ضرب وسحل وإطلاق نار وجرحى ومعتقلون… شرطة نيويورك تحول حرم جامعات المدينة إلى ساحة حرب 

كشف شهود عيان عن قيام شرطة نيويورك بالاعتداء على عدد من الطلبة أثناء تواجدهم مخيمات تضامنية نصبوها في حرمين جامعيين مختلفين في المدينة.

وأوضح الشهود أن رجال الشرطة منعوا عدداً من الطلبة الذين أصيبوا خلال الأحداث من تلقي المساعدة الطبية.

وبدأت الأدلة على تجاوزات الشرطة في الظهور إلى العلن بعد أن أمر مسؤولو الجامعة بعملية تفتيش مساء يوم 30 نيسان/أبريل في حرم جامعة كولومبيا وكلية مدينة نيويورك (CCNY).

ومؤخراً، بات قمع الشرطة للاحتجاجات الطلابية المتضامنة مع فلسطين من بين الأحداث الأكثر جذباً للانتباه على مستوى البلاد.

وقال متطوعو الإسعافات الأولية المعتمدون والذين يساعدون أثناء الأزمات في المدينة أنهم شاهدوا عناصر وحدة التدخل الخاصة (SRG) سيئة السمعة في كتيبة مكافحة الإرهاب العنيفة التابعة لشرطة نيويورك، وهي تقتحم بعنف حرم جامعة كولومبيا وتعتدي بالضرب على المتظاهرين.

وفي كلية مدينة نيويورك (CCNY) غرب هارلم، تم رش الطلاب بالغاز ورذاذ الفلفل وتعرض آخرون للضرب بالهراوات وتم طرحهم على الأرض. وأصيب الطلاب المحتجون بحروق وكسور في العظام وارتجاجات وكسور في الأسنان.

وقال أحد المسعفين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الشرطة منعتهم من تقديم المساعدة للجرحى.

وأوضح أحد المسعفين: “لقد مضوا في دفعنا إلى الخلف حتى عندما كنا نحاول مساعدة الجرحى ورغم معرفتهم بذلك، وكانوا يحملون هراواتهم واستمروا في الاندفاع نحو الحشد دون سبب واضح”.

“سنواصل النضال من أجل جامعة للشعب، ومن أجل جامعة ديمقراطية، ومم أجل فلسطين حرة” – جينا، طالبة دراسات عليا وأستاذ مساعد في جامعة كوني

وقال شاهد العيان أن العنف غير المفسر امتد ليطال الصحفيين وحتى المارة الذين كانوا يشاهدون الفوضى.

وأضاف الشاهد: “كانوا يدفعون الناس إلى الأرض ويوجهون وجوههم إلى السيارات، كانت الفوضى عارمة، وكانوا يكررون ذلك باستمرار”.

وأردف: “عثرنا على حذاء على الأرض وكان رجل من الحي يمشي مع كلبه، فاعتقلوه وتركوا كلبه يركض، لا أعرف ماذا حل بالكلب”.

وتابع المسعف “شعرت وكأنني أعمل في ساحة معركة مضطرمة رغم أنه لم تكن هناك اشتباكات، بقد كان هذا اعتداءاً من قبل الشرطة”.

وقال مسعف آخر أنه بينما كانت الشرطة تضرب الطلاب وترشهم بالغاز ورذاذ الفلفل، تلقى خبراً بأن أحد الطلاب يعاني من نوبة ربو لكن الشرطة لم تسمح له بالوصول إليه لمساعدته.

وأشار ريان شيافوني، وهو مسعف كان يتواجد موقع الأحداث: “في وقت لاحق تعرض أحد الطلبة الذين تم إطلاق سراحهم من السجن بعد أن تعرض للضرب بهراوة على رأسه قد دخل في غيبوبة”.

وأضاف شيافوني: “أكد طبيب السجن هذا التقييم، لقد اتصلت برقم 911 وتم نقل الطالب إلى أقرب مركز للصدمات في بلفيو”.

تورم في الوجه وجروح

 كان عناصر SRG قد أغلقوا حرم جامعة كولومبيا ودخلوا إليه قبل أن يشقوا طريقهم عبر قاعة هاميلتون عبر نشر الباب بالمنشار إلقاء قنابل الصوت وإطلاق النار داخلها.

وكان الطلاب قد أعادوا تسمية القاعة باسم قاعة هند في 30 نيسان/أبريل، لتحمل اسم الطفلة الفلسطينية البالغة من العمر ست سنوات التي استشهدت في غزة مع عائلتها.

وقالت شرطة نيويورك أن أحد ضباطها أطلق النار “عن طريق الخطأ”، حيث يقال أن الرصاصة أصابت الجدار، فيما كان الطلبة الذين حبسوا أنفسهم بالداخل يرددون شعارات احتجاجية طوال الوقت هاتفين: “لن نخرج”.

ومع ذلك، فقد ظهرت وجوه الطلبة المعتقلين منتفخة تكسوها الجراح بعد تعرضهم للركل والدفع على الأرض أثناء اقتحام الشرطة.

وخلال الفوضى التي تلت الاقتحام، سقط أحد الطلاب عن الدرج ولم يتلق رعاية طبية لأكثر من ساعة على الرغم من وجود المسعفين في الحرم الجامعي، كما تم حبس أحد المسعفين في مبنى مع طلاب آخرين.

وقالت إحدى شاهدات العيان من جامعة كولومبيا والتي كانت موجودة وقت الاعتقالات: “تم طرد مسعفين آخرين من الحرم الجامعي تحت ضغط التهديد بالاعتقال في حال عدم الامتثال”.

“دماء وأسنان مكسورة على الأرض”

ومن المرجح أن يثير دور وحدة التدخل الخاصة (SRG) في فض الاحتجاجات الطلابية في كولومبيا وكلية مدينة نيويورك الكثير من الجدل، نظراً لأنه جاء قبل أيام فقط من عقد جلسة استماع حول حل الوحدة.

وقال اتحاد الحريات المدنية في نيويورك ( NYCLU): “تأسست الوحدة عام 2015 لمكافحة الإرهاب، وسرعان ما تحولت إلى وحدة شرطة لمواجهة الاحتجاجات العنيفة، وهي معروفة بسوء السلوك والتحيز العنصري وإساءة معاملة المتظاهرين”.

وتم إرسال الوحدة إلى حرم كلية مدينة نيويورك CCNY، المرتبطة بجامعة مدينة نيويورك، وهي أكبر جامعة عامة حضرية في البلاد، لمداهمة المخيم وتفكيكه بعد أن أعلن رئيس الكلية فنسنت بودرو حالة الطوارئ.

ورداً على أعمال العنف التي وقعت الأسبوع الماضي، أصدرت كلية كوني القانونية بياناً يوم الأحد وصفت فيه نشاط الشرطة بأنه “عنف لا هوادة فيه، مع رش المواد الكيميائية المهيجة بلا هدف، وتعرض الأشخاص للصعق أثناء تقييد أيديهم، وضرب النساء المسنات بالهراوات. 

وقال البيان أنه تم “إغراق” مئات الأشخاص وإلصاق وجوههم بواجهات المتاجر وتم انتزاع حجاب النساء المسلمات عن رؤوسهن، وإزالة القلنسوة عن رأس رجل يهودي، وتم اعتقال أكثر من 170 شخصاً من قبل شرطة نيويورك وفرقة Goon Squad.

وجاء في البيان: “كانت هناك دماء وأسنان مكسورة على الأرض”.

وتم اعتقال أكثر من 300 متظاهر، معظمهم من الطلاب، عندما قامت الشرطة بمداهمات للحرمين الجامعيين في 30 نيسان/أبريل، كما جرى تفكيك المعسكرين وإنهاء احتلال أحد المباني في حرم مورنينجسايد بجامعة كولومبيا.

ويبدو أن شهادات الشهود تتناقض مع التوصيف الرسمي لعمليات الاقتحام من قبل عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز ورئيس كولومبيا نعمت مينوش شفيق الذين اعتبرا عمليات الاقتحام “ناجحة” و”غير عنيفة”.

كما أن عنف الشرطة ينذر، وفقاً للشهادات، بكارثة علاقات عامة جديدة للمدينة والجامعات والمسؤولين عنها.

وقد استعرض موقع “ميدل إيست آي” عدة مقاطع فيديو من ليلة المداهمة، والتي تظهر الشرطة وهي تسيء التعامل مع المتظاهرين، وترهب الصحفيين والطلاب، وتدفع أجهزة التسجيل من أيدي الشهود.

وقالت جينا، وهي طالبة دراسات عليا وأستاذة مساعدة في كلية كوني: “رأيت طلاباً يتم إلقاؤهم على الأرض من قبل شرطة نيويورك بالقوة”.

وقال طالب دراسات عليا آخر من كوني إن الطريقة التي تصرفت بها الشرطة أثناء سيرها عبر المعسكر، وضرب الطلاب، وقلب الخيام بعنف تشير إلى أنهم كانوا مستعدين لتوقع هجوم مضاد من الطلاب، لكن ذلك لم يحدث أبداً.

ويتذكر إيفان، وهو طالب دراسات عليا في كوني،ما جرى بالقول: “لم يكن هناك سبب لضرب الطلاب. لكنهم فعلوا ذلك على أي حال”.

أما جيف، وهو طالب دراسات عليا آخر من جامعة مدينة نيويورك، فشهد أن إحدى الطالبات مكثت لأكثر من أربع ساعات وهي مصابة في الكتف وتم تقييد يديها بإحكام بأربطة ضاغطة.

وقال جيف: “لم تتحول أصابعها إلى اللون الأرجواني فحسب، بل تمزق كتفيها بشكل سيء لدرجة أنها كانت تبكي وتلهث وتصرخ من الألم طوال الأربع ساعات التي قضيناها في الحافلة”.

وأضاف: “حتى أن ضباط الشرطة سخروا منها، لقد كان الأمر سخيفاً للغاية وقاسياً ومثيراً للحنق”.

“أداء متقن”

وبعد ساعات من المداهمات في كولومبيا وCCNY، وصف عمدة مدينة نيويورك، إريك آدامز، الأمر بأنه مثال على أداء “الشرطة المتقن”.

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني أُرسلت إلى مجتمع الجامعة بأكمله يوم الأربعاء، شكرت رئيسة جامعة كولومبيا، مينوش شفيق، شرطة نيويورك على “احترافيتهم”.

لكن وحشية الشرطة تجاه الطلاب المتظاهرين أصبحت حدثاً متكرراً في العديد من الجامعات في جميع أنحاء البلاد خلال الأسبوع الماضي، حيث جرى اعتقال أكثر من 2200 طالب في حركة يقولون إنه من غير المرجح أن تتراجع.

ولا تزال المخيمات مستمرة في العشرات من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حتى مع تزايد جرأة السلطات في ردها على مطالب الطلاب التي تتركز على سحب الاستثمارات من شركات الأسلحة المشاركة في احتلال الفلسطينيين أو في الحرب المستمرة على غزة.

وقال الطلاب أنه من المثير للسخرية أن يُعزى إغلاق المعسكرات إلى الحفاظ على السلامة والأمن في الحرم الجامعي، في الوقت الذي يحول فيه الإداريون حرم الجامعات إلى حصون عسكرية مع نقاط تفتيش تحرسها شرطة مكافحة الشغب.

وألغت جامعة كولومبيا يوم الاثنين حفل افتتاحها السنوي لأسباب أمنية وطلبت من الشرطة البقاء حتى 17 أيار/مايو. 

وأضافت جينا من كوني: “لم يكونوا مهتمين أبداً بالحفاظ على سلامتنا، كل ما فعلوه هو إظهار أنهم لا يهتمون إلا بمانحيهم الصهاينة واستثماراتهم والتزامهم تجاه دولة الاحتلال”.

واستشهد أكثر من 35 ألف فلسطيني وأصيب 77 ألف آخرين منذ بدء عدوان الاحتلال على غزة في تشرين الأول/أكتوبر.

بقلم آزاد عيسى

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة