بقلم حاتم بازيان
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يقوم التصور الغربي الحالي المبتذل للمنطقة على أن السنة لابد وأن يقاتلوا الشيعة وأن الشيعة لابد وأن يقاتلوا السنة في الشرق الأوسط.
وإذا كنت تتابع ما يجري خلال الأيام الأخيرة، فإن الخطاب حول الحرب والفوضى السُنّية الشيعية التي لا تنتهي أبداً لا يغيب البتة عن أذهان الزعماء السياسيين الغربيين، وأركان مراكز الأبحاث، وقادة الشرق الأوسط المتحالفين مع الغرب، ومدراء وسائل الإعلام، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المسمومين، والوعاظ الدينيين المعينين من قِبَل الإمبرياليين.
إنهم جميعاً يساعدون ويشجعون عملية دفع الحرب، ويتصرفون كتجار للموت والدمار بينما يزعمون أنهم يعملون من أجل السلام.
ومع تصاعد التطورات في الشرق الأوسط الذي عينته بريطانيا مرة أخرى، يقفز الممارسون الاستعماريون والمستشرقون، إلى جانب النخب الحاكمة التي اختاروها بعناية بعد الاستعمار، إلى المعركة لإضافة الإهانة إلى الإصابة التي امتدت لأجيال عديدة وكأن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها دولة الاحتلال في غزة والفوضى المفتوحة ضد العرب والمسلمين طوال القرن العشرين وحتى القرن الحادي والعشرين لم تكن كافية، فقد تعرضنا أيضاً لـ “نظرية السوشي” الاستعمارية في السياسة الشرق أوسطية، والتي تهدف إلى تأطير وتفسير كل ما هو خاطئ أو خطير في المنطقة.
لقد تم استخدام الصراع السني الشيعي عبر التاريخ والذي تم تصنيعه وتأجيجه من قبل الاستعمار لتفسير الحروب الأوروبية الأميركية، والعنف الصهيوني، والتدخل الأجنبي في المنطقة.
إن سياسة فرق تسد القديمة/الجديدة واضحة تماما، مع العديد من المشاركين وشبكات الاستخبارات الضخمة التي تعمل ليل نهار للحفاظ على لهيب الموت مستعراً، وهنا، يجب أن أعترف بأنني أحب السوشي، لأنه أحد أكثر خيارات الوجبات الصحية، ولكن ليس كنظرية للعالمين العربي والإسلامي.
يمكن للمرء أن يلتزم بفهمه الخاص للتاريخ الإسلامي والانقسامات القائمة سواء كانت لاهوتية أو نصية أو سياسية أو وطنية أو عرقية فيما يقاوم الاستراتيجية التي أشعلها الاستعمار لإذكاء مثل هذه الانقسامات واستغلالها لتعزيز الهيمنة الغربية على المنطقة وشعوبها.
ثروة نفطية هائلة
إن الصراع الإقليمي قائم اليوم في المقام الأول بسبب موارد النفط والغاز الطبيعي الهائلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي تشكل أهمية حاسمة للاقتصاد العالمي الحديث.
وقبل اكتشاف النفط في الشرق الأوسط عام 1908 في إيران، كان التركيز الأساسي للعالم على طرق التجارة إلى آسيا، والمواد الخام، والاستيلاء على أسواق الفائض من الإنتاج الصناعي من المصانع في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية.
وقددشهد الاندفاع نحو الموارد الطبيعية والأسواق في القرن التاسع عشر توسع البصمات العسكرية والاقتصادية والمعرفية البريطانية والفرنسية والهولندية والألمانية والإيطالية والبلجيكية، مع استخدام استراتيجيات فرق تسد ونشر العنف الهائل والإبادة الجماعية لتحقيق الأهداف الاستعمارية.
إن “نظرية السوشي” التي أنتجتها المستعمرات في السياسة الشرق أوسطية، والتي تدعي تفسير جميع أسباب الصراع، هي في الواقع الوصفة الدقيقة للحروب التي لا تنتهي
ولنكن واضحين: كانت الانقسامات موجودة من قبل، ولكن الاستعمار والجشع الأوروبي خلقا وضعاً دواراً، مما أدى إلى تدهور قدرة المجتمعات على المقاومة، كما سمح للقوى الاستعمارية بالاستيلاء على المزيد والمزيد من الموارد الطبيعية والأسواق بأسعار زهيدة.
لقد استُخدم الدين كأداة إمبريالية لحث وتحفيز السياسات التدخلية، وتوسيع البصمات الاقتصادية والسياسية الاستعمارية في جميع أنحاء العالم، فأي شخص ينظر إلى الجنوب العالمي دون فهم سياسات تقسيم الحكم الاستعمارية، وتسليح الاختلافات الدينية والثقافية واللغوية والعرقية لتعظيم السيطرة والهيمنة، يغفل العوامل الحاسمة التي أشعلت الصراعات وحافظت عليها لفترة طويلة.
هل تهدف القوات الأوروبية والأميركية في الشرق الأوسط إلى حماية السنة من الشيعة، أو العكس؟ هل يشكل البناء الهائل للقواعد العسكرية والاختراق الاستخباراتي في جميع أنحاء المنطقة جزءاً من خطة أوسع لتعزيز السلام والحب والهدوء بين المجتمعات السنية والشيعية؟
إذا كنت تعتقد هذا، فلا بد أن التاريخ الطويل للمنطقة، ونشأة الصراعات الحالية قد فاتاك.
مزاعم مشكوك فيها
لقد احتضن المشروع الاستعماري الغربي المشروع الصهيوني، كما ساعد في تشكيل الدول القومية الحديثة في المنطقة العربية، حيث مكنت مرحلة ما بعد الاستعمار من إزالة القوات الاستعمارية مع الحفاظ على النظام المعرفي الاستعماري في مكانه، سواء في الاقتصاد أو التعليم أو البنى الاجتماعية والدينية.
وقد تشكلت المنطقة التي أطلق عليها البريطانيون اسم الشرق الأوسط، ولا تزال موجودة، ضمن الأطر التي وضعت في القرن التاسع عشر وترسخت من خلال اتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر باريس للسلام اللاحق في نهاية الحرب العالمية الأولى.
عمل البريطانيون والفرنسيون في القرنين التاسع عشر والعشرين على تأجيج الانقسامات السنية والشيعية لتعزيز برامجهم الاستعمارية في المناطق العثمانية والقاجارية (الفارسية)، حيث أصبح استغلال وتأجيج التوترات المسيحية الإسلامية في المنطقة، وسط مزاعم مشكوك فيها حول “حماية” السكان المسيحيين في الشرق، جزءاً أساسياً من مسعى استعماري يستثمر في الموارد الطبيعية وطرق التجارة والمطالبات العنصرية بمشروع حضاري.
وأينما أمعنت النظر في الجنوب العالمي، استخدمت القوى الاستعمارية استراتيجية “فرق تسد” لإثارة الجراح القديمة، وإثارة الصراعات الدينية والإثنية والعرقية والثقافية التي استُخدمت بعد ذلك للدفع نحو الغزوات والتدخلات، وصب المزيد من الوقود على النار.
وفي حين أن مثل هذه الاختلافات موجودة، بل إنها طبيعية بين المجموعات البشرية المتنوعة، فمن المهم أن نفهم كيف تم استخدامها في الفترة الاستعمارية، وكيف يتم نشرها حالياً لتعزيز الهيمنة والتوسع في البصمة الاستعمارية الحديثة للغرب في جميع أنحاء المنطقة.
لقد أثارت القوى الاستعمارية الانقسام السني الشيعي المعروف سابقاً عبر إذكاء التوترات وتضخيم الاختلافات ورعاية “المفكرين” و”مراكز الفكر”، وكتبت ونشرت مقالات متحيزة، وموّلت وسائل الإعلام، ودفعت الخناجر إلى الأسر والمساجد والتجمعات المجتمعية.
والجدير بالذكر أن المنطقة التي نسميها الشرق الأوسط لديها أكبر احتياطيات من النفط والغاز الطبيعي في العالم، حيث بات الجشع الغربي هو القوة الدافعة في هذه المعادلة.
وبالنسبة للنخب المالية والشركاتية في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن هذه الموارد قيمة للغاية بحيث لا يمكن الاحتفاظ بها في أيدي “السكان دون البشر” الذين يسكنون هذه المنطقة، وينطبق نفس الشيء على فنزويلا، وعلى نطاق أوسع على موارد أميركا اللاتينية وأفريقيا.
إن “نظرية السوشي” السخيفة التي أنتجتها الاستعماريات في السياسة في الشرق الأوسط، والتي تدعي تفسير كل أسباب الصراع، هي في الواقع الوصفة الدقيقة للحروب التي لا تنتهي والتي تستلزم استمرار التدخل الاستعماري الغربي، والمبيعات العسكرية الضخمة، ودعم الصهيونية، ودعم الملكيات ما بعد الاستعمارية، والهيمنة واسعة النطاق.
فضلاً عن ذلك، فإن الإطار السني الشيعي للصراعات يعيد إنتاج المجازات الاستشراقية القديمة حول الانقسامات الثقافية والدينية “غير العقلانية” التي تدعو إلى مشاريع إعادة التأهيل “الحضارية” الغربية في جميع أنحاء المنطقة.
هذا النموذج يبشر ببرامج تدخلية ضخمة تسعى إلى تحويل المجتمعات العربية والإسلامية في جميع أنحاء المنطقة إلى رعايا ما بعد الاستعمار، أولئك الذين يقبلون الهيمنة والإذلال والعنف المستمر و”الإصلاحات الحضارية” ونهب الموارد في مقابل الترحيب بهم في فراغ الإنتاج الثقافي الغربي والمعايير الغربية.
نحن نستسلم لقوى السوق العالمية، وننضم إلى جولات المتعة في البحر الأحمر، ومهرجانات الهالوين في الطريق إلى مكة، والهروب من الملذات في الخليج، والمنتجعات الفاخرة في طابا في مصر.
سيساعد المستشارون الاستعماريون في بناء أطول المباني الفارغة في العالم واستضافة أغرب الحفلات الموسيقية الغربية وتقديم أكبر الجوائز لأكثر السباقات الرياضية تفاهةً إلى أي مكان والاحتفال بأهمية ذلك للمساعدة في تخفيف عقدة النقص التي تنتجها بنفسك.
سوف يوفر الغرب لك العطور الاستعمارية لتجعل رائحة العفن تفوح منك مثل الورود، بينما تبيع مجتمعك لآلة الشركات الغربية، وتخصخص الموارد الوطنية، وتفتح حدودك للمنتجات والاستثمارات الإسرائيلية، وترحب بكل دبلوماسي أو شخصية إعلامية أميركية وغربية معادية للإسلام.
هذا هو العرض: إن ما يمنعك من الوصول إلى المسرح العالمي هو السنة والشيعة “الأشرار” في منطقتك، والذين يبدو أنهم لا يفهمون قيمة التخلي عن مركز المعنى الأخلاقي والمعنوي في مجتمعهم.
بيعوا أنفسكم للاستعمار، وتخلصوا من القيود الأخلاقية، لقد جلبت اتفاقيات إبراهيم، وكامب ديفيد، ومعاهدة وادي عربة، ومجموعة أخرى من الاتفاقيات “الازدهار” و”الشمول” لدوائر النفوذ والتحرك التصاعدي.
“الحكمة” الدينية
الآن، دعوني أنتقل إلى الشخصيات الدينية المعينة من قبل الإمبرياليين والتي تروج للمخطط الاستعماري الحالي، والذي تم تقديمه كأساس للمعنى الديني والروحي ليستهلكه الناس غير المطلعين.
يخرج الكادر “الديني” بقوة لبيع “نظرية السوشي” في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، مع فتاوى وتفسيرات جاهزة لإشعال فتيل التنافر وإلقاء الشكوك على إمكانيات إنهاء الاستعمار، ويُستخدم مصطلح “السلام” في هذه الدوائر الدينية التي تم إنشاؤها من قبل الإمبرياليين ليعني التطبيع مع إسرائيل، إلى جانب تبرير الهيمنة والقواعد العسكرية الغربية في جميع أنحاء المنطقة.
ويدافع الكادر الديني الإمبريالي عن ما لا يمكن الدفاع عنه، في حين يأمر الجميع بطاعة الحاكم، لأنه يعرف ما هو الأفضل، وفي هذا السياق، تصبح إسرائيل حليفاً استراتيجياً، والقوة الغربية في المنطقة هي شبكة أمان، أما الفلسطينيون السنة فهم مثيرو الشغب الذين يعطلون “السلام” الاستعماري، في حين يشكل التوسع الشيعي تهديداً لبقاء المنطقة.
الولايات المتحدة وإسرائيل والملوك والدكتاتوريون وأجهزة الاستخبارات و”المقاولون الخاصون” والمرتزقة المعاصرون مطلوبون لإنقاذكم من بعضكم البعض
إن هذا هو ما يحدث في كل مكان، وإلا فإن الوحش السني أو الشيعي الذي يختبئ تحت أسرّتك وسجاد صلاتك سوف يخرج ليقتلك.
ولمكافحة هذا، فأنت بحاجة إلى صهيونية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقواعد العسكرية الغربية، واستيلاء الشركات على اقتصادك، وشركة علاقات عامة لتشكيل مناهجك الدراسية لإنتاج شعب مطيع، شعب يستهلك ويتلذذ، لكنه لا يجرؤ أبدا على طرح سؤال أو إثارة أي معارضة.
إن هذا الدين الإمبراطوري، والنخب الدينية التي ترعاها الإمبراطورية والتي تروج للخطابات الاستعمارية، هي نذير الموت الحقيقي، فهي تعمل كخادمة دينية للإمبراطورية، في حين تبارك آلات الموت التي تحصد قطعانها بالمئات من الآلاف، أو حتى الملايين.
إن هؤلاء السحرة الدينيين الإمبراطوريين المحترفين ينشرون النصوص بسهولة، ويستخرجون المصادر للحصول على قطعان التهدئة، ويمتعوننا بالتجمعات المنظمة لغرس “الحكمة” الصامتة من ناحية، ورسائل النار والكبريت من ناحية أخرى لمنتقدي المشروع الاستعماري الحالي.
إن هذه المجموعة المحبوبة مستعدة تماماً لتقديم مبررات دينية للملوك والرؤساء والإمبراطورية، وتبرير القتل الجماعي لأي شخص يجرؤ على تحدي هذا النموذج والتحدث بالحقيقة للسلطة.
لا يزال بإمكاننا الحفاظ على فهم التاريخ السني الشيعي والسرديات المعقدة التي يتم مشاركتها ومناقشتها، مع رفض المحاولات الاستعمارية المستمرة لتسليح هذه القضية للهيمنة على المنطقة والتهام الأفضل والألمع بيننا، وتعطيل التغيير الحقيقي.
أي خطاب يدفع ويسلح هذه الانقسامات، لا يخدم إلا المشروع الاستعماري ومحاولاته متعددة الأوجه لإعادة احتلال المنطقة.
أخيراً، يجب أن نتخلص من فكرة أن العدو الاستعماري لعدوي هو صديقي، يجب استبدال هذا بالفهم القابل للتحقق تاريخياً في جميع أنحاء الجنوب العالمي بأن العدو الاستعماري لعدوي، بعد استراتيجية فرق تسد، قد التهمنا معاً.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)