لماذا لم تنضم الدول العربية إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية؟

بقلم فراس أبو هلال

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

أسدلت محكمة العدل الدولية الستار يوم الجمعة الماضي على جلسة الاستماع الأولى في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتي اتهمت فيها بريتوريا تل أبيب بنية ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

تلك القضية أثارت جدلاً في العالم العربي حول سبب امتناع الدول العربية عن الانضمام إلى جنوب إفريقيا في هذه القضية، مشفوعاً بسؤال يقول لماذا لم ترفع الدول العربية قضية مماثلة في محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.

بحسب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، يمكن لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رفع قضايا ضد أي دولة، وبالتالي فإن بوسع أي دولة عربية أن ترفع دعوى ضد إسرائيل أمامها، أو على الأقل أن تطلب من جنوب أفريقيا الانضمام إلى قضيتها قبل رفعها رسميًا في 29 كانون الأول / ديسمبر.

وتتعهد جنوب افريقيا في وثائق قضيتها بـ “الالتزام” بإنفاذ “اتفاقية منع الإبادة الجماعية” باعتبارها دولة طرفاً في الاتفاقية، وفي السياق نفسه، كان بإمكان 19 دولة عربية من الأطراف في الاتفاقية أن تستند بالمثل إلى وضعها وترفع قضايا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

يشمل هذا الحال مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر وتونس والأردن والإمارات العربية المتحدة وسوريا والصومال والسودان والعراق وسلطنة عمان والكويت ولبنان وليبيا والمغرب واليمن والسلطة الفلسطينية، فلماذا لم تتحرك الدول العربية؟

مواقف محرجة

يمكن أن تزعم العديد من الدول العربية أن لديها تفسيراً “معقولاً” لتجنب مثل هذه الخطوة العدوانية، وقد يزعم البعض أنها دول صغيرة ذات اقتصاد ضعيف لا تتحمل العواقب.

وقد تدعي دول أخرى، مثل تونس، أنها لا تستطيع مقاضاة تل أبيب، لأنها لا تعترف بدولة إسرائيل، على الرغم من أن الرئيس التونسي قال لرئيس البرلمان في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أنه يعارض مشروع قانون يهدف إلى تجريم “التطبيع” مع إسرائيل لأن من شأنه أن يضر بالمصالح التونسية.

لكن هذا لا ينطبق على الدول ذات الاقتصادات الأقوى والنفوذ الأكبر مثل المملكة العربية السعودية ومصر والتي لديها أسباب معقولة للتحرك ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

السبب الأول الذي يمكن أن يفسر الموقف المصري والسعودي هو الخوف من العواقب المحتملة من قبل الولايات المتحدة، حيث تعتقد معظم الدول العربية أنها لا تستطيع تحدي الموقف الأميركي في القضايا المتعلقة بإسرائيل.

وبالفعل، اتخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كافة الخطوات الممكنة لتعزيز العلاقات مع إسرائيل لاعتقاده أن تل أبيب لعبت دورًا مهمًا إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في إقناع إدارة أوباما بعدم الاعتراض على الانقلاب الذي قاده عام 2013.

أما المملكة العربية السعودية فكانت أيضًا بصدد التفاوض على اتفاق مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما مقابل اتفاقية دفاع أمريكية خاصة.

وبسبب انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن الحكومات العربية لن تواجه إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية كي تتجنب مواجهة اتهامات مماثلة.

ورغم أن كلاً من المملكة العربية السعودية ومصر كانتا قد تحدتا الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية في قضايا مثل إنتاج النفط في منظمة أوبك والعلاقات مع الصين وروسيا، إلا أن كلتيهما غير راغبة في القيام بذلك في المسائل المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأنهما تعتقدان أن مثل هذا التحدي سيكون بمثابة “خط أحمر” في العرف الأميركي.

وتوفر السجلات الفظيعة لمعظم الدول العربية في مجال حقوق الإنسان تفسيراً آخر لإحجامها عن الانضمام إلى جنوب أفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل، فهذه الدول تخشى أن تؤدي مواجهة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية إلى نقلها إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية من قبل إسرائيل أو أحد حلفائها.

إذ أن بالإمكان اتهام كل من المملكة العربية السعودية ومصر، ومعظم الدول العربية، بارتكاب أنواع عديدة من انتهاكات حقوق الإنسان، فمصر تسجن عشرات الآلاف من السياسيين والناشطين بتهم ملفقة من قبل نظام قضائي فاسد.

وفوق ذلك، اتهم العديد من الناشطين والمنظمات الحقوقية السلطات المصرية بممارسة القتل والاعتقال والتهجير القسري لأهالي سيناء بعد هدم مئات المنازل تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

وعلى ذات المنوال، نفذت المملكة العربية السعودية حملة قمع ضد النشطاء والإصلاحيين والمعارضين، واحتُجز الآلاف تعسفياً دون محاكمات لائقة، وحُكم على بعضهم بالإعدام لمجرد تغريدة، كما اتُهمت المملكة العربية السعودية بارتكاب جرائم حرب خطيرة في اليمن.

ونظرًا لانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن الحكومات العربية لن تواجه إسرائيل أو أي دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية لتجنب مواجهة قضايا مماثلة أمام هذه المحاكم الدولية

لا يوجد دعم للفلسطينيين

أما التفسير الثالث لموقف الدول العربية تجاه قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل فيكمن ببساطة في أن هذه الدول غير مستعدة لإظهار دعم حقيقي للفلسطينيين في غزة.

وقد أصدرت جميع الدول العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية ومصر، العديد من البيانات التي تدين العدوان الإسرائيلي على غزة، لكنها لم تتخذ أي إجراء آخر، وانتظرت السعودية والجامعة العربية أكثر من شهر من العدوان على غزة لعقد قمة في الرياض لبحث هذه القضية.

اتخذت تلك القمة قراراً بكسر الحصار، لكن الدول العربية لم تحول هذا القرار إلى إجراء، وبدلاً من ذلك، أطاعت مصر الأوامر الإسرائيلية ورفضت السماح بنقل المدنيين المصابين للعلاج خارج غزة ما لم توافق إسرائيل على أسمائهم.

وأكدت وسائل إعلام وشهود عيان أن وسطاء مصريين أجبروا الفلسطينيين في غزة على دفع ما يصل إلى 10 آلاف دولار كرشاوى للمسؤولين من أجل العبور عبر معبر رفح، كما وافقت مصر على إرسال جميع شاحنات المساعدات لفحصها من قبل الأمن الإسرائيلي عند معبر كرم أبو سالم التجاري، الأمر الذي تسبب في تأخير وصول المساعدات وتعقيد الأزمة الإنسانية في غزة.

وتبرر مصر موقفها بالقول أنها لن تخاطر بتعريض الشاحنات للقصف من قبل سلاح الجو الإسرائيلي إذا لم يتم إرسالها عبر نقطة التفتيش الإسرائيلية، وفي الوقت عينه، ادعى محامٍ إسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية أن مصر كانت مسؤولة عن معبر رفح وبالتالي عن منع سيارات المساعدات من دخول غزة.

ورغم أن إسرائيل هددت بمهاجمة أي مساعدات تدخل غزة دون إذنها، إلا أن مصر لا تستطيع الرد على اتهامات إسرائيل لها إلا بفتح الحدود أمام خروج المصابين والمرضى ودخول المساعدات والشاحنات التجارية وإثبات مسؤولية إسرائيل عن الكارثة.

صوتت قمة الجامعة العربية في الرياض على كسر الحصار لكن الدول العربية لم تحول هذا القرار إلى أفعال

وعلى الرغم من الدعم الخطابي الذي تقدمه الحكومات العربية للفلسطينيين، فقد ادعى دينيس روس، المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، أن كل مسؤول عربي عرفه أخبره بأن “حماس يجب تدميرها”، وبعد أكثر من مائة يوم من العدوان على غزة، بات من الواضح تماماً أن تدمير حماس يعني بالنسبة لإسرائيل تدمير غزة وشعبها.

لقد كنت جزءًا من الحشد الهائل خارج محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال جلسة الاستماع التاريخية ضد إسرائيل، حيث تحدى مئات الآلاف من المتظاهرين من جميع الأعمار والأديان والخلفيات الطقس البارد لمدة يومين، وكانت رسالتهم الأساسية هي شكر جنوب أفريقيا على تحقيق العدالة أمام إسرائيل، وأشادوا بوفد جنوب أفريقيا بكل الطرق الممكنة، لقد تم تكريم وفد جنوب أفريقيا كما يستحق.

ولم تتدخل أي دولة عربية لتحقيق هذا الشرف التاريخي، إذ لا أحد يجرؤ على تحدي الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك، فإن لديهم تاريخاً مشيناً من انتهاكات حقوق الإنسان وينتظرون أن تنجز إسرائيل مهمتها المتمثلة في تدمير غزة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة