كيف ستكون السياسة الخارجية للمعارضة التركية إذا فازت بالانتخابات؟

للمرة الأولى منذ 22 عامًا، قد يفقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلطة، إذ تتنبأ استطلاعات الرأي بانتصار مرشح الرئاسة المشترك للمعارضة كمال كيليتشدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات، المقرر إجراؤها في آيار/ مايو، إذا لم يحصل أي شخص على أكثر من 50% في الجولة الأولى.

يسلط هذا الاحتمال الضوء على السياسة الخارجية للمعارضة، ويطرح العديد من التساؤلات فمثلاً هل ستنسحب تركيا من ليبيا أو سوريا؟ هل ستقترب أكثر من الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وهل ستتوقف تركيا عن كونها رجل الناتو المحرج؟

لم تعد الولايات المتحدة تخفي كراهيتها لأردوغان، فالرئيس الأمريكي جو بايدن صرح بأنه يفضل حكومة معارضة، وبالمقابل أظهر كيليتشدار أوغلو حرصه على زيارة الولايات المتحدة في وقت مبكر من حملته.

وقد أدى ذلك إلى تكهنات بأن السياسة الخارجية التركية، التي ساعدت في تشكيل جزء كبير من العالم في السنوات الأخيرة، يمكن أن تتخذ منعطفًا حادًا وربما انعزاليا أيضا.

من ناحية أخرى، قدم كيليتشدار أوغلو وعودًا آسرة تصدرت عناوين الصحف في تركيا، كالسفر بدون تأشيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي في غضون ثلاثة أشهر من توليه منصبه، وتهديد اليونان بالتدخل المسلح.

لكن المقربين منه حريصون على إضفاء مزيد من التفاصيل الدقيقة على هذه التصريحات، والتحدث عن أولويات السياسة الخارجية المحتملة بعبارات فضفاضة اكثر، ويطالبون بالحذر عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالمستقبل.

من جهته، قال أونال تشيفيكوز، السفير المتقاعد وكبير مستشاري كيليتشدار أوغلو للشؤون الخارجية، إن الحكومة التي يقودها كيليتشدار أوغلو ستكون مصممة على تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وأوضح أن سياسة كيليتشدار أوغلو الخارجية ستستند إلى “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجيران، والسياسة الخارجية المحايدة والالتزام بالمعايير الدولية”.

لكن هذه الركائز ليست جديدة على تركيا بشكل خاص، فمجموعة كبيرة من الحكومات في الثمانينيات والتسعينيات والتي سبقت أردوغان كانت تروج إلى حد كبير للمثل العليا.

سوف نعطي الأولوية للحوار ونهج عدم التدخل، وسنكون وسيطًا نزيهًا في أماكن مثل ليبيا من خلال التحدث إلى جميع الأطراف – أونال تشيفيكوز 

فلم يكن من قبيل المصادفة أن تحالف الأمة المعارض، بقيادة حزب الشعب الجمهوري بزعامة كيليتشدار أوغلو، قد أعلن أن تركيا ستعيد تبني شعار مصطفى كمال أتاتورك “السلام في الداخل، السلام في العالم” باعتباره حجر الزاوية في سياستها الخارجية.

وقال تشيفيكوز إن تركيا حافظت في عهد أردوغان على سياسة خارجية تدخلية وأيديولوجية تعتمد على القوة الصارمة في دول مثل ليبيا، حيث دعمت القوات التركية حكومة معترف بها من قبل الأمم المتحدة في حرب أهلية 2019-2020.

وأضاف تشيفيكوز إن أنقرة تدير شؤونها الخارجية على أساس العلاقات الشخصية المبهمة بين القادة، وهي ممارسة سيتم تصحيحها من خلال بناء المؤسسات.

سياسة الاتحاد الأوروبي

يكرر مسؤولو المعارضة في أنقرة أن كيليتشدار أوغلو لم يتخذ قراره بعد بشأن أي قضية أخرى غير الاتحاد الأوروبي.

وقال تشيفيكوز إن حكومة كيليتشدار أوغلو ستؤيد أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وستطلق سراح كلا من السياسي الكردي البارز صلاح الدين دميرتاش والمحسن التركي عثمان كافالا من السجن.

من ناحية أخرى، أقر مسؤول تركي كبير في المعارضة، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن وعد كيليتشدار أوغلو بالسماح للمواطنين الأتراك بزيارة دول الاتحاد الأوروبي بحرية هو أمر يبعث على التفاؤل.

وقال: “إن هذه الوعود الانتخابية ستترجم إلى سياسات، لكن بالطبع، قد يستغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر للتوصل إلى اتفاق لتحرير التأشيرات، لكننا على يقين من أنه يمكننا تسليمها في الوقت المناسب.”

وقال مسؤول تركي كبير آخر في المعارضة، والذي تحدث أيضًا دون الكشف عن هويته، إنه في ظل حكم كيليتشدار أوغلو، لن تواصل تركيا “مغامرات السياسة الخارجية”.

وقال المسؤول: “إن أولويتنا الأساسية ستكون قضايا الأمن القومي الجوهرية، كالتهديد الإرهابي الناجم عن سوريا والعراق”.

وتابع حديثه قائلا: “لماذا نحن في الصومال؟ لا يوجد سبب، لماذا لدينا آلاف الجنود في قطر؟ لماذا نحن في ليبيا حيث اتخذنا جانبا في حرب أهلية؟ سنراجع كل هذه القضايا “.

في عام 2017، أنشأت تركيا في العاصمة الصومالية مقديشو أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج قادرة على تدريب 1500 جندي في وقت واحد. 

وفي ذلك الوقت، تم تفسير تحرك أنقرة على أنه خطوة لتحقيق التوازن مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي.

في العام نفسه، نشرت تركيا جنودًا في قطر عندما كانت الدوحة تعاني من عزلة متزايدة من جيرانها الخليجيين، فيما أفادت بعض التقارير بأن نشر القوات يُحتمل أن يكون قد منع انقلاب القصر الذي كان من الممكن أن يطيح بعائلة آل ثاني من السلطة.

لاجئون سوريون

قال المسؤول الثاني في المعارضة إن سياسة تركيا تجاه سوريا ستعتمد إلى حد كبير على الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ظل منبوذا على مدى عقد من الزمان لكنه الان يلقى ترحيبا متزايدا بين دول الشرق الأوسط.

لطالما دعت المعارضة إلى استئناف العلاقات مع الأسد بهدف عودة اللاجئين السوريين، وهي سياسات اكتسبت شعبية متزايدة حاكها اردوغان الذي بدأت حكومته بالتواصل مع دمشق.

ومع ذلك، لا تزال القوات التركية في شمال سوريا تدعم الجماعات المتمردة وتواجه أحيانًا الفصائل الكردية السورية.

وقال المسؤول: “اتخذت تركيا جانبًا في الحرب الأهلية السورية، وسيتم تصحيح ذلك”. “لن ننسحب على الفور من سوريا، لا يمكنني إعطاء جدول زمني، لكننا سنناقش ظروفنا ونرى ما سيحدث”.

وقال المسؤول إن العمل التركي الإداري والإنساني الجاري في شمال سوريا سيستمر، لكن الوجود العسكري سيعتمد على اتفاق نهائي يضمن أمن الحدود ضد التهديدات الإرهابية. 

وقال المسؤول إن هذه الصفقة ستستند إلى اتفاق أضنة لعام 1998 حيث وعدت سوريا تركيا بأنها لن تؤوي جماعات إرهابية وستسمح لأنقرة بالتدخل العسكري على بعد 5 كيلومترات من الحدود لحماية نفسها.

وأضاف أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً لكسب ثقة دمشق وتفكيك الوضع في الشمال، لا سيما في محافظة إدلب، حيث توجد مجموعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام، الفرع السوري السابق للقاعدة. 

وقال المسؤول: “سيتعين علينا إعادة التواصل مع السكان المحليين في إدلب، وإعادتهم إلى المجتمع، ولكننا لا يمكن أن نفعل ذلك وحدنا.”

لكن كيليتشدار أوغلو وعد في آذار/ مارس بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم في غضون عامين.

وقال المسؤول إن إعادة 3.7 مليون لاجئ سوري إلى وطنهم من تركيا هو مشروع مهم يتطلب قدراً هائلاً من الجهد وربما إطاراً زمنياً يمتد لأكثر من عامين.

وأضاف: “لا شك في أن ذلك سيكون على أساس طوعي” حيث سيتطلب ذلك تحفيزًا وفرص عمل وإعادة تأهيل، وسنحتاج بالتأكيد تقاسم العبء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة “.

روسيا والولايات المتحدة

تشعر العواصم الغربية بالفضول حيال الطريقة التي ستتعامل بها أنقرة مع المضي قدمًا في روسيا، فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تمكن أردوغان من الحفاظ على التوازن بين موسكو وكييف، لدرجة أنه استطاع أن يسلح الأخيرة دون تلقي رد فعل عنيف من الأولى.

يتفق المسؤولان المعارضان على أن أنقرة يجب أن تواصل هذا النهج المتوازن من خلال السعي للحصول على منصب وسيط، وعلى أن أنقرة يجب ألا تنضم إلى العقوبات الغربية على روسيا، والتي تجنبها أردوغان أيضًا.

عندما يتعلق الأمر بواشنطن، اتخذت المعارضة نهجًا أكثر تشددًا مما قد يتوقعه الكثيرون.

قال كيليتشدار أوغلو العام الماضي إن الولايات المتحدة ملأت اليونان بقواعد عسكرية وأن حزبه مستعد لدعم حكومة أردوغان إذا أرادت إغلاق جميع المنشآت العسكرية الأمريكية في تركيا.

وأضاف: “نحن ضد تواجد الجنود الأجانب على أرضنا بقدر ما نحن ضد النيوليبرالية، نحن مستعدون لعمل كل ما هو ضروري”.

ويقول المسؤولان في المعارضة إن تركيا ستحافظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة على أساس شراكة متساوية، لكن لا يمكنهم الإجابة على أسئلة حول كيفية حل التوتر بشأن دعم الولايات المتحدة للجماعات المسلحة الكردية في سوريا.

اليونان وقبرص وإسرائيل

أما بالنسبة لليونان وقبرص، فقد قال المسؤولان إن تركيا ستستأنف الحوار “الموجه نحو النتائج” مع أثينا.

وفي هذا لشأن، قال مسؤول المعارضة الأول: “إذا لم نتمكن من التوصل إلى حل معهم، فنحن على استعداد لرفع كل شيء إلى المحكمة، بما في ذلك ترسيم الحدود البحرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي”.

وأوضح المسؤولان أن الحكومة المقبلة ستعالج القضايا مع قبرص أولاً من خلال توحيد الشمال الذي تسيطر عليه تركيا، والذي لديه حكومة محلية تدعم الاستقلال ومعارضة تريد حلاً فيدراليًا.

 ثم تبدأ محادثات متواصلة برعاية الأمم المتحدة مع جمهورية قبرص في الجنوب، كما حدث في حوار 2017 الفاشل في كرانس مونتانا.

وفي العام الماضي، قال كيليتشدار أوغلو إنه سيحاسب إسرائيل والسعودية على الخطوات التي اتخذتها ضد تركيا في السنوات الأخيرة، ووعد بالتراجع عن سياسات أنقرة الأخيرة التي سعت إلى الانفراج مع جيرانها الإقليميين.

وقال: “هناك ثمن لاستشهاد مواطنينا في المياه الدولية”، في إشارة إلى حادثة أسطول مافي مرمرة عام 2010، حيث قتل تسعة ناشطين أتراك على يد القوات الإسرائيلية على متن سفينة مساعدات مدنية كانت متوجهة إلى قطاع غزة.

وقال المعارض الثاني إن أنقرة لن تدير سياسة خارجية متشددة في الشرق الأوسط وستحاول التحدث إلى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وحول التعويضات التي وعد بها الإسرائيليون، قال المسؤول: “لدينا إحساس بأن مدفوعات إسرائيل النقدية لم تصل إلى عائلات ضحايا مافي مرمرة، سننظر في هذه المسألة، لكنها لن تعطل علاقاتنا مع إسرائيل”.

دول الخليج

أما بالنسبة لدول الخليج التي قضى الكثير منها سنوات من المعارضة لأنقرة حتى الانفراج الأخير، فقد صرح المسؤول الثاني أن تركيا ستراجع علاقاتها معها لكنها حريصة على المحافظة على تلك العلاقات. 

وقال: “نود أن تكون لدينا علاقات متساوية مع الجميع في المنطقة”.

وذكر المسؤولان أن أنقرة قطعت صفقات غير رسمية مع دول مثل السعودية والإمارات وقطر في السنوات الأخيرة.

وأضاف المسؤول الأول: “لا نعرف بالضبط ما هي الوعود التي قُطعت وما الذي تم أخذه بالمقابل، سيتعين علينا رؤيتهم جميعًا حتى نتخذ قرارًا بشأن ما سيحدث بعد ذلك.”

وقال المسؤول الثاني إن حكومة كيليتشدار أوغلو ترغب في تعميق علاقاتها في مجال الصناعة الدفاعية مع إسرائيل وأوروبا، وكذلك المملكة المتحدة.

ويحذر المسؤولان من أن كل شيء مائع للغاية، إذ لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن أي قضية بخلاف النقاط المتفق عليها بين أحزاب المعارضة الستة التي تشكل تحالف الأمة بقيادة كيليتشدار أوغلو.

وأضاف المسؤول الثاني بالقول: “لكننا مستعدون للتفاوض في كل شيء لتطبيع علاقاتنا مع جيراننا مثل إسرائيل ومصر، وقد نضطر إلى مناقشة وجود حماس والإخوان المسلمين في تركيا “.

مقالات ذات صلة