لماذا يجب ألا ييأس المسلمون الديمقراطيون في تونس من تصاعد القمع ضدهم؟

بقلم عماد شاهين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

خلال أبريل الماضي في تونس، تم اعتقال زعيم المعارضة الأبرز والديمقراطي الملهم، راشد الغنوشي الرجل الثمانيني وزعيم أكبر حزب إسلامي في البلاد، بتهمة “تحريضه على العنف” وتهم أخرى مشبوهة، في سيناريو لا يوجد فيه ما هو جديد أو مفاجئ، حتى الآن على الأقل، في ظل ملحمة الاستبداد والسعي وراء الرضا الغربي في الشرق الأوسط.

لا يوجد جدوى من الكتابة حول ما يجب على الغرب، خاصة الولايات المتحدة، القيام به من أجل تعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، فهم لا يبدون اهتماماً أصلاً، وهذا أمر يمكن استنتاجه من من تاريخهم الطويل في دعم الأنظمة الاستبدادية، فهم في الواقع كانوا عقبة في وجه الديمقراطية في مناسبات عديدة.

أما الدروس التي يجب الالتفات إليها، فهي التي جاءت بها عملية التحول الجارية في الشرق الأوسط، فكيف تتناقض دول بعد استقلالها مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟! يتطلب الأمر تفكيكاً لأدوات الاستبداد ومحاولة إعادة بنائها، وقد ظهرت إرهاصات ذلك بالفعل بصرخة ملايين الشباب خلال الربيع العربي عام 2011، حين رددوا شعارات “الشعب يريد تغيير النظام” و “الخبز والحرية والكرامة الإنسانية”.

يعد شعار “الخبز والحرية والكرامة الإنسانية” تحديداً، بمثابة دعوة للعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي مطالب لا تزال حية وهي التي سوف تمهد للجولة القادمة من التغيير الإقليمي.

“يجب أن تنجح التجربة التونسية لأنها توفر ربيعاً ديمقراطياً مع مساحة للجميع” .. راشد الغنوشي

العودة للاستبداد ليست نتيجة طبيعية وحتمية تنطبق مع الحالة الاستثنائية في الشرق الأوسط، فقد كانت الثورة المضادة التي عملت ضد التطلعات الشعبية في بلدان الربيع، عملية مدروسة شاركت فيها جهات أجنبية وإقليمية ومحلية لقناعتها بأهمية استمرار الحكام المستبدين لاستمرار مصالحها في المنطقة.

بدأ التراجع عن التغيير المنشود برفض الدول دعوة الانقلاب إلى الانقلاب، وتمثلت بإرسال مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية والقروض إلى النظام العسكري في مصر، وحجب المساعدات التي كانت تونس بأمس الحاجة لها خلال انتقالها الديمقراطي، والامتناع عن اتخاذ موقف حاسم ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

وضع لم يعد يطاق!

لقد أصبحت دول ما بعد الاستقلال في العالم العربي ضعيفة ومفلسة، بل أصبحت فاشلة بسبب القمع والاستبداد من جانب والحروب الأهلية أو الظروف الاقتصادية من جانب آخر، وتشمل هذه القائمة السودان وليبيا ومصر وسوريا والعراق ولبنان واليمن.

الملايين من شعوب تلك البلدان متعطشة لاستراتيجيات اقتصادية من أجل التنمية، ونظام سياسي فاعل وحاكم مدني ديمقراطي، فالوضع وصل إلى مرحلة لا تطاق، كما أنها بحاجة إلى إعادة بناء واستعادة السلام الاجتماعي، ومحاولة تحقيق الاندماج على أسس وطنية بعيدة عن العرقية والطائفية، بما يحقق روح الديمقراطية كعملية تداول سلمية.

لقد أثبتت نظرية بناء الأوطان على أسس طائفية أو استعادة الاستبداد الجديد فشلها على المدى البعيد، فهي لا تؤدي إلى مجتمع قوي.

وإذا عدنا لمثال تونس، يمكن القول أن قمع المعتدلين من أمثال الغنوشي أو الإخوان المسلمين أو غيرها من إجراءات الضبط القمعي للمجتمع، لن يؤدي إلا إلى ذات الحلقة، التي عانت منها المنطقة في العقود الأخيرة، وهي القمع الذي يؤدي إلى التطرف في نهاية المطاف.

عندما زار الغنوشي واشنطن عام 2014، تم وصفه بأنه “مانديلا العرب”، وذلك لفكره الديمقراطي الصادق، فقد لعب بالفعل دوراً أساسياً في نجاح التحول الديمقراطي في تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي عام 2011، فقد قدم مع حزبه تنازلات لضمان نجاح العملية الانتقالية.

خلاصة الأمر أنه لا ينبغي إحباط جهود الديمقراطيين الإسلاميين أو الوقوع في اليأس بسبب الانتكاسة الحاصلة اليوم، فالأسباب الجذرية التي أدت إلى الربيع العربي قبل أعوام لا تزال في مرحلة الاختمار، ولا تزال المنطقة بحاجة لدعاة الديمقراطية من أمثال الغنوشي من أجل المرحلة القادمة، أو كما قال الغنوشي مرة “يجب أن تنجح التجربة التونسية لأنها توفر ربيعاً ديمقراطياً مع مساحة للجميع”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة