“لن نرحل وسنصمد”.. هذا ما ورد بالرسائل الأخيرة لشهداء غزة

بقلم ندى عثمان

ترجمة وتحرير نجاح خاطر  

أدى القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى تسوية أحياء بأكملها بالأرض، تاركاً الحال في القطاع المحاصر شبيهاً بالكابوس المروع.

فبعد شهر واحد، تجاوز عدد القتلى 10 آلاف شخص، بينهم أكثر من 4000 طفل، حيث قُصفت الأماكن الآمنة، مثل المساجد والكنائس والمراكز الإعلامية والمستشفيات ومحلات السوبر ماركت.

وعلى الأرض، يصف سكان غزة الغارات الجوية والانفجارات المستمرة وتجارب الاقتراب من الموت، إذ يمكن تتبع ذلك الواقع السريالي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم الفلسطينيون منصات مثل X، تويتر سابقًا، وإنستغرام للتعبير عن ما خاضوه، لكن تلك الأصوات ذاتها تختفي إلى الأبد إثر مقتل ناشريها في الغارات الجوية.

ينشر الكثيرون قصصهم مشفوعة بالتحذير من أن رسالتهم قد تكون الأخيرة، فقد قُتل هيثم حرارة، الصحفي في المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في 3 تشرين الثاني / نوفمبر بعدما نُشرت إحدى رسائله الأخيرة على X في 13 تشرين الأول / أكتوبر.

وجاء في نص رسالته تلك: “لن نرحل ولن نهاجر ولن تروا منا غير الثبات والصمود واليقين، فإن كانت ثمة هجرة، فإلى بلادنا المحتلة أو إلى الله رب العالمين”.

تم الإعلان عن وفاة حرارة في مستشفى الشفاء بغزة، وهو أحد أكبر المستشفيات في المنطقة حيث يحتمي الآلاف من القصف المستمر ويطلبون العلاج.

وسجلت الدكتورة أسماء الأشقر، إحدى سكان غزة، والتي عملت في مستشفى القدس في القطاع، رسالة قبل 24 ساعة فقط من مقتلها في غارة جوية إسرائيلية.

وتقول الأشقر في التسجيل الصوتي المؤثر إن غزة “تُمحى” أمام العالم، دون أن يتحرك أحد.

ووجهت حديثها إلى الدول العربية قائلة: “لا نحتاج إلى أي شيء منكم، الإسرائيليون يصفوننا بالحيوانات البشرية، وبايدن يتحدث عن الإنسانية ويدافع عن إسرائيل، لكنه لا يرى ما يحدث لنا، نحن نقتل واحدًا تلو الآخر والعالم كله يشاهدنا، عائلات بأكملها يتم محوها من السجل المدني”.

وتابعت الأشقر:” الناس محاصرون بالآلاف تحت الأنقاض، أين الدول؟ من يساعد غزة؟ ليس لدينا سوى الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله”. 

“سيحاسب الله كل من خاننا، لن نسامح كل من طبّع مع إسرائيل ورقص على جراحنا” – أسماء الأشقر، طبيبة

وكان أحمد الشهاب قد نشر مقطع فيديو أثناء القصف الإسرائيلي العنيف، وبدأه بعبارة “قد يكون هذا آخر فيديو لي”، وقُتل مباشرة بعد نشره.

وفي الفيديو، يطلب شهاب المساعدة وسط صوت القصف في الخلفية، قائلاً: “هذه رسالتي للعالم، لقد انقطع عنا الطعام والماء والكهرباء وكل شيء”.

وأردف: “لا نستطيع مغادرة منازلنا لأنهم يقتلوننا من الداخل والخارج، وحتى الآن لم يتحرك أحد، لا نريدكم أن تتحركوا بسببنا أو بسبب فلسطين، فقط نريدكم أن تتحركوا بسبب العنف الذي يستهدف المسجد الأقصى، لا فرق بين الكعبة والمسجد الأقصى”.

وتابع متسائلاً: “ماذا تنتظر؟ لا نريد منكم أن تدعمونا بالطعام والمال، من فضلكم تحركوا”، وينتهي الفيديو بسقوطه على الأرض وإظلام الشاشة.

وقُتلت عائلة شهاب الممتدة بأكملها، والتي تضم 44 شخصًا، في القصف الإسرائيلي، وتدفقت تعبيرات التضامن معه عبر الإنترنت، حيث شارك الكثيرون مقطع الفيديو الخاص به لإظهار حجم العنف في غزة.

“نهاية الدردشة الجماعية العائلية”

وقد شارك الناجون أيضًا لقطات شاشة للرسائل الختامية في الدردشات الجماعية العائلية حيث يمتزج رعب الحرب مع الراحة التي لا يمكن للأحباء إلا تقديمها لبعضهم البعض.

ونُشرت لقطة شاشة لمحادثة عائلية على واتساب بعنوان: “وكانت هذه نهاية الدردشة الجماعية العائلية”.

وفي المحادثة الجماعية، يسأل أحد أفراد الأسرة عن الوضع في أجزاء مختلفة من غزة، ويخبر البقية أن بعض الأشخاص قتلوا على طريق النخل، بينما تم قصف منازل أخرى.

لكن لم يرد أحد من أفراد العائلة على تلك الرسائل المرسلة في 20 تشرين الأول/ أكتوبر.

وجاء في الرسالة الأخيرة في الدردشة الجماعية، التي أُرسلت في 22 تشرين الأول / أكتوبر ما يلي: “رحمكم الله يا أحبائي”.

أما آخر تدوينة لهبة أبو ندى قبل مقتلها داخل منزلها في 20 تشرين الأول/ أكتوبر فكانت قصيدة باللغة العربية بعنوان “أمنحك اللجوء”، والتي كتبنها الشابة البالغة من العمر 32 عامًا في 10 تشرين الأول / أكتوبر، حول موضوعات الدمار وإنسانية أهل غزة، بالإضافة إلى الموت، والحزن، والإيمان، والأمل.

وكانت أبو ندى روائية ومعلمة حائزة على جوائز عديدة، حيث فازت روايتها “الأكسجين ليس للموتى” بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2017.

“هل سأصل إلى النهاية؟”

انتشرت بين سكان غزة عادة جديدة وهي التحقق عبر الإنترنت كل يوم من سلامة أحبائهم وإعلامهم بأنهم بخير، وغالبًا ما يكون ذلك ببساطة من خلال رسالة أو مقطع فيديو يقول: “أنا على قيد الحياة”.

معتز عزايزة، مصور التراث ونمط الحياة الذي تحول إلى صحفي منذ بداية الحرب، نشر العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، موضحًا من هو وما قام بتوثيقه، في حال مقتله.

ونشر في 5 تشرين الثاني / نوفمبر يقول: “هل سأصل إلى نهاية هذا؟ لا أعرف، ولكن ما أنا متأكد منه هو: لقد قمت بتقديم صور Raw إلى العالم أجمع لمشاهدة ما يحدث بالفعل للشعب الأعزل في قطاع غزة”.

وتابع: “لم أتلق الدعم أو التمويل من أي وسيلة إعلام أو منظمة للقيام بذلك، أكرر أنني مصور صحفي مستقل، لا علاقة لي بأي جماعات مسلحة أو أي نوع من التنظيمات، أنا فلسطيني مستقل”.

وفي خطوة مماثلة، نشرت صحفية فلسطينية تدعى بيان رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد من عدم نسيانها.

قالت في رسالتها: “عندما أصمت لفترة طويلة، فهذا يعني إما أنه ليس لدي اتصال بالإنترنت، أو أن بطاريتي نفدت، أو أنني مت، اسمي الكامل هو بيان أبو سلطان، أعيش غرب مدينة غزة، إذا بحثت عني على جوجل وعرفت أنني قُتلت، يرجى الاعتناء بكتبي”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة