كيف غيرت غزة السياسة العالمية؟

بقلم بيتر أوبورن

ترجمة وتحرير مريم الحمد

يمكن القول أن الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الوزراء البرتغالي السابق البالغ من العمر 73 عاماً، أنطونيو غوتيريس، ثوري غير متوقع وكأنه في مهمة تغيير لم يحلم بها حتى تشي جيفارا، وهي قلب النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

في خطابه الافتتاحي في منتدى الدوحة مؤخراً، أعرب غوتيريس عن اشمئزازه من عواقب القرار الأمريكي باستخدام حق النقض “الفيتو” ضد وقف إطلاق النار في غزة، فقال “لقد أوصيت مجلس الأمن بالضغط من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية وكررت دعوتي لإعلان وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، إذا حدثت إبادة جماعية في غزة، فهذا ذنبك يا جو بايدن”.

لقد بدأ البعض يطلقون على الرئيس الأمريكي لقب “جو الإبادة الجماعية” بالفعل، فمع مقتل قرابة 20 ألف فلسطيني حتى الآن، لا يعد هذا اللقب قادماً من فراغ!

خلال أكتوبر، وقع 800 خبير في القانون الدولي ودراسات الصراع على بيان عام يحذرون فيه من احتمال ارتكاب القوات الإسرائيلية أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، مقدمين أدلة قوية على حجم وشراسة الهجمات، مع الإشارة إلى أن “اللغة التي تستخدمها الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تبدو وكأنها تعيد إنتاج الخطابة والاستعارات المرتبطة بالتحريض على الإبادة الجماعية”.

المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية

إذا أخذت محكمة دولية بهذه التهم، فسوف يتم إدانة الرئيس بايدن بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية، وهي جريمة أفظع من أي شيء تم توجيهه إلى دونالد ترامب نفسه، ومن هنا يمكن فهم غضب بايدن وتصريحاته الأخيرة، حيث حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل تفقد الدعم بسبب ما وصفه في بالقصف الإسرائيلي “العشوائي” في غزة.

يعد القصف العشوائي جريمة حرب وقد تم تنفيذها بدعم أمريكي كامل وإمدادات من الذخائر تتجدد كلما نفذت باستمرار، وفي منتدى الدوحة كان من المستحيل إغفال الشعور بالاشمئزاز تجاه الولايات المتحدة، حتى أن وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، قال إنه “يشعر بخيبة أمل شديدة” بسبب الفيتو الأمريكي، واشتكى من أن إسرائيل “تشعر أن بإمكانها الإفلات من العقاب بالقتل، فهي “دولة واحدة تتحدى العالم كله والعالم كله غير قادر على فعل أي شيء حيال ذلك” على حد وصفه.

من مفارقات التاريخ أن الديمقراطيات الليبرالية المزعومة، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، هي نفسها التي قامت بتشويه مصداقية النظام العالمي الليبرالي من خلال إعطاء تفويض مطلق لنتنياهو!

الولايات المتحدة هي من منحت إسرائيل الحصانة التي تحدث عنها الصفدي، ففي منتدى الدوحة كانت الأجواء تدور حول  عدم الثقة في قدرة الولايات المتحدة على إدارة أي عملية سلام لاحقة، وفي المقابل، بدأت الصين تلعب دورها، ففي إحدى حلقات النقاش في المنتدى، أكد المستشار السابق لمجلس الدولة في الجمهورية الشعبية، هوياو وانغ،  على ضرورة إنشاء قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في غزة.

عالم متعدد الأقطاب

أكثر الكلمات المطروقة في الدوحة كانت “تعدد الأقطاب”، وكأنها طريقة لطيفة وغير مباشرة للقول بأن عصر الهيمنة الأمريكية قد انتهى، وكان ذلك بمثابة موسيقى لآذان روسيا وإيران بلاشك، فكلا البلدين كانا متواجدين في المنتدى من خلال مداخلات الانترنت التي قدمها وزيري الخارجية سيرجي لافروف وحسين أمير عبد اللهيان.

لافروف كان يرى أن ما حدث في غزة هدية لروسيا، فذلك ينقذها من نظرات الازدراء حول هجومها على أوكرانيا، وذلك يذكرني بنفس الطريقة التي أنقذ بها الغزو البريطاني الفرنسي الإسرائيلي روسيا من العار العالمي بسبب المجر عام 1956.

لقد غيرت غزة من السياسة العالمية بالتأكيد، فقد هيمن فشل المجتمع الدولي في التدخل في غزة على النقاش الدائر في الدوحة، وتم انتقاد ذلك بحدة على لسان غوتيريس، عندما أشار إلى أن الفشل في الرد على الأحداث الجسيمة في غزة قد أدى إلى انهيار النظام العالمي الذي كان من المفترض أن يكون ليبرالي الروح عندما أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية!

دعا غوتيريس في كلمته إلى إصلاح عاجل للهياكل الأمنية، مشيراً إلى أنها “ضعيفة وقد عفا عليها الزمن فهي عالقة في فترة زمنية تعكس واقعا مضى عليه 80 عاماً”، كما أشار إلى أن مجلس الأمن “مشلول بسبب الانقسامات الجيواستراتيجية”.

من مفارقات التاريخ أن الديمقراطيات الليبرالية المزعومة، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، هي نفسها التي قامت بتشويه مصداقية النظام العالمي الليبرالي من خلال إعطاء تفويض مطلق لنتنياهو!

وعلى الناحية الأخرى، فقد غيرت شجاعة الشعب الفلسطيني ومعاناته وقدرته على التحمل تاريخ العالم، فمع تعرض الولايات المتحدة للعار نتيجة موقفها الأخير، ارتفع صوت الأمين العام للأمم المتحدة أكثر على الساحة الدولية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة