قلبه الصغير لم يحتمل عنف القصف الإسرائيلي فتوقف!

بقلم أسيل موسى 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

ذهب تميم داود، إلى فراشه في منزله الهادئ بحي الرمال وسط قطاع غزة، لكن دوي المقاتلات الإسرائيلية التي شقت هدوء ليل الاثنين أيقظه مذعورا ولما تتجاوز الساعة الثانية صباحًا.

“كان ابني تميم نائماً عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية مبنى سكني بالقرب من منزلنا، لقد استيقظ خائفًا ومرتعبًا”، محمد والد الطفل تميم.

كان صوت القصف يصم الآذان، وحتى بعد انتهاء الضربات الجوية، استمرت البناية التي تسكنها عائلة داود بالاهتزاز، وتحطمت النوافذ، وفُجر الحي.

أصابت نوبة هلع قلب الطفل الذي كان يبكي بشدة، فحاولت والدته لينا، 29 عامًا، وهي حامل في شهرها الثامن، تهدئته كي يعود إلى النوم، لكن الطفل استمر في البكاء، وأصيب بضيق في التنفس، وبدأ يلهث بشدة كي يستنشق الهواء.

في النهاية، تمكن تميم الذي كانت عائلته تحضر للاحتفال بعيد ميلاده الخامس الشهر المقبل من العودة إلى النوم، لكن نوبة فزع أخرى عاودته بعد حوالي خمس ساعات.

هرع والده إليه بقلق، وعلى وجه السرعة قام بنقله إلى المستشفى وتلقى فعلا العلاج اللازم، لكن ضربات قلبه كانت ضعيفة للغاية فتوقف عن العمل”.

 ويقول والد تميم:” تم إدخال ابني إلى وحدة العناية المركزة، لكن الأطباء أخبروني بأنه فارق الحياة عند الفجر”.

توقف الأب لهنيهة ثم تابع:” قلب ابني الصغير لم يحتمل رعب القصف.”

الحياة تحت القصف

وُلد تميم في “أكبر سجن مفتوح في العالم”، واتسمت حياته القصيرة بالمعاناة منذ البداية، فعندما كان يبلغ من العمر ستة أشهر فقط، خضع لعملية قلب مفتوح في الضفة الغربية المحتلة، ومن أجل الحفاظ على صحة قلبه الضعيف، كان في حاجة لتناول الأدوية الفعالة.

وفي العام الماضي، توجه الطفل البالغ من العمر أربع سنوات للمشافي الإسرائيلية بغية تقييم حالته الصحية، حيث يتعين على المسافرين التقدم بطلب للحصول على تصريح خروج لمغادرة القطاع المحاصر.

وأوضح محمد، والد تميم ظروف سفر ابنه بالقول:” بما أن جدة تميم كانت الشخص الوحيد الذي حصل على تصريح خروج من القطاع، فقد سافرت مع ابني لمرافقته”.

وبعد إجراء تقييم طبي شامل وجد الأطباء أن تميم حقق تحسنا كبيرا، وقرروا التوقف عن مسار علاجه السابق، لكن حالته اتخذت منعطفًا نحو الأسوأ بعد وقف العلاج، وسرعان ما اتضح أن قرار تغيير البروتوكول الطبي الخاص به كان خاطئاً.

وتابع والد تميم بالقول: “استأنفنا العلاج ونشكر الله أن صحته كانت قد عادت للتحسن بشكل كبير مرة أخرى، لكن إسرائيل قررت بدلاً من ذلك قتل ابني بدم بارد”.

أما جودي البالغة من العمر ثماني سنوات، أخت تميم الوحيدة، فقد باتت تشعر بالفراغ والوحدة بعد رحيل شقيقها.

ولا يخفي الأب قلقه حيال تعامل جودي مع غياب شقيقها وصديقها المقرب في الأيام المقبلة، ويقول:” على الرغم من حزنها، فإن جودي مصدر قوة لي ولأمها، لكنها باتت تخشى فقداننا أيضًا، ونحس بقلقها عندما تبكي والدتها”.

ولم تصدق لينا، والدة تميم وجودي خبر موت ابنها تميم، وظلت تصر على أنه حي وسيعود إلى عائلته لمقابلة شقيقه الذي تحمله في أحشائها.

وقال محمد:” جمعت أقاربنا لتقديم الدعم لها عند إخبارها بخبر وفاة تميم، لا يمكننا تصديق أنه لن يرى شقيقه الجديد”.

لا مكان آمن

هنا في غزة، يتوزع الموت القادم من الطائرات على أطفال القطاع دون حساب، فليان التي تبلغ من العمر تسع سنوات فقط لها قصة أخرى لا تقل مأساوية عما حل بتميم.

فرغم صغر سنها، شهدت الفتاة أربعة حروب، وأصيبت بالفزع الشديد عندما ضربت الغارات الإسرائيلية في الجولة الأخيرة مبنى سكنيا بالقرب من منزلها الذي تعيش فيه مع والديها وشقيقيها صالح 11 عاماً ويامن7 أعوام.

قالت ليان تصف الجولة الأخيرة من القتال:” كنت نائمة وفجأة استيقظت على صوت القصف، فقفزت من السرير وهرعت نحو والدي”.

ارتجف صوت ليان وهي تستحضر تفاصيل المشهد الذي واجهها، قبل أن تتابع:” رأيت النار أمامي، لقد كانت مخيفة حقًا، ثم انقطعت الكهرباء، ولم أر غير الظلام، لكنني أعرف طريقي حول المنزل، لذلك تمكنت من الوصول إلى غرفة والدي”.

“أريد أن أظهر للعالم ما يعانيه أطفال غزة” – ليان ، البالغة من العمر تسع سنوات

عادت ليان إلى ذكريات اعتداءات العام 2022 على غزة وخشيت أن تمر بنفس التجارب المروعة مرة أخرى.

ويوم الجمعة، الخامس من أغسطس من العام الماضي، استهدفت الصواريخ الإسرائيلية برج فلسطين القريب جدًا من منزل ليان، فتحطم زجاج النافذة في غرفة نومها، وتطايرت شظايا الحطام لتفسد غرفتها وألعابها العزيزة ودفتر الرسم، وقالت ليان:” كانت أكثر اللحظات رعبا في حياتي.”

ويعتقد المختصون النفسيون أن انعدام الشعور بالأمن يترك تأثيراً كبيراً على الصحة النفسية لأطفال غزة.

وقال مؤيد جودة، الطبيب في مستشفى الطب النفسي في غزة:” بدون الشعور بالأمان، قد يتأثر الأداء الاجتماعي والمهني للإنسان، وقد تتأثر قدرته على التعلم”.

ووفقاً لجودة، فإن الأطفال “يتأثرون حتماً بالاعتداءات الإسرائيلية وتصاعد العنف وانتشار صور الضحايا والدمار وأصوات الانفجارات المتواصلة”.

وأضاف أنه من الممكن أن تظهر على الأطفال أعراض مثل الغضب الشديد أو البكاء والصراخ المستمر، وقد يتحدثون عن الحرب باستمرار، قد يلجأون إلى ممارسة الألعاب العنيفة.

“كان ابني تميم نائماً عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية مبنى سكني بالقرب من منزلنا، لقد استيقظ خائفًا ومرتعبًا”، محمد والد الطفل تميم.

الخوف والأمل

أسفرت غارات أغسطس / آب 2022 والتي استمرت ليومين عن مقتل 49 فلسطينيًا بينهم 17 طفلاً، وعندما سمعت عائلة ليان وجيرانها أصوات القنابل، تحركوا بسرعة لإخلاء المبنى.

قالت ليان:” أنا شجاعة وقوية، لكن صوت القصف ما زال يسبب لي خوفًا وقلقًا شديدين، أحس بالألم في ركبتي في كل مرة أسمع القصف”.

تحلم ليان بأن تصبح رسامة مشهورة عندما تكبر، وقالت:” أريد أن أسافر لأرسم المناظر الطبيعية الجميلة، بدلاً من المنظر المدمر لبرج فلسطين الذي لا يزال مدمرًا”. 

لكن طفلة غزة لم تنس في غمرة حلمها أن تحلم برسم “بقايا ملامح الحرب والدمار، لأظهر للعالم ما كان أطفال غزة يعانون”.

وتأمل ليان أن تنتهي الحرب في أسرع وقت ممكن، وتواصل متابعة الأخبار، غير قادرة على النوم بسلام حتى تعرف ما إذا كان العدوان قد انتهى.

وفي الوقت الحالي، تنام ليان مع أسرتها في ممر منزلهم لأنهم يعتقدون أنه المكان الأكثر أمانًا.

وقالت ليان:” أنا لست خائفًة على نفسي فقط، ولكن أيضًا على عائلتي وأصدقائي، وعندما يتم وقف إطلاق النار، أريد أن أرى صديقاتي المحبوبتين سما وغدير”.

مقالات ذات صلة