كيف أصبحت تركيا في طليعة التحالفات الأمنية الخليجية؟

بقلم علي باكير وروبرت مايسون

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد قامت دول مجلس التعاون الخليجي، السعودية والإمارات وقطر والبحرين، بتوطيد علاقاتها العسكرية مع تركيا في السنوات الأخيرة، منها نمو التحالف التركي القطري على وجه الخصوص خلال العقد الماضي، حتى بلغ ذروته مع اتفاق دفاع مشترك عام 2014، تضمنت نشر قوات تركية في الدوحة خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017، وافتتاح مقر قيادة عسكرية مشتركة عام 2019.

وبعد انتهاء الأزمة الخليجية، وإعادة ضبط الشراكات الدفاعية فيما بين دول الخليج، كانت تركيا في طليعة هذا التحول سعياً لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية، وعليه يمكن تفسير العلاقة بين تركيا ودول الخليج على أنها لعبة شطرنج جيوسياسية بالدرجة الأولى، ففي وقت يعاني فيه الشرق الأوسط من فراغ في السلطة وتحول الولاءات، فإن العديد من الدول بدأت تعمل على تشكيل تحالفات جديدة وتعزيز القائمة.

لم تخفِ أنقرة نواياها يوماً حول السعي لتوسيع شراكاتها العسكرية في الخليج، ففي عام 2017، عندما فرضت الدول المجاورة حصاراً على قطر، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه كان قد اقترح إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي السعودية عام 2015

لقد برزت تركيا كشريك مرغوب به من قبل دول الخليج خلال الأزمة الخليجية، بسبب موقعها الاستراتيجي وقوتها العسكرية، حيث كانت استراتيجية القواعد العسكرية جزءاً حيوياً من جهود تركيا لإحباط التهديدات الأمنية المتزايدة وتوسيع نفوذها في المنطقة، خاصة بعد الثورات العربية عام 2011، حيث استضافت قطر أول قاعدة عسكرية تركية في الخليج، وربما يكون هناك المزيد من القواعد مستقبلاً.

لم تخفِ أنقرة نواياها يوماً حول السعي لتوسيع شراكاتها العسكرية في الخليج، ففي عام 2017، عندما فرضت الدول المجاورة حصاراً على قطر، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه كان قد اقترح إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي السعودية عام 2015، وهو خيار لا يستبعده السعوديون ابداً في ظل التهديد الإيراني.

تقوية الروابط

وفقاً لوثيقة سرية تم الكشف عن أجزاء منها وتتعلق بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، فقد كانت السعودية تنظر لتركيا كضامن أمني منذ وقت مبكر في عام 2011، فقد كانت الرياض تتطلع إلى ما هو أبعد من واشنطن للحصول على ضمانات أمنية، خاصة بعد ما أحدثته واشنطن من اضطراب في المنطقة في ظل الثورات وغياب القوات الأمريكية بعد حرب العراق، إضافة إلى تجديد التواصل الدبلوماسي مع إيران.

لا شك أن الثورات العربية أدت إلى اضطراب مباشر في العلاقات التركية السعودية، لكن تم استعادتها وتعزيزها مرة أخرى منذ عام 2021، كجزء من التحول في الشرق الأوسط والذي تم تتويجه بالاتفاق الإيراني السعودي بوساطة الصين مؤخراً، مما يعني إدراك دول المنطقة لأهمية التعاون الإقليمي، وهنا برزت تركيا كشريك ذو قيمة خاصة.

في أغسطس 2023، وخلال خطاب ألقته بمناسبة عيد النصر التركي، سلطت السفيرة التركية في الكويت، توبا سونميز، الضوء على العلاقات العسكرية والأمنية المتصاعدة بين البلدين، مشيرة إلى أن تركيا مستعدة لإنشاء قاعدة عسكرية في الكويت إذا ما رغبت الأخيرة بذلك.

اتجهت كل من السعودية والإمارات إلى الاستثمار في صناعاتهما الدفاعية والعسكرية كنوع من البحث عن استقلال استراتيجي

يذكر أن تركيا كانت قد أرسلت مستشارين عسكريين إلى الكويت من قبل خلال أزمات، بما فيها أوائل الثمانينات في محاولة لاحتواء آثار الثورة الإيرانية ومواجهة المحاولات السوفيتية للوصول إلى الخليج بعد غزو أفغانستان.

وخلال أزمة مجلس التعاون الخليجي، لعبت كل من الكويت وتركيا دوراً محورياً في تجنب الصراع العسكري، فالهزات الجيوسياسية في ذلك الوقت تركت دول الخليج الصغيرة المتحالفة مع الولايات المتحدة في حالة شك من مدى موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية، حتى انتشرت، عام 2017،  شائعات حول احتمالية تواجد عسكري تركي على أرض الكويت، من أجل موازنة التوترات المتصاعدة في الخليج.

أظهرت تجارب العقد الماضي، في سوريا وليبيا وقطر والصومال وأثيوبيا وأماكن أخرى، أن تركيا ملتزمة بحماية حلفائها وأصدقائها وقت الحاجة، وأن تدخلها أو دعمها قد يكون الحجر الرابح في لعبة الشطرنج!

 في ذلك الوقت، صرح مسؤول كويتي بالقول “لا يمكن للكويت أن تتحدى السعودية بالطريقة التي فعلتها بعض دول الخليج الأخرى، لكن العلاقات المعززة مع تركيا يمكن أن تساعدنا، إن حالة الاضطراب بين الجيران (السعودية والإمارات وقطر) مخيفة، ولهذا علينا الاستعداد لعواقب غير مرغوب فيها”.

وسط تخوف الكويت من أن تؤدي تلك الخطوة إلى استعداء من طرف الرياض، ذهبت لتبحث عن مساحة أخرى للحماية، حيث أشارت تقارير عام 2018 إلى احتمالية إنشاء قاعدة بحرية بريطانية، الأمر الذي لم تؤكده الكويت، وفي عام 2022، استأنفت الكويت وتركيا التدريب العسكري المشترك، مع أنهما وقعتا اتفاقية دفاع مشترك شاملة في أواخر 2018، الأمر الذي يؤكد حرص الطرفين على التعاون في هذا المجال.

استقلال استراتيجي

في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، كان للصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي والتصعيد بين واشنطن وطهران تأثير أيضاً، ففي عام 2020، ظهرت شائعة مفادها أن عُمان، التي كانت واحدة من أكبر مستوردي المعدات العسكرية التركية آنذاك، قد تستضيف قاعدة بحرية تركية، ولكنها شائعة لم تؤكدها أي من الدولتين، بل على أرض الواقع، فقد سعت عُمان، مثل الكويت، لزيادة الوجود العسكري البريطاني وليس التركي.

بعد حل أزمة دول الخليج عام 2021، تعززت العلاقات الدفاعية والأمنية بين الكويت وتركيا، حتى وقعت مناورة عسكرية مشتركة على ضوء نفس الأهداف الاستراتيجية بينهما، كما انضمت الكويت إلى الدول التي حصلت على طائرات حربية بدون طيار من طراز “بيرقدار” التركية.

رغم التحركات الأخيرة لوقف التصعيد الإقليمي، تظل إيران عاملاً مهماً في أي حسابات أمنية في المنطقة، ففي عام 2015، اتهمت الكويت أكثر من 20 شخصاً بالتجسس لصالح إيران للقيام بأعمال عدوانية ضدها، وفي العام التالي، خفضت الكويت من علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.

في الوقت الذي قد يعتبر فيه خبراء كويتيون الوجود الأمريكي كافياً لردع أي هجمات أجنبية، يرى فريق آخر أن هذا الاعتماد غير مضمون ويعرض الكويت للخطر، فأحداث مثل الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية عام 2019، سلطت الضوء على حاجة دول الخليج إلى تنويع تحالفاتها الدفاعية، ولذلك توجهت السعودية والإمارات نحو روسيا والصين.

في الوقت نفسه، اتجهت كل من السعودية والإمارات إلى الاستثمار في صناعاتهما الدفاعية والعسكرية كنوع من البحث عن استقلال استراتيجي، وهنا تظهر تركيا في المشهد بعرض مقنع، مع سجلها الحافل وقدراتها الدفاعية القوية، فقد أظهرت تجارب العقد الماضي، في سوريا وليبيا وقطر والصومال وأثيوبيا وأماكن أخرى، أن تركيا ملتزمة بحماية حلفائها وأصدقائها وقت الحاجة، وأن تدخلها أو دعمها قد يكون الحجر الرابح في لعبة الشطرنج!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة