لماذا قمتُ بمواجهة القنصل البريطاني في فلسطين بعد هجمات المستوطنين المميتة؟

بقلم بيتر أوبورن

ترجمة وتحرير مريم الحمد

قبل 20 سنة، كنت قد كتبت كتاباً في سيرة العبقري الرياضي الأسود من جنوب أفريقيا، باسيل دي أوليفيرا، وبعد مرور كل تلك السنوات، لا يزال الكتاب يُطبع بسبب أهميته التي تزداد عمقاً، إذ سلط الكتاب الضوء على التعاون البريطاني مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

كان باسيل لاعب كريكيت لامع في وقت كانت فيه تلك اللعبة إلى جانب الرغبي رياضة وطنية في جنوب أفريقيا، لكن الفصل العنصري كان يعني أنه لا يمكنه الاختلاط باللاعبين البيض، ولذلك لم يتمكن باسيل من اللعب على مستوى كبير، مما أدى لهروبه بالنهاية إلى بريطانيا، حيث تم اختياره للمنتخب الوطني ولعب أول مباراة له في يونيو عام 1966، وبهذا تحول باسيل إلى خنجر استهدف قلب نظام الفصل العنصري.

في شتاء عام 1968، كان من المقرر أن تقوم بريطانيا بجولة في جنوب أفريقيا، فكان اختيار “الملونين” يشكل تهديداً ضمنياً لنظام جنوب أفريقيا العنصري في تحطيم أسطورة تفوق الرجل الأبيض، وقد أشرت في كتابي كيف تآمر رئيس وزراء جنوب أفريقيا آنذاك، جون فوستر، مع المؤسسة الرياضية والسياسية البريطانية لمنع اختيار دي أوليفيرا.

بريطانيا وتمكين الفصل العنصري

قبل أيام، قرأت مقابلة أجراها السفير البريطاني في إسرائيل، نيل ويجان، مع صحيفة جيروزاليم بوست، أقدم صحيفة إسرائيلية تعود إلى أيام الانتداب البريطاني في الثلاثينيات، تحت عنوان “سفير المملكة المتحدة: العلاقات مع إسرائيل أقوى مما كانت عليه فيما مضى”.

عندما يهاجم المستوطنون الفلسطينيين، تصدر القنصل إدانة مصاغة بعناية، في لفتة فارغة لإعفاء السفير من عبء إغضاب إسرائيل!

أشار السفير في المقابلة أن القضايا الفلسطينية لم تعد تحتل مكاناً في العلاقات البريطانية الإسرائيلية كما كانت في السابق، وأنه رغم “قلق” بريطانيا من المستوطنات، لكن ذلك لم يؤثر على العلاقة بين الجانبين، مؤكداً على عمق العلاقة التجارية بين بريطانيا وإسرائيل، ولم يرد في مقابلته أي ذكر للموجة الوحشية من غزو المستوطنين عبر الضفة الغربية، والتي يدعمها الجيش الإسرائيلي في الغالب، وغاب عنه الإشارة إلى أنها يتم التحريض عليها بالفعل من قبل أعضاء في الحكومة حتى باتت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تنظران إلى إسرائيل كدولة فصل عنصري.

التزم السفير ويجان في مقابلته الصمت تجاه تشكيلة الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو، والذي قضى على حل الدولتين بالقول أن “للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في جميع مناطق إسرائيل”، في وقت يقوم فيه بتعزيز وتطوير المستوطنات، ألم يلاحظ ويجان أن إسرائيل اليوم تحكمها أكثر الحكومات عنصرية وتطرفاً في تاريخها؟! مطلقاً!

وباء هجمات المستوطنين!

ويجان مجرد مسؤول يعبر عن سياسة الحكومة البريطانية، وبمحض الصدفة المقيتة أن مقابلة ويجان تم نشرها في نفس اليوم الذي هاجم فيه عشرات المستوطنين قرية ترمسعيا في الضفة الغربية وأحرقوا 30 منزلاً ودمروا 60 سيارة، كما استشهد شاب فلسطيني.

تقع مسؤولية التواطؤ البريطاني في الموجة الأخيرة من هجمات المستوطنين على عاتق صانعي القرار بالدرجة الأولى، رئيس الحكومة ريشي سوناك ووزير الخارجية جيمس كليفرلي، وعلى ما يبدو هم لا يرون ما يجري على الأرض، ولا يهتمون ما دامت بريطانيا “صديقة حقيقية” لإسرائيل

 وللصدفة، أن القنصل العام البريطاني في إسرائيل، دايان كورنر، كانت في البلدة بعد الهجوم وأنا التقيتها هناك، في ما يبدو أنه ترتيب غير مُعلن بين القنصل المقيمة في القدس والسفير الموجود في تل أبيب، عندما يهاجم المستوطنون الفلسطينيين، تصدر القنصل إدانة مصاغة بعناية، في لفتة فارغة لإعفاء السفير من عبء إغضاب إسرائيل!

اقترحت على كورنر أن الوقت قد حان لإسقاط البيانات التي تدين هجمات المستوطنين، وإرسال رسالة واضحة من المجتمع الدولي مفادها أنه يجب أن يكون هناك عواقب لتلك الهجمات، فقالت “ماذا تريدني أن أفعل؟”، فأجبتها بأنه يمكن لبريطانيا أن تتخلى عن معارضتها لتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب في فلسطين المحتلة، وذكرتها بأن التشريع الأخير الصادر عن الحكومة البريطانية، والذي يمنع الهيئات العامة من فرض مقاطعة على البضائع الإسرائيلية، يبعث برسالة بغيضة، في وقت يشجع فيه الوزراء الإسرائيليون وباء هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية.

مسؤولية أخلاقية!

تقع مسؤولية التواطؤ البريطاني في الموجة الأخيرة من هجمات المستوطنين على عاتق صانعي القرار بالدرجة الأولى، رئيس الحكومة ريشي سوناك ووزير الخارجية جيمس كليفرلي، وعلى ما يبدو هم لا يرون ما يجري على الأرض، ولا يهتمون ما دامت بريطانيا “صديقة حقيقية” لإسرائيل، كما أنهم لا يقلقون حتى من التواطؤ البريطاني مع جرائم الحرب الإسرائيلية، فبالنسبة لسوناك وكيفرلي، الصفقات التجارية مع إسرائيل أهم بكثير من الدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين.

عندما عدت إلى القدس الشرقية قادماً من ترمسعيا، أخبرني نشطاء إسرائيليون في مجال حقوق الإنسان أن كورنر امرأة محترمة، فقد لعبت دوراً رئيسياً خلف الكواليس في إيقاف خطة ليز تروس الفاشلة لنقل السفارة البريطانية إلى القدس، وقد يكون لها دور أفضل خلف الكواليس.

أما ويجان، فقد انتقلت وظيفته كسفير بريطاني مؤخراً إلى كينيا، في انتقال إلى قوة جديدة في مسيرته المهنية، فهو دبلوماسي كان سينظر إليه جون نيكولز، المبعوث البريطاني إلى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، باستحسان شديد.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة