لابد أن يأتي اليوم الذي يدفع فيه الغرب ثمناً باهظاً لتغطيته على جريمة إسرائيل في إبادة غزة!

بقلم طه أوزهان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في واقع الأمر، لا يقتصر الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين، فقد ظهر من رد فعل النخب الغربية على المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة أن تل أبيب تحتل أيضاً عقول الزعماء الأميركيين والأوروبيين.

ومثل إقامة مستوطنات فعلية على الأرض الفلسطينية، فقد أقامت إسرائيل مستوطنات سياسية في العواصم الغربية إن صح التعبير، فكيف ذلك؟

بعد هجوم 7 أكتوبر، اتحد السياسيون من مختلف الأطياف لدعم إسرائيل، وهو الأمر الذي قوبل بمعارضة شديدة في الشوارع الغربية، فقد كان هناك تناقض فج بين خطابات هؤلاء السياسيين حول الغزو الروسي لأوكرانيا مقارنة بخطابهم حول ما عدوان إسرائيل على غزة.

أما على صعيد المؤسسات الدولية، فقد استخدم الغرب حق النقض ضد القرارات المتعلقة حتى بالمساعدات الإنسانية الأساسية، الأمر الذي وضع ادعاءاتهم حول الوضوح الأخلاقي محل استفهام وتشكيك، ولا يمكن فهم مثل هذه التطورات في مواقفهم إلا من خلال التعمق بنفوذ إسرائيل الدائم في الولايات المتحدة وأوروبا.

في عصر يتسم بتآكل الديمقراطية وصعود الشعبوية بالإضافة إلى تردي حقوق الإنسان، لا بد أن يأتي اليوم الذي يدفع فيه الغرب ثمناً باهظاً لتغطيته على جريمة إسرائيل في إبادة غزة!

 ومن جهة أخرى، فإن تأثير تل أبيب على حكومات الشرق الأوسط واضح أيضاً، ويمكن تلخيصه فيما قاله نتنياهو قبل أسابيع، “إلى زعماء الدول العربية، القادة الذين يشعرون بالقلق حول مستقبل بلدانهم، أقول لهم يجب أن تخرجوا ضد حماس وأنا على قناعة بأنهم يفهمون ذلك”.

في ظل ذلك، فإن الملايين الذين احتجوا على الإبادة الجماعية في غزة من مختلف أنحاء العالم، وعلى مدى أيام الحرب، بمثابة مؤشر كشف عن انفصال واضح بين الجماهير الغربية وقياداتها.

بين اللامبالاة والصمت

الحقيقة أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن هي انعكاس لذات الأساس والمنطق الذي ساقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن حين قرر غزو أوكرانيا، ومع ذلك فقد حظي موقف بايدن بتأييد تام من الوزراء الأوروبيين، الذين يبدو أنهم لم يتمكنوا من رؤية التشابه بين بايدن وبوتين!

وسط تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية العالمية، يتصارع الغرب مع حقيقة مفادها أن نفوذه يتراجع، ففي عصر يتسم بتآكل الديمقراطية وصعود الشعبوية بالإضافة إلى تردي حقوق الإنسان، لا بد أن يأتي اليوم الذي يدفع فيه الغرب ثمناً باهظاً لتغطيته على جريمة إسرائيل في إبادة غزة!

مع اقتراب الخطر، يبقى السؤال إذن، هل يجرؤ الزعماء الغربيون ووسائل الإعلام الغربية على الابتعاد عن الحدود التي تمليها إسرائيل في سرديتها حول احتلال فلسطين ومذبحة غزة؟! والأهم من ذلك، هل صار التأييد الغربي لتل أبيب بمثابة لائحة اتهام في ظل تضخم الاحتجاجات في الشارع الغربي بشكل غير مسبوق؟!

أعتقد أن هذه الأزمة تتجاوز النفاق والمعايير المزدوجة، فما لم يخلص الغرب نفسه من الاحتلال الإسرائيلي، فإن الأزمة سوف تزداد حدة، وهذا الوضع يهدد الاستقرار العالمي الذي ربما ولد هشاً أصلاً منذ الحرب العالمية الثانية.

أعتقد أن واشنطن والعواصم الأوروبية تخطئ حين تعتقد أن بإمكانها حمل ثقل إسرائيل دون عواقب، وسيكون من مصلحة تلك النخب الغربية الانسحاب من الحصار السياسي الذي تفرضه إسرائيل عليها  قبل وقوع كارثة أكبر!

تحضرني رواية “العمى” لكاتبها جوزيه ساراماجو، فأرى أن 7 أكتوبر قد أفقد النخب السياسية الغربية بصرها فجأة، ليس ذلك فحسب، بل وأرادوا أن يُصاب بقية العالم من حولهم بالعمى أيضاً، لم يفلحوا بطبيعة الحال، ووجدوا أنفسهم في مأزق اختبار أخلاقي!

لا يوجد طريق واضح للخروج 

في نفس الوقت، لا توجد أي توقعات بأن تبدي إسرائيل حتى الحد الأدنى من ضبط النفس، فلا يوجد طريق واضح للخروج من الأزمة الحالية، فالسلام المستدام في غزة أو الضفة الغربية المحتلة مستحيل دون أن تعترف إسرائيل بحق الفلسطينيين في الوجود.

في هذه المرحلة، يستطيع القادة الإسرائيليون بسهولة إضفاء الشرعية على أي جريمة يرتكبونها، في ظل إفلاس أخلاقي من نتنياهو ووزرائه إلى الزعماء الدينيين والصحفيين في إسرائيل، فلم تدخر إسرائيل أي جهد حتى في وصم اليهود الذين يقاومون هذا الجنون!

الواقع هو أن  المشروع الاستعماري الإسرائيلي يعتمد على إزالة وجود الفلسطينيين وليس السلام معهم، وإذا ما استمرت إسرائيل في هذا الهوس، فإن ثقل العبء الإسرائيلي على واشنطن وأوروبا سوف ينمو بشكل كبير، ما لم تبدأ هذه الدول في الرؤية بوضوح أكبر وتغيير مسارها.

أعتقد أن واشنطن والعواصم الأوروبية تخطئ حين تعتقد أن بإمكانها حمل ثقل إسرائيل دون عواقب، وسيكون من مصلحة تلك النخب الغربية الانسحاب من الحصار السياسي الذي تفرضه إسرائيل عليها  قبل وقوع كارثة أكبر!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة