى المنطقة.
في حديثه لميدل إيست آي، أوضح المحامي الدرزي وعضو لجنة العمل المدني في جرمانا المكونة من 16 عضواً، مكرم عبيد، بأن الهجوم على الضابط كان “غير مقبول” وتم التعرف على القاتل ويجري الآن تعقبه، معتبراً أن القضية أصبحت “أكبر من حجم نزاع فردي”، وأضاف بأن التهديدات الإسرائيلية قد “أدت للأسف إلى اتهامات ضدنا وتوتر شديد”.
جرمانا عبر السنوات
جرمانا مدينة شديدة التنوع العرقي، ورغم أنها كانت ذات أغلبية درزية في الأصل، إلا أن العديد من المسيحيين انتقلوا للعيش فيها على مدى العقود الماضية، كما أصبحت أيضاً موطناً للاجئين المسيحيين والمسلمين العراقيين الذي هربوا من آثار الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لبلادهم عام 2003.
خلال سنوات الحرب في سوريا، لجأ السوريون من المناطق المجاورة إلى هناك، فتحولت جرمانا من مدينة صغيرة أصبح في نهاية المطاف مدينة حقيقية، فقد أوضح عبيد: “هناك 1.5 مليون شخص في هذه المنطقة، وعدد الدروز هنا لا يتجاوز 150 ألف نسمة، المنطقة بالأصل كانت تعود للطائفة، لكن إخواننا هنا، سواء كانوا مسيحيين أو سنة أو غيرهم، كلهم يدعمون بعضهم البعض اليوم، ونحن نجتمع جميعاً ونحل القضايا في جرمانا معاً”.
تشتهر المدينة بأجوائها الصاخبة ويوجد بها العديد من الكنائس والمساجد ودور الصلاة الدرزية، يقول عبيد: “إذا تجولت في الشوارع فيمكنك أن ترى امرأة ترتدي النقاب وأخرى تغطي شعرها وآخرون يرتدون كل أنواع الملابس العصرية”.
تصريحات نتنياهو “أدت للأسف إلى اتهامات ضدنا وإلى توترات شديدة”، مشدداً على أن الطائفة الدرزية لها تاريخ مهم كسوريين، وهو ما حاولت حكومة الأسد “محوه وتشويهه وتقليله”- مكرم عبيد- محامي درزي
يذكر أن جرمانا ظلت محايدة إلى حد كبير خلال سنوات الحرب في سوريا، وفي السنوات الأخيرة، خرج سكانها إلى الشوارع للاحتجاج على حكم الأسد مطالبين بتحسين الظروف المعيشية، كما تعرضت جرمانا لتفجيرات سيارات مفخخة وهجمات من قبل مهاجمين مجهولين طوال فترة الحرب.
الحقيقة أن جرمانا غالباً ما وجدت نفسها على خلاف مع الحكومة، حيث أكد عبيد بأن حكومة الأسد المخلوعة لطالما حاولت إثارة التوترات الطائفية في المنطقة، فقال: “لقد حاول النظام السابق كثيراً تدمير هذه الديناميكية والتنوع من خلال تمكين بعض الأشخاص على حساب آخرين، ودعم أشخاص معينين فقط، ولكن لحسن الحظ، كان هناك وعي في جرمانا، فقد لعب الشيوخ الدروز دوراً كبيراً في الحفاظ على الأمن”.
سقوط الأسد
عندما سقطت حكومة الأسد في أوائل ديسمبر الماضي، انضم الناس في جرمانا إلى الاحتفال، ولكن لم يخلُ الأمر من بعض المشكلات الأمنية في المنطقة، فقد أكد أرشمندريت يوناني أرثوذكسي محلي ومدير مدرسة ناشط في العمل المجتمعي يدعى إلياس حبيب في حديثه لميدل إيست آي، بأنه “منذ لحظة سقوط النظام السابق، بدأت السرقات في جرمانا وانتشرت بسرعة من قبل بعض الأفراد المنفلتين وغير المنضبطين”.
سرعان ما تمت مداهمة القواعد العسكرية ومراكز الشرطة، ونهبت جميع أنواع الأسلحة، وعلى إثر ذلك أكد حبيب أنه “تم تشكيل خلية أزمة لضبط الأمن بشكل مستقل من شباب جرمانا من الإخوان الدروز والشباب المسيحي، بالتنسيق مع المجتمع المحلي والأهلي، وتمت السيطرة الأمنية إلى حد كبير”.
تجدر الإشارة إلى جرمانا عادت وبرزت فجأة إلى دائرة الضوء بعد تصريحات نتنياهو الأخيرة، مما دعا أهل البلدة إلى التأكيد على رفضهم لتصرفات إسرائيل وتصريحاتها حول سوريا، حيث كُتب على اللافتات في تظاهرة احتجاجية: “إسرائيل اخرجي من سوريا”، “سوريا درعي”.
لقد شنت إسرائيل غزواً على سوريا في الأيام التي أعقبت فرار الأسد إلى موسكو، وباتت تحتل الآن كامل هضبة الجولان التي كانت قد احتلت معظمها عام 1967، بالإضافة إلى مناطق في ريف درعا والقنيطرة ودمشق.
ويخشى اليوم سكان جرمانا من أن التركيز الإسرائيلي على مدينتهم قد يجعل سوريين آخرين يشعرون بالقلق منهم، حيث أشار عبيد إلى أن تصريحات نتنياهو “أدت للأسف إلى اتهامات ضدنا وإلى توترات شديدة”، مشدداً على أن الطائفة الدرزية لها تاريخ مهم كسوريين، وهو ما حاولت حكومة الأسد “محوه وتشويهه وتقليله”.
من جانبه، أكد الأرشمندريت حبيب بأن تصريحات نتنياهو أعادت “الخوف من العودة إلى حياة الحرب والدماء والدمار والمجهول لدى سكان المدينة، لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً لأن العقلاء، وخاصة المشايخ ورجال الدين والمثقفين، انتبهوا إلى الخطر الكامن وراء هذه التصريحات ودعوا الناس إلى الخروج إلى ساحات جرمانا والتعبير عن رفضهم لهذه التصريحات لأننا في النهاية شعب واحد ووطن واحد وبالتالي مصير واحد”.
وقد أكد عبيد على أن أهالي جرمانا لا يمكن أن يؤيدوا أبداً تقسيم سوريا وينتظرون من الحكومة الجديدة تشكيل مؤسساتها ودستورها بشكل صحيح، حيث يأمل بأن يكون لسوريا ما بعد الأسد قريباً حكومة تشكل معالم “دولة بكل ألوانها، دولة مدنية هدفها الحرية”، مؤكداً وفاء جرمانا للكل السوري ورفض أي مخطط للتقسيم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)