حرب إسرائيل على غزة: ألم نتعلم شيئاً من العراق؟

بقلم هدى المرعشي

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قبل أسبوعين، قالت الصحفية الفلسطينية بلستيا العقاد على إنستغرام: “وصلنا إلى المرحلة التي بتنا نفرح فيها عندما نسمع أن أحداً قد قُتل دون أن يتمزق جسده”، لقد اقشعر جسدي لسماع كلماتها، ليس فقط بسبب الرعب الذي اكتنف هذا الوصف، ولكن أيضًا لأن الموت بدا مألوفًا جدًا.

عندما توفي جدي في ذروة حرب العراق، قدم لنا العديد من أبناء الجالية العراقية في أمريكا العزاء بقولهم: “على الأقل لديكم جثة لتدفنوها”، وذلك لأن تفجير السيارات المفخخة والهجمات الصاروخية جعلت من إقامة الجنازة في العراق ترفاً.

هذه واحدة من أوجه التشابه العديدة التي طاردتني منذ إعلان إسرائيل الحرب على غزة.

عندما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن حماس “أطلقت العنان للشر الخالص في العالم”، سمعت صدى خطاب “محور الشر” الذي ألقاه الرئيس السابق جورج دبليو بوش، يوم أطلق عبارته القائلة: “إما أن تكون معنا، أو تكون مع الإرهابيين”.

ثم جاءت تصريحات بايدن التي ادعى فيها استخدام حماس “للدروع البشرية” ليبرر قصف المدارس والكنائس والمستشفيات، وهو ما ذكّرني بالادعاءات السابقة بأن العراق يدعم الجماعات الإرهابية ويمتلك أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي يتطلب التدخل الفوري.

ربطت العديد من الشخصيات الإسرائيلية يوم 7 تشرين الأول / أكتوبر بيوم 11 أيلول / سبتمبر، وهو ربط مناسب لكنه مثير للقلق، فقد كانت تلك أيضاً واقعة أطلقت فيها قوة نووية عظمى (الولايات المتحدة) تعرضت لهجوم النار على السكان (في العراق) دون أي ذنب إلا أنهم يعيشون في منطقة ذات أهمية استراتيجية.

صور الإساءة

وفي الآونة الأخيرة، حملت مقاطع الفيديو عن رجال فلسطينيين يتعرضون للتعذيب على أيدي الجنود الإسرائيليين تشابهاً صادماً مع صور الانتهاكات التي ظهرت في سجن أبو غريب في العراق، كما أن الزيادة المثيرة للقلق في جرائم الكراهية توازي أيضًا الارتفاع الذي سجل في تلك الجرائم إبان “الحرب على الإرهاب” التي قادتها الولايات المتحدة.

لا تقف أوجه التشابه عند هذا الحد، لكنني لا أريد المبالغة فيها أيضًا، فالعراق دولة ذات حدود غير متنازع عليها، تملك جيشها وتسيطر على مواردها الخاصة.

ورغم التشكيك الواسع في مبررات الحرب على العراق، إلا أن المؤسسة العسكرية الأميركية خططت استراتيجياً لغزوه ولم تخطط لإبادة جماعية عن طريق القصف الشامل كالذي نشهده الآن.

أنا أعقد هذه المقارنة لأتساءل: بعد أن فقدنا حياة أكثر من 300 ألف مدني عراقي بسبب السياسة الخارجية المضللة التي تنتهجها بلادنا، كيف يمكننا كشعب أن نستمر في تصديق تبريرات ساستنا للحرب؟ ومع استمرار نزيف هذه الدماء على أيدينا، كيف يمكن أن يكون هناك أي خلاف حول الضرورة المطلقة لوقف إطلاق النار الآن؟

وكما كان الحال في العراق، أخشى من أن لا نشعر بالأسف على مسار الأحداث التي أدت إلى هذا العدد غير المفهوم من القتلى في فلسطين إلا بعد فوات الأوان

ورغم أن هناك قِلة من الناس الذين قد يزعمون اليوم أن مسوغات حرب العراق كانت منطقية، فإنني ما زلت أتذكر تلك المرأة الشابة في المطار التي جادلت بضرورة تلك الحرب بقولها: ” لا يمكن التنبؤ بما سيفعله هؤلاء الناس”، وكذلك المرأة التي انتقدت مقالاً لي باعتباره “تهكماً سياسياً” عندما “حررنا العراق”.

لقد سُئلت مراراً لماذا لا يدين المسلمون الإرهاب، وكأن ما يقرب من ملياري مسلم في مختلف أنحاء العالم لديهم قيادة مركزية يمكنها إصدار بيان عام لإنهاء الإرهاب العالمي.

“خطاب نحن وهم”

من المريح ألا نضطر بعد الآن إلى مناقشة الظلم في حرب العراق، لكن من المؤلم سماع الناس يتحدثون عن خطاب الحرب مرة أخرى.

لقد استغل بايدن تهديد الإرهاب بقوله: “لقد علمنا التاريخ أنه عندما لا يدفع الإرهابيون ثمن إرهابهم فإنهم يتسببون في المزيد من الفوضى والموت والمزيد من الدمار”، يسأل القائمون على المقابلات ضيوفهم الفلسطينيين المصابين بصدمة نفسية: “لكن، هل تدينون حماس؟”

ويدافع السياسيون والمحللون عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، حتى عندما يكون ذلك انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتتخلل هذا المشهد جدلية “نحن مقابل هم” وهي الطريقة التي يتحدث بها الناس مع بعضهم البعض عبر الإنترنت وفي العمل وفي الفصول الدراسية، مما يزيد من انقسامنا بينما تستمر أزمة إنسانية ذات أبعاد لا توصف في الظهور.

منذ ما يقرب من 40 يومًا، شاهدنا التطهير العرقي من خلال العدسات المباشرة للصحفيين والمدنيين على الأرض، وأظهرت لنا وسائل التواصل الاجتماعي أباً يحمل رفات أطفاله في كيسين من البلاستيك، وأماً تحتضن طفلها الملفوف بالكفن، وأباً يبحث بين الأنقاض وينادي أسماء أطفاله بيأس بحثاً عن أي إشارة على بقاء أي منهم على قيد الحياة.

تكتب العائلات أسماء أطفالها على أجسادهم حتى يتسنى التعرف عليهم لاحقًا، ثم تقوم هذه العائلات بعد القصف بفرز الأطراف وبقايا الجثث للتعرف على هوية كل واحد من الضحايا.

حتى الحيوانات لم تنج، وفي جوعها، تأكل الكلاب جثث الموتى الملقاة في مستشفى الشفاء الذي تعرض للقصف.

الجانب الإنساني

تعود ذاكرتي إلى ترف الجنازة، ترف دفن قريب في التراب، ترف الحزن، ترف الناس الذين يهتمون بفقدانك.

من فقد أحد أفراد أسرته يعلم جيداً أنه ليس هناك ما هو أكثر قدسية من ممارسة طقوس الدفن، وأنه لا يمكن له أن يرتاح إذا لم يتم دفن فقيده العزيز بشكل صحيح.

بعد الحروب، نعزي أنفسنا بأننا ربما تعلمنا شيئًا ما، وأن الخسائر التي لا تحصى في الأرواح ربما أوصلتنا بالفعل إلى عالم أكثر أمانًا وحكمة.

بعد أن تم خداعنا بحرب غير عادلة قبل عشرين عاماً مضت، كنت أعتقد أننا سنكون أجدر بالاعتراف بأجندة سياسية واقتصادية تعمل تحت ستار “الدفاع عن النفس”، وأننا تعلمنا رفض الاستخدام العشوائي للقوة، ليس فقط ضد الناس، بل ضد كوكبنا.

سندرك أخيرًا، وإلى الأبد، أننا جميعًا نقف في نفس الجانب، ذلك الجانب الذي يخضع لمراسيم من هم في السلطة، محكومين من قبل قادة لا يتصرفون بما يخدم مصالحنا. إنه جانب الإنسانية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة