لماذا تستمر الليرة السورية بالانهيار؟

لماذا تستمر الليرة السورية بالانهيار ؟ (2)

تراجع سعر صرف العملة السورية إلى قرابة 13800 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وهو أدنى مستوى لها في أسواق الصرف السوداء منذ الانهيار الذي أعقب انتفاضة العام 2011 ضد الرئيس بشار الأسد.

وسعّر البنك المركزي السوري قيمة الليرة الرسمية مقابل الدولار الأمريكي الواحد بــ 10700 ليرة اعتبارًا من يوم الجمعة 25 آب / أغسطس.

وواصلت قيمة الليرة الانخفاض الحر منذ أن تجاوز سعر صرفها 9000 ليرة مقابل الدولار في 11 أيار/ مايو ما يعني فقدانها 30% من قيمتها خلال شهرين.

فلماذا تنخفض الليرة السورية باستمرار؟

يرُجع حسين شكر، محلل السياسات والاقتصاد السياسي في سوريا ولبنان انخفاض قيمة العملة السورية إلى “دورة الركود التضخمي المستمرة التي تجتاح اقتصاد البلاد”.

ويشرح شكر ذلك بالقول أن هذه الدورة تظهر “عندما يتزامن التضخم المتفشي مع الركود الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة”.

ويعتبر شكر فهم الأصول الدقيقة للأزمة الاقتصادية الحالية “تحديًا كبيرًا”، في ظل التعقيد الاستثنائي لــ “السياق السوري” الذي تختلط فيه المتغيرات الاقتصادية والنقدية والسياسية.

ووفقاً لشكر، فإن العقوبات الدولية الثقيلة، والأضرار التي ألحقها زلزال شباط / فبراير بالبلد الفقير أصلاً والارتفاع السريع في أسعار الوقود وعوامل أخرى أسهمت مجتمعةً في انحدار الليرة.

عدم الاستقرار الداخلي

ولفت شكر إلى إن مخاوف السوق المحلية، التي يغذيها انخفاض قيمة الليرة، أوقعت العملة في دورة من الانخفاض والتضخم.

ووصف شكر محدودية أدوات البنك المركزي للتعامل مع الظروف الاقتصادية بالمؤسفة، مبيناً أن تنامي الجدل حول تخفيض الدعم للسلع الأساسية وخاصة الوقود قد ترك أثره على أسعار العناصر المرتبطة بمشتقات الوقود من خلال سلسلة الإنتاج.

ويعتبر شكر فقدان الحكومة السورية للمناطق المنتجة للنفط في شمال شرق البلاد، وعجزها عن إدارة احتياطاتها من النفط والغاز لتعزيز موجوداتها من العملات الأجنبية من أسباب “تفاقم الانهيار المالي في البلاد”.

ويرى الخبير أن “سياسات مجلس النقد والائتمان المتناقضة والمتضاربة أحيانًا، إلى جانب سياسات وأنظمة وزارة المالية لم تقدم حلولاً للمشكلة إن لم تكن قد أدت إلى تفاقمها”.

العقوبات الدولية

ومنذ اندلاع ثورة العام 2011 المناهضة للأسد والتي تحولت إلى نزاع مسلح لاحقاً، خضعت الحكومة السورية لعقوبات صارمة استهدفت بعضها القطاع المصرفي.

ويرى شكر أن هذه العقوبات ألقت بضغوط على الاقتصاد السوري، “مما أعاق قدرته على الوصول إلى السوق الدولية”، معتبراً أن ذلك أعاق تنمية الصادرات السورية وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السوق المحلي.

وأثارت الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا في 6 شباط / فبراير جدلاً حول العقوبات الدولية التي تعيق إيصال الإغاثة الإنسانية والمساعدات إلى سوريا في ظل تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية جراء الزلزال.

وقدرت قيمة أضرار الزلزال المباشرة في سوريا بنحو 5.1 مليار دولار، وفقا لتقرير التقييم العالمي السريع الصادر عن البنك الدولي، وتسبب في انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 5.5% في عام 2023.

ويعود ذلك إلى تعطيل النشاط التجاري، وسحق رأس المال المادي، والارتفاع اللاحق في التضخم مدفوعًا بزيادة الطلب على مواد إعادة الإعمار، ونقص الوقود، وتراجع عرض السلع وزيادة تكاليف النقل، بحسب البنك الدولي.

الأزمة المالية اللبنانية

وتركت الأزمة المالية في لبنان المجاور أثرها على انخفاض قيمة الليرة السورية، حيث ظهر التأثير بشكل ملموس في تشرين أول / أكتوبر 2019، عندما أوقفت البنوك اللبنانية سحب الدولار من قبل عملائها وكثير منهم سوريون.

 

ويقول شكر أن الاقتصاد اللبناني ” كان في السابق بمثابة المورد الرئيسي للعملة الأجنبية للسوق السورية”، موضحاً أن “انخفاض المعروض من العملات الأجنبية من لبنان، إلى جانب الارتفاع المستمر في الطلب على الدولار الأمريكي، أدى إلى الاضطراب الكبير في سوق العملات الأجنبية”.

في جانب آخر، قال شكر إن الحرب الروسية الأوكرانية “أعاقت الدعم المالي الذي تقدمه موسكو لدمشق”.

وأدت الحرب الطويلة في أوكرانيا في ارتفاع أسعار القمح بعد انسحاب روسيا من صفقة الحبوب الأوكرانية في تموز / يوليو ما أدى إلى تآكل مكانة سوريا كمستورد للغذاء والطاقة، وفقا للبنك الدولي. 

ويرى شكر أن الصراع في أوكرانيا “أدى إلى تعطيل سوق المواد الغذائية العالمية، مما زاد من حدة الضغوط التضخمية داخل السوق السورية الهشة والحساسة من الأساس”.

وكان رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس قد قال في حديثه أمام مجلس الشعب حول الاضطرابات الاقتصادية في يوليو / تموز أن “أصعب مشكلة اقتصادية نواجهها هي كيفية إدارة الفجوة بين الموارد المحدودة والاحتياجات غير المحدودة”.

وأضاف:” إن تحرك الحكومة لضبط سعر الصرف وتقييد السيولة في الأسواق للحفاظ على القوة الشرائية للعملة الوطنية والحفاظ على المستوى العام للأسعار في البلاد سيترافق مع تراجع النشاط الاقتصادي وتقييد حركة التنقل”. 

ويعتقد شكر أن قدرة الحكومة السورية مقيدة جداً فيما يتعلق بتقديم معالجات فعالة في القضايا المحلية والدولية التي تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة.

ورأى أن أدوات الحكومة “تقتصر على محاولة الحد من انخفاض قيمة العملة من خلال تجميع المزيد من العملات الأجنبية وتعطيل سلسلة التوريد في سوق الصرف السوداء غير القانونية”.

وأضاف أن الاقتصاد السوري “كان يعلق الآمال على التدخل العربي المحتمل بعد المصالحة الدبلوماسية الأخيرة والتطبيع بين الدول العربية وسوريا، ومع ذلك، فإن عدم القدرة على التوصل إلى إجماع واتفاق بشأن المصالح والاحتياجات والمطالب بين الجهات المعنية قد أصاب الحكومة السورية بالإحباط”.

مقالات ذات صلة