لماذا تكتظ وسائل الإعلام البريطانية بنظريات المؤامرة المعادية للمسلمين؟

بقلم فيصل حنيف

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

تخاطب إحدى التغريدات الغاضبة هيئة الاتصالات البريطانية (Ofcom) بالقول: “حباً بالله قومي بعملك”، ويتشارك الكثيرون هذا الشعور بالإحباط منذ الهجوم العنيف الذي شنته مؤخراً مقدمة البرامج التلفزيونية البريطانية جوليا هارتلي بروير ضد السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي.

استخدمت بروير تعميماً فظاً عندما وبخت الدبلوماسي المخضرم قائلةً أن ضيفها العربي ” ليس معتاداً على الحديث إلى النساء”، حيث قُدمت أكثر من 15500 شكوى إلى الهيئة التنظيمية منذ الحادثة، فيما يأمل الكثيرون أن تقوم هيئة الاتصالات البريطانية (Ofcom) بالتحقيق والمساءلة، ولكن من المرجح أن يصابوا بخيبة أمل، بالنظر إلى عدد المرات التي يتم فيها عرض الاستعارات المعادية للإسلام دون تصريح على التلفزيون البريطاني.

ويمكن القول إن هارتلي بروير تشجعت على أن تكون مباشرة في جدالها بسبب بيئة التقاعس هذه، فقبل أسبوعين فقط، قال زميلها في برنامج TalkTV، بيرس مورغان، إن السبب وراء تحول الكثير من النساء إلى الإسلام هذه الأيام هو ” رغبتهن في التعرض للاضطهاد”، دون أن يتلقى عقوباتٍ من أي نوع على تلك الأقوال.

قد يكون استخدام الصورة النمطية للمسلمين الذين يضطهدون المرأة سلاحًا مفضلاً لدى المذيعين اليمينيين، ولكن المعاملة التي تلقتها الأكاديمية الفلسطينية المخضرمة غادة الكرمي من قبل اثنين من المذيعين الذكور على TalkTV، أظهرت أن النساء يقفن على “الجانب الخطأ” أيضًا في لعبة عادلة للتضليل والإساءة والإسكات.

“أعطني إجابتك، ولكن لا تخبريني بتاريخ الحالة” كانت من بين العديد من الانتقادات اللاذعة الغاضبة التي وجهها المضيفان للكرمي، التي اضطرت إلى الهجرة من منزلها في القدس خلال نكبة عام 1948، حيث يمثل إصرار المضيفين على استبعاد السياق الشخصي بالنسبة تلخيصاً لما هو متوقع من الضيوف الفلسطينيين في معظم تغطية وسائل الإعلام الغربية الرئيسية.

لقد وجدت غرفة صدى الأخبار اليمينية في معاناة الفلسطينيين فرصة للترويج لنظريات المؤامرة المناهضة للمسلمين، ولو قيل ذات الكلام عن أي مجتمع آخر فسيلفت انتباه أوفكام.

يشمل هذا السلوك نظريات المؤامرة من قبيل “الناخبون المسلمون ينظمون حزب العمال” ويجب على الحزب “الانحناء على الركبة” لهذه الدائرة الانتخابية، كل هذا يأتي بعد أن أصبح لدى مساندي فلسطين بمن فيهم المسلمين الجرأة للتشكيك في تبرير زعيم حزب العمال كير ستارمر للعقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين.

شكل مقبول من العنصرية

ولا يحتاج القراء إلى التذكير بأن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اتهام مجموعة دينية معينة بممارسة نفوذ غير مبرر على حزب العمال البريطاني، ولكن من الصعب أن نتصور مذيعًا أو صحفيًا يصف أي مجموعة أخرى بأنها ” تسيطر على حزب العمال بشكل مثير للقلق”، كما قال أحد مذيعي أخبار بريطانيا عن الإسلام والمسلمين، فهل هذا ما تعتبره أوفكام حرية تعبير؟

تحفل صفحات الرأي في الصحف والمجلات اليمينية بشكل أساسي بالكثير من الاستعارات المجازية التي تصف المسلمين بالمضطهِدين والمفجرين والمغتصبين، وقد أدى ظهور قناتين يمينيتين الآن إلى جعل مثل هذه الآراء مادة خام على الشاشات، ومن الواضح أنه كان من الخطأ الافتراض بأن لدى هيئات البث قواعد صارمة لا تسمح أبداً باستهداف أي مجموعة عرقية أو دينية بهذه الوقاحة.

إن الإسلاموفوبيا هي ركيزة مهمة في عملية تحويل فوكس للتلفزيون البريطاني، وهي ركيزة يتم منحها تصريحًا مجانيًا، وهذا مؤشر آخر على أن الإسلاموفوبيا أصبحت شكلاً مقبولاً من أشكال العنصرية، من مائدة العشاء إلى الشوارع إلى وسائل الإعلام وحتى في البرلمان

وقد أدى هذا الترخيص للأكاذيب أيضًا إلى ظهور نظريات المؤامرة الجامحة، إلى جانب الهجمات على المدافعين عن المسلمين، فخلال شهر تموز / يوليو الماضي، علق أحد مقدمي برنامج Talk TV على الأخبار عن توفير مكان للصلاة للمسلمين في ويست إند بلندن بالقول إن هذا من شأنه أن “يمتص أحشاء” المجتمع وهو أقرب إلى “الاستيلاء” أو “السيطرة المسلمة على الطرف الغربي”.

إذا انتقلت إلى موقع GB News، فستجد لافتة على الشاشة مكتوب عليها “عمليات قتل جماعي” مع عنوان فرعي يشير إلى أن “الاحتجاجات الإسلامية المتشددة تشكل تهديدًا للتماسك الاجتماعي”، وكل ذلك لأن منظمة توصف بأن لديها أجندة معادية للمسلمين قالت ذلك. 

تواجه GB News اللوم من شركة أوفكام بسبب جرائم مختلفة، لكن أيًا منها لا يتعلق بنظريات المؤامرة المعلنة علنًا والتي ترك ترويجها دون عقاب.

وقد خصص المذيع السابق مارك ستاين، الذي ترك القناة بعد أن حققت هيئة أوفكام في ادعاءاته بشأن سلامة لقاحات كوفيد-19، مساحةً لنظريات المؤامرة ضد المسلمين، بما في ذلك أن النساء اللاتي يرتدين الحجاب يفعلن ذلك باعتبارهن “سياسيات مناهضات للغرب”، وزعم أن ” الإسلام يعلم المسلمين أن هذه الأرض لهم وأن عليهم غزو غير المسلمين”، دون أن تتخذ هيئة أوفكام أي إجراء بحقه.

إفراد المسلمين

وهناك استعارات أخرى تم دحضها منذ فترة طويلة يتم طرحها الآن بشكل عرضي ومتكرر من قبيل أن قانون الشريعة يعمل عبر أجزاء كبيرة من المملكة المتحدة، ومن المألوف مشاهدة مقدمي البرامج الذين عرفوا باستهدافهم للمسلمين في مختلف تغطيات GB News حول أي موضوع.

تتم مناقشة قضايا المسلمين في سياقات تعتبرهم مشكلة فريدة من نوعها ومتميزة عن بقية المجتمعات أو الأديان الأخرى، تخيل أنك تقول ما يلي عن أي مجموعة أخرى من الناس: ” نحن مهندسو زوالنا، بين عامي 2011 و2021، ارتفع إجمالي عدد سكان البلاد بأكملها بمقدار 3.5 مليون 33% من هذا الارتفاع أي نحو 1.2 مليوناً كانوا مسلمين”. 

إن إمكانية تحديد مجموعة واحدة من الناس كعامل في زوال البلاد، واعتبار ذلك خطابًا مقبولًا من قبل هيئة تنظيم عامة تُظهر أن الإسلاموفوبيا هي ركيزة مهمة في تحويل التلفزيون البريطاني إلى شبكة فوكس بتصريح مرور مجاني.

وماذا عن أولئك الذين يأخذون الوقت الكافي للتدقيق والشكوى من المعلومات المضللة واستهداف مجتمعات معينة؟ تكشف قضية إيلا كوكبين، التي قالت لـ أوفكام أن فيلماً وثائقياً لـ GB News عن عصابات الاستمالة يحتوي على “انتهاكات متعددة وخطيرة لمعياري الدقة والحياد”.

تعرضت كوكبين، وهي هيئة أكاديمية معنية بالاستغلال الجنسي للأطفال، للإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر شكواها، وعندما ذكّر الصحفي بريان كاثكارت أن من واجب أوفكام الدفاع عن كوكبين أو أي مشتك آخر، ردت الهيئة التنظيمية بالقول: “نحن متفقون على أنه لا ينبغي لأحد أن يواجه تهديدات عنيفة، ويمكن لأي شخص تم استهدافه إبلاغ سلطات إنفاذ القانون بذلك”، ولخص كاثكارت هذا الرد بأنه يعني “إنها ليست مشكلتنا”.

إن الكثير مما وصفته كوكبين بأنه “علم تافه” حول عصابات الاستمالة لا يزال يتكرر على القنوات الإخبارية اليمينية، مع الأسف على أن المسلمين يتلقون بطريقة أو بأخرى معاملة خاصة في بريطانيا.

عندما أعلنت الحكومة البريطانية عن تشكيل فريق عمل لمكافحة استمالة العصابات في نيسان/ أبريل من العام الماضي، تصرفت GB News بشكل أقل كجهة تذيع الأخبار وأكثر كقائدة مشجعة، وذكرت عشرات المرات أن الثقافة كانت القوة الدافعة وراء الجرائم المرتكبة، واستخدمت بشكل متكرر كلمات “المساجد” و”المسلمون” و”الباكستانيون” و”البدائيون”.

وفي حزيران / يونيو 2021، أقر آدم باكستر، مدير المعايير ومشاركة الجمهور في أوفكام ، بأن GB News كانت ” تسعى إلى الانطلاق من منظور يمين الوسط ولا يوجد شيء في القانون يمنع المذيع من أن يأتي من منظور معين”.

والسؤال المطروح اليوم على شركة أوفكام هو: هل يعني منظور يمين الوسط هذا أنه يمكنك إساءة معاملة الضيوف الذين قد يكون لديهم وجهة نظر مختلفة، أو إطلاق خطب تآمرية ضد قسم واحد من السكان أو دين واحد؟ إن تقاعسهم عن العمل يشير إلى نعم.

وقال متحدث باسم أوفكام: “يحتوي قانون البث لدى الهيئة على عدد من القواعد لحماية الجماهير من الأذى، ويتمتع المذيعون، مهما كان منظورهم التحريري، بالحرية التحريرية في تقرير كيفية تحقيق الامتثال لهذه القواعد، نحن نطبق قواعد البث كرمز لجميع خدماتنا الخاضعة للتنظيم بشكل عادل ومتناسب، ونقوم بتقييم كل شكوى نتلقاها، وعندما يكون لدينا سبب للتحقيق، فإننا ننشر قرارات مسببة بالكامل بناءً على الأدلة”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة