في يوم عيدهن العالمي.. الأمهات في غزة موزعات بين الخوف والرجاء 

بقلم: مها الحسيني

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قضى زوج الفلسطينية رجاء جندية شهيداً على يد قوات الاحتلال في “مجزرة الطحين” الأخيرة بغزة يوم 14 آذار/ مارس لتصبح السيدة البالغة من العمر 29 عاماً دون سابق إنذار أماً وأباً في آن واحد لأطفالهما الصغار الثلاثة.

وتواجه الأم الفلسطينية اليوم التحدي المتمثل في توفير الطعام لأسرتها في ظل انعدام الحليب ونفاد آخر كيس من دقيق القمح أحضره زوجها إلى المنزل قبل استشهاده.

وتقول الأم التي وجدت نفسها مسؤولةً لوحدها عن الصغار الثلاثة: “قبل استشهاد زوجي لم أفكر كيف سأجلب لهم الطعام، فقد كان يخرج أول النهار ويعود ليلاً بكل ما يجده”.

وتضيف جندية، وهي من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة في حديث صحفي يتزامن مع احتفالات العالم العربي بعيد الأم: “لا أستطيع الاعتماد على أحد الآن، فقد تم إجلاء إخوتي إلى رفح جنوب القطاع، وبقي أخ وحيد لكنه محاصر من قبل جيش الاحتلال بالقرب من مستشفى الشفاء، ليس لدي أحد وأحتاج إلى التعافي من صدمة فقدان زوجي في أسرع وقت حتى أفكر في كيفية إطعام أطفالي”.

كان فايز جندية زوج رجاء من بين آلاف الفلسطينيين الذين ذهبوا لجمع الدقيق من شاحنات المساعدات التي تدخل غزة عبر دوار الكويت في جنوب غرب المدينة، عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على الحشود.

وبحسب شهود عيان، فقد استشهد أكثر من 20 فلسطينياً يوم الخميس، وأصيب 100 آخرون في الحادث، الذي تكرر عدة مرات منذ أن بدأت شاحنات المساعدات دخول المدينة المحاصرة بكثافة.

“تبلغ نحو خمسة أشهر من العمر، كنت أرضعها، لكن بسبب قلة الطعام وحزني العميق، أوشك حليب صدري على النفاد” – رجاء جندية، أم فلسطينية

باتت جندية اليوم غير قادرة على إطعام طفلتها الصغرى منى التي ولدت خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع المحاصر، والذي بدأ بعد الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وتقول الأم عن رضيعتها: “إنها بالكاد تحصل على كميات صغيرة جداً وتستمر في البكاء طوال النهار والليل، كما أنها تحتاج الآن إلى تناول أنواع أخرى من الطعام، لكن لا يمكنني العثور على أي منه”، مضيفة

 أنها سعت لإطعام ابنتها الرضيعة قطع حلوى لتمنحها بعض الطاقة، ولكنها لم تجد السكر الذي أصبح مفقوداً في غزة.

وأشارت جندية إلى أنها لا تستطيع شراء الحليب لأطفالها، الذين يبلغ أكبرهم من العمر ثلاث سنوات، بسبب ندرته، الأمر الذي أدى أيضاً إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، حيث كان سعر كيس الحليب يبلغ 15 شيكلاً (4 دولارات) لكنه أصبح الآن 90 شيكلاً (24.50 دولاراً).

وتابعت الأم: “أفكر الآن في الإخلاء إلى الجنوب، لقد ناضل زوجي حتى لا نهجّر إلى الجنوب كي لا نحتاج إلى أحد، لكن الآن لم يعد لدي خيار آخر، إما البقاء هنا والموت جوعاً أو الذهاب إلى هناك ضد إرادة زوجي”.

ومنذ الأسبوع الأول من عدوانه على غزة، أمر الجيش الإسرائيلي سكان مدينة وشمال غزة بالإخلاء إلى الأجزاء الجنوبية من القطاع المحاصر، في الوقت الذي فرض فيه قيوداً صارمة على دخول المساعدات.

وحذر البنك الدولي يوم الثلاثاء من أن نصف سكان قطاع غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيك، مع وصول نقص الغذاء إلى مستويات كارثية لأكثر من مليون فلسطيني، إذ تشير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أنه “من المتوقع أن تحدث المجاعة في أي وقت من الآن وحتى أيار/مايو”.

وقالت جندية: “آمل فقط أن أتمكن من تأمين الطعام لأطفالي دون الحاجة إلى استجداء المساعدة، ودون أن أطلب من أي شخص الطعام أو المال”.

ابن مفقود

وفي قصة حزينة أخرى من بحر الآلام الذي تغرق فيه أمهات غزة، فإن أم أحمد صيام ستقضي عيد الأم هذا العام دون ابنها الوحيد أحمد، 16 عاماً، الذي فقد منذ بداية العدوان الإسرائيلي.

وتقول الأم الفلسطينية: “أصابت غارة جوية إسرائيلية منزل جارنا وهرع أحمد إلى المكان، وبعد حوالي نصف ساعة، ضربت المزيد من الغارات الجوية الإسرائيلية المبنى والجوار ضمن ما يعرف بالقصف السجادي”.

“أنظر أحياناً إلى عيني طفلي وأبكي، أريد أن أعتذر له عن جلبه إلى هذه الحياة لأنني عاجزة عن الحفاظ على سلامته، أخشى أن أفقده، وأخشى أن أقتل لأنه سيترك وحيداً”. – ندى أبو عيطة، أم فلسطينية. 

لم يعد أحمد إلى منزله منذ ذلك الحين، فسألت الأم عنه في كل مكان وفي جميع مستشفيات القطاع، دون جدوى، حيث تعتقد والدته أنه “استشهد وما زال مفقوداً تحت الأنقاض التي لم يتمكن الدفاع المدني من رفعها أو انتشال جثته من تحتها”.

كانت صيام وهي أرملة مات عنها زوجها تسكن منطقة التفاح، أحد أحياء شرق مدينة غزة، لكنها تقيم حالياً في خيمة في رفح جنوب القطاع مع بناتها الأربع.

ونزح أكثر من 1.4 مليون فلسطيني إلى المدينة الواقعة على حدود غزة مع مصر، حيث يعيش العديد منهم دون أي مأوى حقيقي ويواجهون احتمال غزو إسرائيلي واسع النطاق.

وقالت صيام: “لقد دُمر منزلنا المكون من طابقين بالكامل، لكنني لا أهتم بذلك، ولا أستطيع حتى التفكير في الأمر عندما لا أكون متأكدةً مما إذا كان ابني ميتاً أم حياً، وما إذا كان معتقلاً أم مصاباً، فلو كان ابني معي، فلن أهتم حتى بكل هذه الحرب، ولست قلقةً إلا عليه”.

“الأم تفتقد أمها”

وفي صورة مقلوبةٍ عن حال صيام من حيث الفقد وإن كانت تختزن ذات القدر من الألم، تصف ندى أبو عيطة التي بقيت في غزة مع زوجها وعائلته نفسها بأنها “أم تفتقد أمها” حيث انفصلت عن والديها الذين نزحوا إلى رفح.

وأنجبت الأم البالغة من العمر 32 عاماً ابنها الأول قبل شهر من بدء الحرب، وهي تكافح من أجل “إبقائه على قيد الحياة وكذلك البقاء على قيد الحياة من أجله”.

وتقول أبو عيطة: “لم ألاحظ أن عيد الأم قد اقترب، قبل الحرب كنت أحفظ الأيام العالمية بحكم طبيعة عملي في إحدى منظمات حقوق الإنسان، وأبدأ بالتحضير لعيد الأم قبل أسابيع من حلوله، لكن منذ بداية هذه الحرب، لم أعد أعرف سوى تقويمها وارتبط التاريخ في ذهني بعدد أيام الحرب فقط”.

تعتقد أبو عيطة أنها بذلت كل ما في وسعها كأم لمنح طفلها أفضل ما تستطيع، وتقول: “أحطته بجسدي حينما كنا نحتمي في ممر المنزل بينما كان القصف المدفعي يستهدف حينا”.

وتضيف: “في كل مرة اضطررنا فيها إلى الإخلاء لم أكن آخذ معي سوى الحقيبة التي أحتفظ فيها بطعامه وملابسه، استطعت أن أغير حفاضته وأغطيه بالبطانيات بسرعة البرق عندما أمرنا الجيش الإسرائيلي بإخلاء منزلنا عند منتصف الليل، وأنفقت أنا ووالده كل مدخراتنا، التي كنا نوفرها لشراء منزل جديد، لشراء الحليب وأكبر عدد ممكن من الحفاضات له”.

وتحت القصف العنيف، أخذت أبو عيطة ابنها الرضيع ليتلقى التطعيم في العيادة وقالت: “لا أعرف ما إذا كنا سننجو أم لا، لكنني رغم كل هذا ممتنة لتجربة كوني أماً”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة