لماذا يجب ألا نتخلى عن أطفال غزة

بقلم فريال أعوان وراشيل روزين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

اجتمع أكثر من 2000 أكاديمي وطالب جامعي مختصين بدراسات الأطفال والطفولة، بمن فيهم نحن، للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار بغية وقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة التي يتم تنفيذها بدعم من الغرب، وللمطالبة بوضع حد فوري للانتهاك الفظيع لحقوق الأطفال الفلسطينيين.

يعتمد هذا البيان، الذي وقعه طلاب وأكاديميون من جميع أنحاء العالم، على بحوث أجريت على مدار عقود من الزمن سلطت الضوء على التأثير الفوري وطويل الأمد للاستعمار الاستيطاني والاحتلال والعنف على حياة الأطفال وأهمية التحدث عن ذلك علنًا.

وجاء في البيان: “بالنسبة للكثيرين منا، كان الدافع وراء هذه الدراسة هو الرغبة في تحسين الظروف المادية والاجتماعية والسياسية لحياة الأطفال على مستوى العالم، لذلك، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يستمر الوضع في غزة في التدهور”.

يُظهر بحثنا حول الطفولة الفلسطينية القدرات المذهلة للأطفال الفلسطينيين على إيجاد الجمال في أكثر الظروف خلقاً للصدمة، ويراهم كعناصر فاعلة وصانعة للمعنى، تمكنوا بالرغم من الظروف الصعبة، من العثور على الجمال وغرسه في حياتهم.

كما تركز الدراسة على كيفية قيام البالغين المحيطين بهؤلاء الأطفال، مثل الآباء والأجداد ومقدمي الرعاية والمعلمين والسياسيين الذين يخشون ما يخبئه المستقبل للجيل القادم، بحماية الأطفال والحفاظ على براءتهم.

وبينت الدراسة التي تركز على هجرة الأطفال، كيفية عمل أنظمة الحدود من خلال إحكام السيطرة وتقييد الحركة الإجباري، والحرمان من المستقبل، وكلها استراتيجيات نافذة في فلسطين المحتلة.

لكن الأطفال والشبان، سواء كانوا عالقين في أماكنهم أو مجبرين على الرحيل، يبذلون قصارى جهدهم لاستعادة المستقبل، على الأقل من خلال رعاية الناس وحماية الأماكن والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، مثلما نرى الآن في غزة.

واجب أخلاقي

باعتبارنا باحثين، لم نبن مسيرتنا الأكاديمية من خلال دراسة الطفولة فقط، بل على فعل المستطاع للمساعدة في تحسين ظروف حياة الأطفال المهمشين، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في فلسطين، ونحن نرى أن من واجبنا الأخلاقي أن نتحدث علنًا وأن نطالب حكوماتنا بوضع حد فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة.

إن الحجم والعنف غير المسبوقين لهذا العدوان الإسرائيلي يؤديان إلى تفاقم معاناة الفلسطينيين طويلة الأمد والمستمرة منذ نكبة عام 1948. ومع ذلك، فهناك افتقار إلى الإرادة، بل وحتى رفض من جانب العديد من الحكومات الغربية للدعوة إلى وقف إطلاق النار، فالوقت الآن ليس الوقت المناسب لصمتنا.

أثارت الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في كانون الأول/ديسمبر 1987، قدرًا كبيرًا من الاهتمام والأبحاث حول الأطفال الفلسطينيين، سواء من الأكاديميين الدوليين أو المنظمات الدولية غير الحكومية، إن الأبحاث وبرامج الرعاية الاجتماعية إما تصور الأطفال كضحايا للنزاع أو كمشاركين نشطين فيه، لكن أياً منهما لم يتناول بشكل كاف سياقات أو تعقيدات حياة الأطفال الفلسطينيين.

وبشكل عام، لا يزال هناك تقارب لا مراء فيه بين مفهوم “الضحية” و”الطفل”، فكلاهما مفهومان نموذجيّان للسلبية والبراءة، حيث يُنظر إلى الأطفال باعتبارهم “ضحايا مثاليين”، وكثيراً ما يتم تصويرهم على أنهم ضعفاء وعزل وأبرياء، وبالتالي يستحقون التعاطف والرحمة، بخلاف البالغين، خاصة الرجال، الذين يفتقرون لتلك الصفات.

يتخذ الأطفال الفلسطينيون قرارات معقدة حول كيفية البقاء والتصرف والمقاومة بينما يتحملون العنف والقهر الذي لا يمكن تصوره

لقد رأينا هذه الثنائية بين البالغين والأطفال (وكذلك الثنائية بين الجنسين) تتجلى في الاستجابات الإنسانية في البلدان الإسلامية، مثل أفغانستان والعراق، حيث يتم تصوير النساء والأطفال كضحايا مستحقين للمساعدات الدولية ويحتاجون إلى الإنقاذ، بينما يتم تصوير الرجال البالغين على أنهم عنيفين وبالتالي يمكن اعتبارهم مسئولين عن المعاناة التي يلقونها.

وفي الضفة الغربية، توصل بحثنا إلى أن الأطفال (وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات) غالبًا ما يتم استبعادهم من السياسة ويُنظر إليهم على أنهم ضحايا بلا وكلاء، ولذلك، فإن المشاريع التي يشارك فيها الأطفال تحظى بشعبية لدى الممولين الغربيين، سواء الأفراد أو المنظمات المانحة، لأنها تسمح لهم بالتخلص من الذنب الاستعماري دون معالجة العنف الهيكلي للاحتلال الإسرائيلي.

لا أحد يولد ضحية، لكن الناس يصبحون ضعفاء ويقعون ضحايا لأعمال العنف والقمع، تمامًا مثل هؤلاء الأطفال والبالغين الفلسطينيين الذين أُجبروا على العيش والبقاء في غزة مدى الحياة، ذلك السجن الإسرائيلي المفتوح.

وفي الوقت نفسه، كان الأطفال والشباب هم القوة الدافعة وراء الانتفاضتين، حيث يتخذ الأطفال الفلسطينيون قرارات معقدة حول كيفية البقاء والتصرف والمقاومة بينما يتحملون العنف والقهر الذي لا يمكن تصوره، مشكلين مصدر إلهام لأنصار التحرر والعدالة والحرية في جميع أنحاء العالم.

حسابات باردة ومتهورة

في الحرب الحالية على غزة، يُقتل طفل فلسطيني كل 15 دقيقة، فيما وصفه الجرّاح غسان أبو ستة، المقيم في غزة، بالحرب على الأطفال، واعتبره المؤرخ الإسرائيلي والخبير في دراسات المحرقة راز سيغال “حالة نموذجية” للإبادة الجماعية.

وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة، فأولئك الذين لديهم القدرة الفعلية على وقف هذه الإبادة الجماعية لا يكترثون لأطفال غزة، وكأن هؤلاء الشباب لا يُنظر إليهم على أنهم أطفال، بل يرونهم وكأنهم مستبعدين من فئة الطفولة تماماً، ويمكن فهم ذلك على أنه جهد تبذله إسرائيل ومناصروها الغربيون للالتفاف على القانون الإنساني والتعاطف العام مع “الأطفال الأبرياء”.

ونظراً لحجم معاناة الأطفال في غزة، فإن رفض حكومة المملكة المتحدة وزعيم المعارضة، الذي يفترض أنه ذو ميول يسارية، دعم الدعوات لوقف إطلاق النار كان مروعاً، وإن لم يكن مفاجئاً.

ففي نهاية المطاف، كان وعد بلفور الذي أصدرته الحكومة البريطانية، وهو عبارة عن حسابات باردة ومتهورة للمصالح الإمبراطورية البريطانية، هو الذي أرسى أساس الدولة الإسرائيلية من خلال إعلان دعم “إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين” دون القليل من النظر إلى سكانها الفلسطينيين الأصليين.

وفي حين أن الحكومة البريطانية لم تضغط قط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار في حالات التصعيد السابقة، إلا أنها تظاهرت على الأقل بأنها تهتم بالخسائر في صفوف المدنيين و”الأطفال الأبرياء” وأثارت ضجة حول السلام، ولم يكن حزب العمال بهذا الخجل من قبل، ولا تزال العقلية الاستعمارية راسخة بعمق، وكذلك الحسابات الباردة التي تسمح بالعنف وتبرره.

إن إخراج الفظائع الحالية من سياقها وتأريخها وتأطيرها على أنها حرب بين إسرائيل وحماس أو حرب بين إسرائيل وغزة، يصور جميع سكان غزة، بمن فيهم 47% ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، على أنهم حماس، وبالتالي تعتبرهم مسؤولين عن المعاناة، ويصب هذا مباشرة في صالح المشروع التوسعي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فمن الواضح أن تصرفات إسرائيل الحالية لا تتعلق بالدفاع عن النفس، فقد تم اعتقال وسجن آلاف الفلسطينيين من غزة الذين يحملون تصاريح عمل إسرائيلية وإعادتهم إلى القطاع المحاصر، وتم إلغاء التأشيرات الطبية لأولئك الذين يتلقون العلاج في المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية.

ومنذ العدوان الأخير على غزة ، قُتل ما لا يقل عن 150 فلسطينيًا في الضفة الغربية المحتلة، وبما أن حماس لا تملك أي سلطة هناك فإن من قتلوا في الضفة هم تماماً مثل الأربعة آلاف طفل الذين قتلوا في غزة لا يتناسب قتلهم مع السردية الإسرائيلية التي تدعي أن إسرائيل تخوض العدوان دفاعاً عن النفس.

تكتيكات الترهيب

إن استخدام تاريخ 7 أكتوبر كنقطة مرجعية لبدء التصعيد يُغفل 75 عامًا من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين والحصار الخانق على قطاع غزة والمستمر منذ 17 عامًا، إن هذا الخروج عن السياق يمنع العالم من النظر إلى القضية الفلسطينية على أنها قضية عادلة، وبالتالي يجردها من حق الحصول على الدعم الدولي، مثل المطالبة بوقف إطلاق النار.

عندما نكتب هذا المقال كمسلمة وكيهودية مناهضة للصهيونية، فإننا ننتظر رد الفعل العنيف ورسائل الكراهية من العالم الغربي، فقد وصل النفاق بشأن حرية التعبير والحرية الأكاديمية إلى مستوى منخفض جديد، حيث تم حظر المجموعات الطلابية في المملكة المتحدة بسبب موقفها المؤيد للفلسطينيين، وباتت الجامعات الأمريكية تتعرض لخسارة التمويل بسبب عدم إدانتها هجمات حماس بالسرعة الكافية.

وليس مستغرباً أن يواجه الأكاديميون الفلسطينيون وطأة هذا القمع، ونتيجة للتوقيع على بيان المطالبة بوقف إطلاق النار، طُلب من زميلتنا الفلسطينية البروفيسورة نادرة شلهوب كيفوركيان التنحي عن منصبها في الجامعة العبرية في القدس.

تم تداول الخبر في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية، ما أدى إلى مزيد من التهديدات ضد شلهوب كيفوركيان وعائلتها.

وتُستخدم أساليب الترهيب هذه أيضًا ضد الأكاديميين الملونين، ففي المملكة المتحدة، تم تمييز اثنين من الباحثين من أصل جنوب آسيوي بسبب تعبيرهما القانوني عن التضامن مع الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعرضا للمضايقات من قبل صحيفة ديلي ميل، أكبر صحيفة شعبية في المملكة المتحدة.

كما أن الأعمال الانتقامية ضد اليهود المناهضين للصهاينة الذين يتحدثون علناً آخذة في الارتفاع، حيث تتم إدانتهم باعتبارهم خونة في إسرائيل، ويواجهون تهديدات حقيقية لسبل عيشهم وأمنهم من الدولة وداعميها اليمينيين.

ومع ذلك، فإن التهديد الذي يتعرض له الأمن الوظيفي للأكاديميين يتضاءل أمام الفظائع الأخيرة التي ترتكب في قطاع غزة المحاصر.

ولذلك فإننا نؤكد على دعوات بيان الأكاديميين والطلاب بشأن الطفولة ونعلن الحاجة الماسة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي، فحياة الأطفال الفلسطينيين ثمينة، كما أن كل أرواح الفلسطينيين غالية.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة