قطر .. وعقد من التحديات والانتصارات

بقلم أندرياس كريغ

ترجمة وتحرير مريم الحمد

قبل عقد من الزمن، عندما أعلن أمير قطر حمد بن خليفة أنه سوف يسلم السلطة لابنه تميم في 24 يونيو عام 2013، قلة فقط اعتقدوا أن الأمير البالغ من العم 33 عاماً آنذاك، وقد كان من أصغر رؤساء العالم، سيكون قادراً على ملأ مكان والده الذي حول الإمارة الصغيرة من منطقة منعزلة هادئة في الخليج إلى قوة إقليمية.

بعد مرور عقد على حكمه الآن، صار تميم يُعرف بأنه من بين القادة الأكثر خبرة في الجيل القادم من العائلات الحاكمة في الخليج، فقد تولى السلطة في لحظة إقليمية فارقة بعد مرحلة الربيع العربي، فتغيرت فيها سياسة قطر من الحياد والوساطة إلى النشاط الإقليمي، فقد دعم المتمردين في ليبيا وسوريا بينما دعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فما الفائدة من دعم أنظمة على وشك الانهيار، من وجهة نظر قطر.

أدى الجمود في ليبيا وسوريا، بالإضافة إلى آثار الانقلاب العسكري في مصر، إلى ترك دعم قطر غير المشروط للقوى المناهضة للاستبداد مكشوفاً!

وعلى الجانب الآخر، لعبت جارتها الإمارات الدور النقيض، خاصة في ظل انسحاب القوى الغربية، فقادت الإمارات ثورة مضادة ممنهجة بدأتها بالانقلاب في مصر في يونيو 2013، بعد أيام فقط من تولي تميم زمام الأمور في قطر، وكان لذلك دور في تشكيل التاريخ الحديث للخليج مع بداية عهده.

الشتاء العربي 

رغم أن الرواية التي زعمت بأن والد الأمير لا يزال يمسك بالخيوط من وراء عرش ابنه، ظلت نقطة نقاش شائعة بين جيران قطر لسنوات، إلا أن حاكم قطر الجديد حدد لهجته الخاصة منذ البداية، فعبر توجه أكثر انفتاحاً وفي نفس الوقت أكثر عرضة للمخاطر، كان على تميم توجيه البلاد عبر المياه الباردة لشتاء عربي وشيك.

تمثل الشتاء بالثورات المضادة في دول مختلفة، فقد أدى الجمود في ليبيا وسوريا، بالإضافة إلى آثار الانقلاب العسكري في مصر، إلى ترك دعم قطر غير المشروط للقوى المناهضة للاستبداد مكشوفاً!

ومع وجود هذا الزعيم الشاب عديم الخبرة في الدوحة، شعرت اللجنة الرباعية، المكونة من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر،  بفرصة عن طريق إجبار الأمير الشاب على تقديم تنازلات بشأن قضايا فشلوا فيها سابقاً مع والده، ومن هنا كانت المقاطعة الدبلوماسية التي فرضوها على قطر في مارس 2014، تهدف إلى وضع قطر في “مكانها الطبيعي” كدولة صغيرة في الخليج.

من غير المرجح أن يتغاضى محمد بن زايد الميكافيلي عن النفوذ المتزايد لقطر، ومن غير المرجح أيضاً أن يتطور التقارب القطري المصري إلى صداقة حميمة

مع انسحاب سفراء الرباعية، أعاد الحاكم الجديد تقييم جدوى موقف قطر خلال الربيع العربي من جهة، ومن جهة أخرى، مع انخفاض أسعار النفط، كان من الضروري أن يعطي الأمير الجديد الأولوية للجبهة الداخلية على حساب الالتزامات الخارجية المحفوفة بالمخاطر.

سياسة واقعية وبراغماتية

لم تكن التكاليف الاقتصادية للمقاطعة هي السبب الوحيد لإعادة النظر، ولكن سياسة الواقعية والبراغماتية أشارت بوضوح إلى أنه قد حان الوقت لتقليل دعم قطر الأحادي للثورات في المنطقة، وبدلاً من ذلك، عادت قطر إلى المستقبل بإعطاء الأولوية للحلول المتعددة الأطراف التي تجعلها تلعب دور الوسيط المحايد. 

قدمت قطر نفسها على أنها أرضية لقاء محايد لدول مثل إيران وحركة طالبان وغيرها، الأمر الذي تذرعت به اللجنة الرباعية واجتمعت مرة أخرى عام 2017 لاستهداف قطر، هذه المرة، تم تشديد المقاطعة بحصار اقتصادي شديد استمر 3 سنوات، أزمة ظهر فيها تميم بمرتبة زعيم أول في إدارة الأزمات، ففي الوقت الذي ألقى فيه زعماء الخليج اتهامات جامحة، تصرف تميم بهدوء، على الأقل علناً، لم يعلن عن ضغائن تاركاً المجال للمصالحة، كما صرح في مقابلة عام 2017 قال فيها “إذا ساروا متراً نحوي فأنا على استعداد لأن أسير ألف ميل باتجاههم”.

لقد أكسبه ذلك الموقف تأييداً على صعيد الرأي العام العالمي، رغم أنه في الواقع كان أكثر صرامة، فلم يتنازل بل جعل الجيران يقومون بالخطوة الأولى لإخراج أنفسهم من فوضى هم صنعوها!

في منطقة مضطربة مثل الخليج، سوف يتعين على تميم، الأمير الذي شكلته الأزمات، الاستمرار في إيجاد الحلول الوسط للحفاظ على الاستقرار المحلي والإقليمي

خلال العقد الماضي، أصبحت الإدارة الداخلية في قطر أكثر تكاملاً، كما أثبت الأمير أنه أكثر خبرة من والده، حيث أحاط نفسه بتكنوقراط تحت سيطرته المباشرة، فقد ساعدت الحوكمة الأكثر مركزية على المزيد من الإشراف المباشر.

توازنات

بعد مرور 10 سنوات، وصلت قطر إلى أعلى مستوياتها الحضارية خاصة بعد استضافة كأس العالم والوصول لثروة غير مسبوقة من الغاز، وبذلك يدخل الأمير تميم عقده الثاني بلوحة بيضاء لاغتنام فرص جديدة من موقع قوة.

 وبعد أن تعلمت قطر الدروس من الضغط والإرهاق الذي رافق الربيع العربي، برزت قطر كشريك أكثر موثوقية ليس لدى الغرب فقط، وإنما لدى الشرق والجنوب، ولكن ذلك لا يلغي وجود مجموعة من المنافسين الذين لا يتحدون سياسات قطر فحسب، بل يتحدون أيضاً إيمان تميم الشخصي بفرص الفوز، فمن غير المرجح أن يتغاضى محمد بن زايد الميكافيلي عن النفوذ المتزايد لقطر، ومن غير المرجح أيضاً أن يتطور التقارب القطري المصري إلى صداقة حميمة.

من زاوية أخرى، قد يدفع احتدام المنافسة السعودية الإماراتية محمد بن سلمان للبحث عن حليف جديد في أمير قطر، بالإضافة إلى استقرار العلاقة مع تركيا.

من الناحية الجغرافية والاستراتيجية، فإن قرار الأمير بالميل نحو الجانب الأمريكي بات يعارض توجهاً خليجياً بالميل نحو الشرق للمستقبل، وفي النهاية، سيتعين عليه اتخاذ خيارات صعبة مع بروز الصين كلاعب أكبر من أي وقت مضى في المنطقة، وسط التراجع الأمريكي، إلا أن سياسة واشنطن الفاشلة مع إسرائيل قد توفر فرصاً لقطر وحاكمها بتحويل الريح ضد التطبيع مع حكومة إسرائيلية عنصرية، خاصة في ظل دعم شخصي غير مشروط من أمير قطر للفلسطينيين، الأمر الذي منحه دوراً قيادياً إقليمياً.

هو منطق التوازنات في النهاية، صحيح أن الحصار قد فتح مساحة سياسية جديدة لقطر، إلا أن المشاركة المدنية والمجتمعية سوف تتطلب المزيد من المنافذ السياسية، على رأسها انتخابات مجلس الشورى كخطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها ستجعل الرأي العام المحلي عاملاً مهماً في قبول الاستثمارات الخارجية، ففي منطقة مضطربة مثل الخليج، سوف يتعين على تميم، الأمير الذي شكلته الأزمات، الاستمرار في إيجاد الحلول الوسط للحفاظ على الاستقرار المحلي والإقليمي.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة