خطر تغير المناخ يحيق بذهب المغرب السائل “زيت الأرجان” ويتهدد العاملات بهذه الصناعة!

بقلم إيلا بنسون

ترجمة وتحرير مريم الحمد

منذ قرون، تنمو أشجار الأرجان جنوب المغرب، إلا أنه في السنوات العشرين الماضية، زاد الاهتمام بتلك الأشجار نتيجة زيادة الطلب عليها في الصناعات التجميلية العالمية، عن طريق استخلاص زيت الأرجان، مما جعله نعمة اقتصادية للمنطقة حتى أطلق عليه “الذهب السائل”.

وبعد أن كانت أشجار الأرجان في الماضي تنتشر في جميع أنحاء شمال إفريقيا، أصبحت تقتصر اليوم على الطريق من الصويرة حتى سيدي إفني، على طول الساحل الجنوبي الغربي وصولاً إلى منطقة سوس ماسة، وتعتبر الأرجان واحدة من النباتات النادرة التي يمكنها البقاء في المناخ غير الرطب على حافة الصحراء المغربية.

“لقد غيرت التعاونيات العقلية السائدة، فأصبحت النساء العاملات معنا يشجعن بناتهن ويعطين الأولوية لمواصلتهن للدراسة”- حفيظة الحنطاتي- عضو تعاونية إدجيج

تعد غابة الأرجان هذه، والتي تعتبرها اليونسكو محمية طبيعية منذ عام 1988، جزءاً لا يتجزأ من الحياة في المنطقة، باعتبارها خط الدفاع الأخير ضد التصحر ومصدراً للغذاء والدخل للسكان المحليين، خاصة النساء.

ولسوء الحظ، فقد أدت حالات الجفاف الأخيرة إلى التأثير على غابات الأرجان، وبالتالي، على النساء اللواتي يعتمدن عليها من أجل المعيشة، حيث تقول عضو جمعية مرجانة التعاونية النسائية التي تنتج زيت الأرجان، فدوى المناني، أن “الحصاد الأخير كان أقل، والفواكه أيضًا أصغر”، وأوعزت ذلك إلى المناخ المتغير، تقول “بات الصيف والشتاء يأتيان في نفس اليوم، والأشجار لا تستطيع التكيف مع التغيير”.

مصدر دخل للنساء

يقول الباحث في معهد الحسن الثاني للزراعة في أغادير، شريف هاروني، أنه “خلال 60 عامًا، أي بين عامي 1960 و2020، ارتفعت درجات الحرارة بأكثر من درجتين في أجزاء معينة من غابات الأرجان مقابل انخفاض في هطول الأمطار 20% ، بالإضافة إلى عامل إزالة الغابات، يمكن فهم سبب انخفاض إنتاجية الغابات”، وبالتالي انخفاضاً في دخل المرأة التي تعتمد عليه.

تؤكد المغربية حفيظة بوتارغوا، ذات الأصل الأمازيغي والتي تدير شركة خاصة بها اليوم، أن “لأشجار الأرجان دور مهم في توظيف النساء، فالكثير من الشابات يفكرن في بدء مشروع تجاري باستخدام الأرجان، لكن الأمر يصبح أكثر صعوبة مع الجفاف وندرة ثمار الأرجان”.

علاقة خاصة بين المرأة المغربية وتلك الشجرة، “بفضل هذه الفاكهة، يمكن للمرأة أن تتمتع بحياة طبيعية، الأرجان جزء من الحياة هنا، حتى في التعاونية إذا غادرت المرأة، فإننا نعلم أن ابنتها ستأخذ مكانها” – فدوى المناني- عضو تعاونية لإنتاج زيت الأرجان

تاريخياً، لطالما كان إنتاج زيت الأرجان حكراً على النساء مثل حفيظة، فقد كانت النساء ينتجن الزيت في المنزل قبل أن يبيعه الرجال في الخارج، لاحقاً، للتأكيد على حق النساء في أرباحهن، تم إنشاء أول تعاونية نسائية لزيت الأرجان في منطقة سوس على يد الأكاديمية زبيدة شروف، وذلك بهدف خلق فرص اجتماعية واقتصادية جديدة في المجتمع.

 تقول شروف “كان من الضروري أن يكون لهذه التعاونيات تأثير اجتماعي على النساء المهمشات في المنطقة، فقد كان 95% من النساء اللاتي عملنا معهن أميات، لذا كان إنشاء برنامج تدريبي أمرًا مهمًا لمساعدتهن على التحول إلى الاحتراف، الأمر لم يكن اقتصاديًا فحسب”.

تحول في العقلية 

لقد ساهمت الفرص الاقتصادية في إعطاء المرأة قدراً أكبر من الاستقلالية والمشاركة في صنع القرار داخل الأسرة.

هذا التأثير أكدت عليه إحدى المشرفات في تعاونية منطقة إدجيج، حفيظة الحنطاتي، حيث قالت “لقد غيرت التعاونيات العقلية السائدة، فأصبحت النساء العاملات معنا يشجعن بناتهن ويعطين الأولوية لمواصلتهن للدراسة”، ولكنها لفتت إلى أنه بسبب ندرة الفاكهة الحالية، فقد ارتفعت الأسعار، وعلى حد وصفها “فقدنا عملاءنا الدوليين الرئيسيين واضطررنا لإيقاف الصادرات بسبب ارتفاع الأسعار”.

ويعد زيت الأرجان بالأصل من أغلى الزيوت في العالم، ولكن التعاونيات تكافح لتلبية الطلب بأسعار مستدامة أو تنافسية، حيث تقول شروف “العديد من النساء اللاتي نعمل معهن يعشن في أماكن بعيدة للغاية، وهذا هو العمل الوحيد الذي لديهن، إذا لم يكن هناك مال، فسوف يؤثر ذلك على الأسرة، كانعدام القدرة على توفير الطعام، وحصول الأطفال على التعليم”.

تخشى النساء المغربيات من فقدان غابات الأرجان إما بسبب تغير المناخ أو الاستغلال المفرط أو كلاهما، ولكل الأحول فالأمر سيكون بمثابة كارثة بيئية تؤثر بشكل جذري على حياة النساء العاملات في المجال

على سبيل المثال، في تعاونية “مرجانة” اضطروا لزيادة الأسعار على العملاء، حتى يبقى العمل مستمراً من أجل استقرار الحياة الاجتماعية للعاملات في التعاونية، حيث تؤكد المناني على أن “الهدف الاجتماعي لا يزال مهمًا، فنحن نبحث عن النساء اللاتي يحتاجن حقًا إلى العمل، مثل المطلقات والأرامل، للمساعدة في تحسين وضعهن وتحقيق أهدافنا الاجتماعية والاقتصادية، والآن علينا إيجاد حلول لضعف المحاصيل أيضاً”.

“علينا أن نثق بالشجرة”

الحقيقة أن العثور على حل لمشكلة ضعف المحاصيل سيكون صعباً ما لم يحدث تغير كبير في السياسة البيئية، فالحكومة المغربية لديها خطط لإعادة تشجير المنطقة ولكن هذا لا يكفي فهناك مشكلة نقص المياه وقطع أشجار الغابات أيضاً.

يقول الهاروني “خلال السنوات 60 الماضية، انخفض منسوب المياه بشكل كبير، مما جعل من الصعب على المنطقة بأكملها التكيف مع هذه التغيرات، حيث أن الإفراط في ضخ طبقة المياه الجوفية يعني أنها تتعمق أكثر فأكثر، وبالتالي فإن الأشجار، حتى ذات الجذور العميقة، محرومة من مصدر المياه هذا”.

من جانب آخر، يؤدي الطلب الدولي المتزايد على زيت الأرجان إلى تفاقم هذه القضايا، فقد أكدت زبيدة شروف أن “الضغوط على الغابات تتزايد، خاصة مع الصعوبات المناخية وزيادة الطلب على الصادرات حيث أن 80% من الفاكهة تذهب الآن للتصدير، ويبقى القليل جدًا مع المنظمات التي تدرك الأهمية الاجتماعية والاقتصادية للشجرة”.

ويرى الباحث الزراعي، فؤاد بات، أن الاعتماد الإقليمي على زيت الأرجان يزيد من صعوبة حماية الأشجار، معللاً ذلك بقوله “الأرغان الأكثر مقاومة للجفاف، والناس هنا يعتمدون عليه، فلم يعد بإمكانهم دفع ثمن الغاز للطهي، لذلك يتطلعون إلى الأشجار للحصول على الوقود”، وأضاف “علينا أن نكون عمليين، يمكننا المساعدة في الزراعة وإعادة التشجير، وهذا هو أحد الحلول للمشاكل التي تواجهها شجرة الأرغان، ولكن يجب أن تكون هناك أيضًا المساعدة في إطعام الحيوانات، على سبيل المثال، وإلا فإنهم سيقومون بأكل شجر الأرجان”.

الخلاصة أن  غابات الأرجان تعتبر ضرورية للحياة في جنوب المغرب، ليس فقط من حيث الدخل المادي للمنتجات، ولكنها علاقة خاصة بين المرأة المغربية وتلك الشجرة، حسب توصيف المناني التي أوضحت أنه “بفضل هذه الفاكهة، يمكن للمرأة أن تتمتع بحياة طبيعية، الأرجان جزء من الحياة هنا، حتى في التعاونية إذا غادرت المرأة، فإننا نعلم أن ابنتها ستأخذ مكانها”.

رغم ذلك، تواجه العاملات في قطاع إنتاج الأرجان عدداً من المشاكل المتشابكة، فلا يزال الطلب العالمي على النفط مرتفعاً، فيجبر السكان المحليون على التنافس مع الشركات العالمية، وفي الوقت نفسه، تتناقص إنتاجية الغابة.

تخشى النساء المغربيات من فقدان غابات الأرجان إما بسبب تغير المناخ أو الاستغلال المفرط أو كلاهما، ولكل الأحول فالأمر سيكون بمثابة كارثة بيئية تؤثر بشكل جذري على حياة النساء العاملات في المجال، فإذا لم يكن هناك موسم حصاد وفير العام المقبل أيضاً؟ تقول المناني “لدينا ثقة في الشجرة، علينا أن نبقى على أمل”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة