كارثة إنسانية في غزة .. مشاهد مرعبة داخل المستشفيات و مئات الجثث ما زالت تحت الأنقاض

بقلم أحمد السماك 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

برغم الإضاءة الخافتة في الممرات، لكن الدمار الذي اجتاح مستشفى دار الشفاء في غزة بدا واضحاً تمامًا أمام الجرحى الذين وصلوا حديثًا، ليشهدوا على ذلك.

تنتشر أصوات الآهات وصرخات الألم من جوانب مختلفة في غرفة الطوارئ، بينما يحاول الأطباء التنقل عبر مدٍ من أجساد الفلسطينيين المصابين الذين يتلقون العلاج على الأرضيات.

في مشهد مؤلم، يمسك العاملون في المستشفى المماسح ويبدؤون في تنظيف البلاط الملطخ بالدماء بين الجرحى، بينما تفوح رائحة الكلور القوية في الأجواء.

نحن فقط في اليوم التاسع من الجولة الأخيرة من الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، لكن الحجم الهائل للدمار دفع هذه المنشأة التي مزقتها الحرب إلى نقطة الانهيار.

تقول ولاء العباسي، التي كانت واقفة بجوار الحائط ويبدو على ملامحها القلق، إنها كانت تنتظر سماع أخبار عن شقيقها سالم البالغ من العمر 21 عامًا.

وأوضحت أن أخاها أصابته شظية من غارة جوية إسرائيلية في ذراعه أثناء فرارهم من منزلهم في وقت سابق من هذا الأسبوع، ما أدى إلى قطع في الوتر وفقدان الحركة على الفور وهو ما يتطلب إجراء عملية جراحية.

لكنها تابعت: “على الرغم من حاجته لعملية جراحية، إلا أن الأطباء قاموا فقط بتنظيف جرحه ووضع ضمادة على إصابته، وطلبوا منه العودة بعد ستة أيام”.

وقالت: “لقد كانت غرف العمليات في المستشفى مكتظة بمئات العمليات الجراحية الحرجة، هل يمكنك أن تتخيل مغادرة المستشفى بشظية في معصمك حيث لا يمكنك الحصول على دور لإجراء عملية جراحية؟”

بعد أكثر من أسبوع من قيام مقاتلين فلسطينيين باختراق الجدار العازل الإسرائيلي شديد التحصين وقتل أكثر من 1300 إسرائيلي، تستعد إسرائيل لغزو بري محتمل لغزة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

ومن المحتمل أن يؤدي الهجوم البري إلى ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، والذي تجاوز بالفعل الحروب الأربعة الماضية في القطاع المحاصر.

ولكن مع ضعف إمدادات مستشفيات غزة في أفضل الأوقات، تتزايد المخاوف من أن قرار إسرائيل بقطع الغذاء والوقود والمياه والكهرباء عن دخول القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني شخص قد يؤدي إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين.

حذرت جماعات حقوقية من أن قرار فرض حصار كامل على غزة، علاوة على الحصار القائم منذ عام 2007، يشكل عقاباً جماعياً وانتهاكاً للقانون الدولي.

قال الموظفون الحاليون والسابقون في مستشفى الشفاء إنهم كانوا يحاولون يائسين توفير ما تبقى من وقود الديزل في مولداتهم الاحتياطية، وكانوا يطفئون الأضواء في جميع الأقسام غير الأساسية.

لقد تحدثت بالأمس مع زملائي في مستشفى الشفاء وأخبروني أنهم ما زالوا لا يملكون أسرة كافية للجرحى، وأن الطاقم الطبي يعالج الجرحى على الأرض. 

وقال الطبيبة ملاك نعيم: “أخبروني أيضاً أنهم لا يملكون الضروريات الأساسية مثل الماء في المراحيض”.

وأضافت: “تعمل غرف العمليات والطاقم الطبي على مدار الساعة في ظل ظروف صعبة للغاية، ولا ينامون إلا لبضع ساعات إذا حالفهم الحظ في العثور على سرير، ثم يعودون إلى العمل”.

كان الجيش الإسرائيلي قد أمر يوم الخميس نحو 1.1 مليون فلسطيني في شمال غزة بالتوجه جنوباً دون تقديم أية ضمانات لعودتهم.

ومنذ صدور الأمر، لم يجد العديد من الفلسطينيين الذين فروا أي فرصة للاستراحة من القصف الإسرائيلي، حيث قصفت الطائرات الحربية القوافل والطرق المستخدمة كممرات للهروب.

وتدفقت، وسط القصف العنيف، موجة جديدة من المرضى إلى مستشفى الدرة للأطفال يوم الخميس، من الرضع والأطفال الصغار الذين يعانون من الكدمات ويضعون الضمادات، وأطفال صغار تلطخت وجوههم بالدماء.

أدت الغارات الجوية الإسرائيلية إلى مقتل ما لا يقل عن 250 شخصاً ذلك الصباح، من بينهم 44 فرداً من عائلة واحدة في جباليا.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفى الدرة لم يسلم من القصف واضطر إلى الإخلاء بعد استهدافه بقذائف الفسفور الأبيض.

وكانت هيومن رايتس ووتش قالت إن إسرائيل تستخدم الفسفور الأبيض “بشكل غير قانوني” في قطاع غزة.

منذ أن أصدرت إسرائيل أمرها للفلسطينيين بمغادرة شمال غزة، أفادت عدة مستشفيات أنها لا تستطيع إخراج المرضى الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة المنقذة للحياة.

وأصدر مستشفى العودة نداء دولياً يوم السبت قائلا إنه لا يستطيع إخلاء الجرحى الفلسطينيين أو إغلاق أبوابه.

وأوضح المستشفى في منشور على فيسبوك:  “العنابر مليئة بالجرحى، وإننا نناشد شركائنا في المجال الإنساني في جميع أنحاء العالم من أجل الضغط على إسرائيل”.

ومنذ ذلك الحين، اتهمت السلطات الصحية إسرائيل بقصف سيارات الإسعاف عمداً، في انتهاك للقواعد الدولية التي تصنف مثل هذه الهجمات على أنها جرائم حرب.

وأدانت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني “الاستهداف المتعمد للطواقم الطبية”، والذي أدى إلى مقتل “أربعة مسعفين في أقل من نصف ساعة اليوم، رغم التنسيق المسبق”.

وفي الوقت الحالي، قال العاملون في مستشفى الشفاء إن الوضع في المشرحة كان أيضًا أولوية قصوى بعد أن وصلت إلى طاقتها القصوى قبل أيام.

وذكر الموظفون إنهم أُجبروا على تكديس ثلاث جثث خارج غرفة التبريد ووضع العشرات منها جنبًا إلى جنب في ساحة انتظار السيارات.

وقالت الطبيبة نعيم: “الموظفون يتعرضون لضغوط هائلة، فقد فر العديد من عائلاتهم إلى الجنوب بينما هم يواصلون العمل في ظل هذه الظروف الرهيبة “.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة