كيف تتلاعب وسائل الإعلام الغربية باللغة لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم؟

لا شك أن اختيار الكلمات والمصطلحات أمر مهم عندما يتعلق الأمر بنقل أحداث عالمية، لأن الكلمات واستخدامها ينطوي على معانٍ لها القدرة على تحريك الرأي أو تغييره أو الإيحاء وفي بعض الأحيان التقليل من هول ما يحدث .

هذا الاستخدام الأخير هو بالضبط ما يحصل عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين إسرائيل وفلسطين، حيث ينتقد الناشطون ونشطاء حقوق الإنسان المؤسسات الإخبارية بسبب اختيار اللغة واستخدام الفاعل بصيغة المبني للمجهول.

منذ 7 أكتوبر، كان هناك تركيز واضح على نوعية المصطلحات التي تستخدمها مختلف وسائل الإعلام الغربية من معلقين ومراسلين، حيث يوضح اللغوي والصحفي المقيم في الولايات المتحدة، عبد القادر أسعد، أنه عندما يتعلق الأمر بتغطية الهجوم الإسرائيلي على غزة، يمكن التلاعب باللغة بهدف تحريف المعاني والآراء.

يرى أسعد  أن “اللغة هي أقوى أداة خارج ساحة المعركة، ووسائل الإعلام الغربية تعرف ذلك وتستخدمها جيدًا لصالح إسرائيل، فالطريقة التي تؤطر بها وسائل الإعلام الغربية  العناوين الرئيسية والفقرات الافتتاحية لتغطيتها الإخبارية للحرب على غزة، تهدف عمداً إلى التأثير على الآراء وترسيخ النظرة إلى غزة بجميع سكانها على أنهم مسلحون، ليصبح القتل مبرراً”، وبالتالي التأثير على صانع القرار.

“إن وسائل الإعلام الغربية تستخدم تعبيرات ملطفة هادفة لإخفاء حقيقة الكلمات التي تعبر عن حجم جرائم الحرب الإسرائيلية، فعندما تستخدم وسائل الإعلام الغربية صيغة المبني للمجهول، فإنها تتجاهل عمدًا مبدأ من الذي فعل ماذا ومن المطلوب حتى تكتمل المعلومة” – لارا جيبسون- كاتبة وعالمة لغوية

على سبيل المثال، وفي مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في 20 ديسمبر، كتب فيه أن “حماس تبدأ التخطيط لإنهاء الحرب مع إسرائيل” كعنوان رئيسي تمت صياغته من قبل وول ستريت جورنال لنقل فكرة أن حماس هي التي بدأت” الحرب ضد إسرائيل”.

يقول أسعد أن العنوان الرئيسي في هذه المقالة “هو مثال على التعصب اللغوي، والهدف هنا هو إقناع القراء بأن حماس هي التي بدأت الحرب مع إسرائيل وتخطط لإنهائها”، مما يساهم في تقديم إسرائيل كضحية للحرب!

تجريد الفلسطيني من إنسانيته!

هناك مشكلة أخرى في التغطيات الإعلامية وهي استخدام الفاعل بصيغة المبني للمجهول، حيث تؤكد الكاتبة والعالمة اللغوية المقيمة في مصر،لارا جيبسون، أن هذا غالبًا ما يجرد الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم.

تقول جيبسون أنه “في وسائل الإعلام الغربية، دائماً ما نرى صيغة المبني للمجهول للفاعل، الأمر الذي يجرد الضحايا من إنسانيتهم ​، كما أن وصف إسرائيل عادة بصيغة المبني للمجهول يوحي للقراء الغربيين أنهم يستطيعون الوقوف وراء إسرائيل وتبرير أفعالهم”.

“أن العديد من المنشورات الكبيرة استخدمت لغة غامضة عن عمد في وصفها للهجمات المدمرة على غزة، فيما كانت لغة وصف الهجمات على إسرائيل في 7 أكتوبر واضحة ووصفية جداً، مما يدعم ضمنيًا القضية الإسرائيلية” – لارا جيبسون- كاتبة وعالمة لغوية

ويرى أسعد أنه بالإضافة إلى التجريد من الإنسانية، فإن ذلك يمكن أيضاً أن يقلل من أهمية الجرائم الإسرائيلية، يقول “إن وسائل الإعلام الغربية تستخدم تعبيرات ملطفة هادفة لإخفاء حقيقة الكلمات التي تعبر عن حجم جرائم الحرب الإسرائيلية، فعندما تستخدم وسائل الإعلام الغربية صيغة المبني للمجهول، فإنها تتجاهل عمدًا مبدأ من الذي فعل ماذا ومن المطلوب حتى تكتمل المعلومة”.

لقد اختارت بعض وسائل الإعلام أيضاً استخدام مصطلح “مسلحي غزة”، الأمر الذي يؤدي إلى خطر الخلط بين سكان القطاع المحاصر والذين ينفذون الهجمات، مما يؤدي إلى ارتباط سلبي للمدنيين بالفكرة

 لتوضيح ذلك، سلط أسعد الضوء على أحد الأمثلة التي نقلتها وكالة رويترز، مشيراً إلى أنها “جعلت القوات الإسرائيلية تفلت من العقاب”، وذلك عند الإبلاغ عن مقتل المصور الصحفي لدى رويترز، عصام عبد الله، في 13 أكتوبر، حيث جاء في العنوان: “مقتل عصام عبد الله، مصور الفيديو في رويترز، أثناء عمله في جنوب لبنان”.

يشرح أسعد أنه “بهذه الطريقة، لا يعرف القراء من قتل عصام، وبالطبع هذا يخدم القوات الإسرائيلية بإخفاء حقيقة أن القوات الإسرائيلية قتلت الصحفي، فبمجرد رؤية القراء لهذا العنوان، فإنهم سوف يخزنون معلومة مقتل صحفي ولكن دون المجرم الذي فعل ذلك”!

لغة غامضة

من جهة أخرى، فقد ظهرت بعض الكلمات المستحدثة في هذه الحرب، واعتبرت إشكالية إما لأنها تشير إلى التكافؤ بين الجيش الإسرائيلي وحماس أو لاستخدام لغة غامضة للالتفاف على لوم إسرائيل.

أشارت جيبسون إلى ” أن العديد من المنشورات الكبيرة استخدمت لغة غامضة عن عمد في وصفها للهجمات المدمرة على غزة، فيما كانت لغة وصف الهجمات على إسرائيل في 7 أكتوبر واضحة ووصفية جداً، مما يدعم ضمنيًا القضية الإسرائيلية”.

تقول جيبسون أن  “مصطلحات مثل الحرب تشير إلى منافسة متساوية بدلاً من الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل”، فتعريف أكسفورد للحرب هو أنه “حالة من الصراع المسلح بين دول مختلفة أو مجموعات مختلفة داخل الدولة”.

ووفقا لتقرير نشره موقع أكسيوس في وقت سابق من هذا العام، فإن لدى إسرائيل ميزانية عسكرية سنوية تتجاوز 20 مليار دولار، كما أنها تتمتع بإمكانية الوصول إلى بعض المعدات العسكرية الأمريكية الأكثر تقدماً، في وقت تسيطر فيه على السماء والبحر المحيط بأراضيها، فإذا كانت تزعم أن هدفها القضاء على حماس، فلماذا استخدمت كل الأسلحة المدمرة ضد المدنيين؟!

توضح جيبسون أن استخدام مصطلح “الحرب” يعني أن كتائب القسام وإسرائيل تتمتعان بنفس القوة، وأن غزة هي دولة وليست قطاعاً محاصرًا،الأمر الذي يقدم صورة مضللة عن العنف على الأرض، وتؤكد جيبسون أن “إسرائيل استخدمت مصطلح متشدد من حماس كسلاح لأنها تستطيع استخدامها بحرية لتبرير ذبح المدنيين الفلسطينيين”.

لقد اختارت بعض وسائل الإعلام أيضاً استخدام مصطلح “مسلحي غزة”، الأمر الذي يؤدي إلى خطر الخلط بين سكان القطاع المحاصر والذين ينفذون الهجمات، مما يؤدي إلى ارتباط سلبي للمدنيين بالفكرة.

يؤدي ذلك الارتباط السلبي إلى الحرص على استخدام  “كلمة أو عبارة تخفف من حدة أمر لا يبدو مريحاً، قد تكون أشبه بلغة مجازية للإشارة إلى موقف ما دون الاضطرار إلى مواجهته”، ومن ذلك استخدام كلمة “يموت” بدلاً من “يُقتل”، كما ظهر في عنوان بي بي سي في 19 ديسمبر، بحسب أسعد.

مصطلحات غير دقيقة

من الأمثلة المهمة على استخدام المصطلحات غير الدقيقة في تغطيات وسائل الإعلام الغربية، الإشارة إلى وزارة الصحة الفلسطينية باسم “وزارة الصحة في حماس” عند استخدامها كمصدر، وهذا العنوان غير دقيق، حيث تعمل الوزارة مع المسؤولين في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة.

تجدر الإشارة إلى أن نسب هذه الأرقام إلى حماس قد دفع البعض، ومن بينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى التشكيك في صحة وموثوقية الأرقام التي نشرتها الوزارة، حتى دعا مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بايدن لاحقاً إلى الاعتذار عن “تعليقاته الصادمة والمهينة للإنسانية” بعد أن قال إنه لا يثق في الأرقام.

وفي حادثة أخرى، فقد ثبتت مصداقية وزارة الصحة فيما يتعلق بالوثائق التي تصدرها، بعد الشكوك حول عدد الضحايا بعد القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي العربي، حيث أدرجت الوزارة أسماء 7028 شخصاً من الضحايا مع جنسهم وأعمارهم ورقم هويتهم.

في مقابلة له مع واشنطن بوست، أشار مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش، عمر شاكر، إلى أن أرقام الوزارة “ثبت بشكل عام أنها موثوقة، ففي الأوقات التي قمنا فيها بالتحقق من أرقام ضربات معينة، لم يكن هناك اختلاف بالأرقام مع الوزارة”.

بقلم ندى عثمان 

ترجمة وتحرير مريم الحمد

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة