فهم الحاضر من خلال الماضي.. أبرز 9 كتب لفهم المحنة الفلسطينية

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

مع انقضاء مئة يوم على حرب غزة، قلمّا نجد تركيزاً كبيراً على المعاناة الفلسطينية في التاريخ الحديث.

ففي العدوان الأخير الذي يعد الأكثر تدميراً في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قُتل أكثر من 23,000 فلسطينياً حتى وقت إعداد هذا التقرير في قطاع غزة المحاصر، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال.

لقد قتل هؤلاء جميعاً بدم بارد في ظل دعوات متكررة ومثيرة للقلق من قبل السياسيين والمراقبين الإسرائيليين إلى التطهير العرقي للأراضي الفلسطينية، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استشهد في بداية الحرب بذكر الإنجيل لتدمير العماليق.

قد تبدو هذه الأقوال خارجة عن المألوف بالنسبة للمراقب العادي، لكن أي مطلع على النكبة يدرك أن الصهاينة الأوائل أدلوا بتعليقات مماثلة حول الحاجة إلى طرد الفلسطينيين قبل وأثناء إنشاء دولة إسرائيل عام 1948.

إن قصة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وحياتهم اللاحقة تحت الاحتلال بدأت قبل عقود من ذلك الحين، وقد وثقها العديد من المؤلفين والعلماء في عشرات الكتب.

ونظرًا للحجم الهائل للعمل، فإن محاولة تحديد القارئ من أين يبدأ القراءة عن فلسطين يمكن أن تكون مهمة شاقة، ولتحقيق هذه الغاية، نسرد فيما يلي قائمة من تسع كتب سهلة ستمنح القارئ فهمًا دقيقاً للقضية الفلسطينية.

أولاً: “فلسطين” لجو ساكو

كتاب فلسطين هو من أفضل الكتب للقارئ المبتدئ الذي يحاول فهم الوضع في الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، ليس فقط لأنه رواية مصورة، بل لأن سياقه التاريخي واجه رفض الكثيرين باعتباره عملاً شبابياً.

واستنادًا إلى التقارير التي أعدها جو ساكو من إسرائيل وفلسطين خلال عامي 1991 و1992 (نهاية الانتفاضة الأولى وقبل اتفاقيات أوسلو)، فإن الكتاب يتناول تفاصيل لافتة حول الحياة في الأراضي المحتلة وممارسات الاحتلال اليومية والظلم الذي يواجهه الفلسطينيون.

ولا يظهر على ساكو الحرج من عرض مواقفه الشخصية، فعلى الرغم من تعاطفه المعلن مع القضية الفلسطينية، إلا أنه يشير إلى أن اللحظة التكوينية في فهمه للصراع كانت الأنباء التي تلقاها عام 1985 عن مقتل ليون كلينجهوفر.

كان ساكو قد شعر بالحزن والغضب لمقتل الرجل اليهودي الأمريكي البالغ من العمر 69 عامًا على يد جبهة التحرير الفلسطينية بعد أن اختطفت سفينة سياحية.

وبين دفتي الكتاب، يقدم ساكو حياة أناس حقيقيين، فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء، بأمانة لا تتزعزع دون اللجوء إلى الجدل أو المبالغة، لكن أكثر المواقع ارتباطاً بالنزاع الحالي هي الفصول المتعلقة بغزة، مهد الانتفاضة الأولى، ومعقل المقاومة الفلسطينية للاحتلال منذ ذلك الحين.

يذكر أن كتاب فلسطين من تأليف جو ساكو وتم نشره من قبل Penguin

ثانياً: عائد إلى حيفا، غسان كنفاني

تمثل رواية غسان كنفاني استكشافاً مؤثراً لتعقيدات الخسارة التي رافقت النكبة، فبين دفتي الكتاب، يعود زوجان لاجئان فلسطينيان إلى منزلهما في مدينة حيفا ليجدا زوجين يهوديين يسكنان فيه، كانت تلك الزيارة صعبة بشكل خاص بسبب ذكرى الابن الرضيع للأبوين الفلسطينيين الذي فُقد خلال أحداث عام 1948.

لقد اتضح أن الزوجين الإسرائيليين عثرا على الابن وقاما بتربيته على أنه ابنهما وأطلقا عليه اسم دوف، فنشأ يهوديًا وخدم في الجيش الإسرائيلي.

وفي حالة إنكار وغضب شديد، يوبخ دوف والديه الحقيقيين عندما يلتقيهما ويلقي باللوم عليهما في الخسارة، قائلاً: ” لم يكن عليكما أن تتركا رضيعًا في سريره”.

في هذا الحوار يلمح دوف إلى الشعور بالذنب الذي عانى منه العديد من الفلسطينيين لأنهم هاجروا تاركين مجتمعاتهم في مواجهة الزحف الصهيوني.

وفي النهاية، يُترك دوف في حالة من الاضطراب دون أي إشارة إلى ما إذا كان سيخفف من موقفه تجاه والديه البيولوجيين ويسمح لهما بالعودة إلى حياته، في تمثيل للموقف الذي وجد الفلسطينيون أنفسهم فيه عندما كتب كنفاني القصة عام 1969 وما زالوا يجدون أنفسهم فيه حتى اليوم.

“عائد إلى حيفا” هي رواية قصيرة ولكنها مؤثرة، وعلى الرغم من كونها منتجاً خيالياً تماماً، إلا أن لموضوعاتها صدى حقيقي للغاية اليوم، فقد حاكتها القصة الأخيرة للرضيعة الفلسطينية اليتيمة التي أخذها جندي إسرائيلي من غزة إلى إسرائيل.

يمكن العثور على العودة إلى حيفا في مجموعة بعنوان “أطفال فلسطين: العودة إلى حيفا وقصص أخرى”، والتي تنشرها دار نشر لين رينر.

ثالثاً: التطهير العرقي في فلسطين، إيلان بابي

خلال الأعوام الخمسة والسبعين التي تلت النكبة، قدم الكتاب الإسرائيليون تفسيرات مختلفة لما حدث للفلسطينيين الذين عاشوا داخل حدود دولة إسرائيل الحديثة، تقول بعض الروايات أنهم غادروا طوعًا وتنكر رواياتٌ أخرى وجودهم هناك من البداية، فيما بفضل كتّاب آخرون ترك السؤال دون معالجة.

ويسعى إيلان بابي المؤرخ الإسرائيلي والأكاديمي بجامعة إكستر إلى الإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع في دراسته الصارخة عن النكبة والمنشورة في كتاب التطهير العرقي في فلسطين. 

يقدم الكتاب نظرة عميقة حول دوافع القادة الصهاينة في ذلك الوقت من خلال تحليل الوثائق الإسرائيلية الرسمية والأرشيفات الفلسطينية والملاحظات التي قدمها القادة الإسرائيليون وغيرها من الوثائق.

يمكن للقارئ العادي أن يخلص من بحث بابي إلى استنتاج مفاده أن النكبة كانت عملية منهجية خطط لها عمدًا قادة إسرائيل المستقبليون ولم تكن مجرد حركة عفوية من قبل الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم خلال ضباب الحرب محرومين من منازلهم إلى الأبد.

يظهر كتاب بابي أن الأهداف الرئيسية للحركة الصهيونية من وراء النكبة كانت تتمثل في معالجة التهديد الديموغرافي المتصور الذي تشكله الأغلبية العربية وكذلك تأمين أكبر قدر ممكن من الأراضي من فلسطين الانتدابية.

جمع الكتاب معلوماته بدقة من مصادرها وهو لا يفتقر إلى الاقتباسات التي كتبها قادة إسرائيل والتي توضح بعبارات باردة رغبتهم في تقليص عدد السكان العرب في منطقة الانتداب، كما تم تلخيصها بإيجاز في خطة دالت لميليشيا الهاغاناه: ” يجب محو المسلحين وطرد السكان إلى خارج حدود الدولة.”

تم نشر كتاب التطهير العرقي في فلسطين من قبل دار سايمون اند شوستر.

رابعاً: حرب المئة عام على فلسطين، لرشيد الخالدي

يقدم عمل المؤرخ الفلسطيني الأمريكي رشيد الخالدي لمحة عامة عن الأحداث التي سبقت النكبة وما بعدها.

ويروي الخالدي مراسلات هرتزل المبكرة مع القادة الفلسطينيين في أواخر القرن التاسع عشر بمن فيهم أحد أقاربه، ويخلص إلى أن المشروع الصهيوني كان يضع الاستعمار والتهجير في الاعتبار منذ بدايته.

ويشرح الكتاب بالتفصيل المسيرة التراكمية لنضال الفلسطينيين في أرضهم التاريخية خلال الحرب العالمية الأولى وما تلا ذلك من مؤامرات حرض عليها البريطانيون في البداية ثم شاركت فيها لاحقًا عصبة الأمم والأمم المتحدة بعد ذلك.

إحدى النقاط الرئيسية التي نستخلصها من الكتاب تكمن في أنه لا ينبغي أن ننظر إلى تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم فقط ضمن ثنائية الصهاينة مقابل العرب، بل كعملية متعددة الطبقات تشمل أيضًا جهات فاعلة دولية، والكتاب واضح وشامل ويعد سرداً أساسياً للقصة الفلسطينية.

حرب المئة عام على فلسطين من منشورات دار متروبوليتان للكتب

خامساً: تفصيل ثانوي، لعدنية شبلي

جنباً إلى جنب، تدور أحداث القصتين اللتين تحملان ذات القدر من القسوة في هذه الرواية القصيرة ذات الإيقاع المحكم، إحداهما بنيت على قصة حقيقية لفصيل إسرائيلي اغتصب عناصره فتاة بدوية بشكل جماعي في النقب عام 1949، والآخر يروي قصة امرأة فلسطينية تسعى بإصرار إلى التحقيق في الجريمة بعد عقود بطريقتها الخاصة.

يرتبط الحدثان في الرواية بـ “تفصيل ثانوي” لكنه مصيري حيث تتصادم المأساتان عبر الزمن في نهاية الرواية.

ورواية “تفصيل ثانوي” التي صدرت باللغة العربية عام 2017 هي الرواية الثالثة لشبلي، وهي الثالثة المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وقد فازت بالعديد من الجوائز، حيث جرى اختيارها عام 2009 ضمن قائمة “بيروت 39” لأفضل 39 كاتبًا عربيًا تحت سن الأربعين وفقًا لتصنيف مجلة بانيبال.

ووفقاً لقراءة نقدية في Publishers Weekly فإن الإحاطة بالزخم النثري في الرواية “يتطلب تكرار قراءتها”.

تم إدراج ترجمة إليزابيث جاكيت الإنجليزية لأحدث روايات شبلي في القائمة المختصرة لجائزة الكتاب الوطني في الولايات المتحدة، وفي القائمة الطويلة لجائزة البوكر الدولية لعام 2021 في المملكة المتحدة.

تم نشر رواية تفصيل ثانوي من قبل فيتزكارالدو

سادساً: غزة ترد، تحرير رفعت العرير

تتميز هذه المجلة باحتوائها على قصص 15 شابًا فلسطينيًا يعيشون في غزة وبالمصير المأساوي لمحررها رفعت العرير، وقد تم إنتاجها أساساً في سياق الحصار والقتال شبه المتواصل.

استشهد العرير في غارة جوية إسرائيلية على غزة لكنه أثبت نفسه كواحد من أبرز الناشطين والأكاديميين في القطاع المحاصر.

فعبر عمله مع مجموعة “نحن لسنا أرقام”، قدم الباحث في مجال الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة المساعدة في جهود رعاية جيل من الكتاب والصحفيين الشباب في غزة وتوجيههم.

وفي هذا العمل الذي اشتهر به، تركز القصص على الدور المركزي الذي تلعبه الحرب في التجربة الفلسطينية.

وفي سردها الداعم للكتاب، تصف الروائية سوزان أبو الهوى مجموعة “غزة ترد” بأنها ” شهادة على صمود وثبات أخلاقي وجمال الأشخاص المضطهدين والمنتهكين في كل مكان”.

وتقول: ” الكتّاب المشاركون في غزة ترد بالكاد في العشرينيات من عمرهم، وعلى الرغم من أن حياتهم تعكس صدى القنابل والرصاص وبرامج إسرائيل الهادفة لتفكيك هذه الحياة، إلا أن قصصهم تعلمنا ما يعنيه أن تكون لديك روح لا تُقهر وإرادة لا تنكسر، إنهم الجيل القادم من الكتاب والمثقفين الفلسطينيين”.

“غزة ترد” من منشورات دار جست وورلد بوكس

سابعاً: احتواء حماس، لطارق بقعوني

منذ أن بدأ الصراع المتواصل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى تصوير حماس كتنظيم تحركه الأوهام وعملت على اتهامه بامتلاك نظرة مماثلة لمنظمات مثل داعش.

لكن التاريخ الرائد لطارق بقعوني هو بمثابة علاج لهذا التصوير الذي يستحق السخرية من قبل المحللين الجادين للصراع.

فاستنادًا إلى مقابلات مع قادة الحركة وكتاباتهم، يقدم الكتاب نظرة مستنيرة ونقدية للحركة وفهمًا أعمق لما حفزها على مدار الأعوام الثلاثين الماضية.

يقول بقعوني أن معظم الناس الذين يتعلمون عن غزة من وسائل الإعلام النظامية سيرونها إما شريطًا من الأرض تم تدميره مما تسبب في معاناة إنسانية غير مسبوقة، أو ملاذًا تديره منظمة جامحة أخذت شعبها كرهائن من أجل إدارة حرب إرهابية ضد إسرائيل.

وكلا وجهتي النظر اختزاليتين وغير مفيدتين في فهم الحركة أو سبب حشر مليوني فلسطيني في مساحة كبيرة من الأرض بحجم فيلادلفيا اليوم.

تم نشر كتاب “احتواء حماس” من قبل مطبعة جامعة ستانفورد

ثامناً: شعبي سيحيا: السيرة الذاتية الثورية بقلم ليلى خالد

نُشرت السيرة الذاتية لليلى خالد عندما كان عمرها 29 عامًا فقط، وهو عمر صغير على غير العادة بالنسبة لشخص يوثق إنجازات حياته.

ولكن بحلول ذلك الوقت، كانت ليلى خالد، التي اكتسبت سمعة سيئة باعتبارها خاطفة طائرة ورمزًا للمقاومة الفلسطينية، قد عايشت بالفعل أكثر مما يمكن لمعظم الناس أن يختبروه خلال حياتهم.

نُشر كتاب “شعبي سيحيا” عام 1973، وهو يعرض تفاصيل السنوات الأولى التي قضتها خالد مع عائلتها أثناء فرارهم من الكارثة التي ألمت بالفلسطينيين بعد إنشاء إسرائيل.

عاشت ليلى خالد بعد ذلك كلاجئة في لبنان والكويت وانضمت إلى الحركة القومية العربية اليسارية في بيروت عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها وأصبحت فيما بعد عضوةً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذات التوجه الماركسي اللينيني.

تطل السيرة الذاتية لليلى خالد على لحظات فارقة من التفاعل بين حياتها وحياة عائلتها، مثل عدم تصديق والدتها بأن ابنتها سُجنت بتهمة اختطاف طائرة، حيث قالت الأم: ” أنا أعرف ابنتي،  إنها ليست كما يقولون، كل هذا الجمال!”

وأكثر من أي شيء آخر، يصور كتاب “شعبي سيحيا” الأحداث والمآسي والمظالم التي تخلق “إرهابيًا” في نظر الحكومة الإسرائيلية وحلفائها.

“شعبي سيحيا” للكاتبة ليلى خالد، نشرته دار نشر إن سي عام 1973

تاسعاً: إرث الإمبراطورية: بريطانيا والصهيونية وإنشاء إسرائيل، بقلم غاردنر تومسون

يقدم الكتاب نظرة مدروسة ومثيرة للاهتمام إلى الدور البريطاني في الفترة التي سبقت إنشاء إسرائيل، ويعد عمل غاردنر تومسون قراءة أساسية لأي شخص يتطلع إلى فهم كيفية وقوع النكبة.

فبدءًا من المرحلة المبكرة لنشوء التيارات الصهيونية، يقدر تومسون أن الحركة التي أسسها هرتزل كانت حركة هامشية مع عدد قليل من الأتباع المؤثرين.

ولحسن الحظ بالنسبة للصهاينة، كان من بين هؤلاء القلائل شخصيات مثل حاييم وايزمان، الكيميائي والمهاجر اليهودي الروسي الذي نال إعجاب الكثيرين في النخبة البريطانية لدوره في تطوير متفجرات الكوردايت خلال الحرب العالمية الأولى.

تتوافق أهداف هؤلاء القادة الصهاينة مع معاداة السامية داخل المؤسسة البريطانية مدفوعين بما وصفه تومسون بـ “النشاط” الظاهر لنقل اليهود القادمين من أوروبا الشرقة إلى مكان آخر غير بريطانيا، ومدفوعين كذلك بمزيج من الأصولية المسيحية والتعصب تجاه الآخر المسلم.

وبالنسبة للعديد من اليهود في بريطانيا وأوروبا، فقد عززت فكرة وجود وطن يهودي منفصل، بعيدًا عن المكان الذي يعيشون فيه، فكرة أن اليهود ليسوا مواطنين في بلدانهم وأن ولاءاتهم تكمن في مكان آخر.

وكان من أبرز المعارضين لهذه الرؤية العضو اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية، إدوين مونتاجو، الذي لم تلق مناشداته البليغة بعدم الإذعان للمطالب الصهيونية آذاناً صاغية.

بعد ذلك جاء إعلان بلفور، وكوميديا الأخطاء المأساوية التي استمرت ثلاثة عقود، حيث حاولت بريطانيا موازنة التزامها تجاه الصهاينة مع استرضاء السكان العرب في منطقة الانتداب.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة