محاكمة إسرائيل أمام العدل الدولية.. الفرصة الأخيرة لإعادة ثقة الفلسطينيين بالقانون الدولي

بقلم فريد طعم الله 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

 تشهد محكمة العدل الدولية في 11 و12 كانون الثاني / يناير انعقاد جلسات الاستماع بشأن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حربها على غزة، حيث تسعى القضية إلى التعليق الفوري للحرب.

 نقدر نحن الفلسطينيون عاليًا رمزية جنوب أفريقيا، الدولة التي عانت أيضًا من الفصل والتمييز العنصريين والإبادة الجماعية وهي تقدم هذه الشكوى إلى محكمة العدل الدولية، إنها خطوة تاريخية، وهي المرة الأولى التي ترفع فيها دولة قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل أمام المحكمة الدولية.

فهل تنجح المحكمة في تحقيق ما فشل المجتمع الدولي برمته في تحقيقه وهو وقف إطلاق النار بشكل عاجل ومحاسبة المجرمين الإسرائيليين؟

من المؤكد أن الحجج المقدمة ضد إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية ذات مصداقية، لقد عاش الفلسطينيون وعانوا من هذه الجرائم المروعة على مدى عقود من الاحتلال، وخاصة في الحرب الحالية، التي يتم بث وقائعها على الهواء مباشرة ليراها العالم.

فقد قُتل في هذه الحرب أكثر من 23 ألف فلسطيني وجُرح حوالي 60 ألفًا وتضررت عشرات الآلاف من المباني أو دمرت، في حين يعاني غالبية سكان غزة من الجوع والتشريد من منازلهم على مدى أكثر من ثلاثة شهور.

 ورغم أن الشعب الفلسطيني يؤمن بعدالة قضيته ويدرك تماماً المظالم والجرائم المرتكبة بحقه، فإنه لا يزال يحمل مخاوف مشروعة، نظراً لتجاربه المريرة مع المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولدى الكثير منا شكوك حول جدية المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بإنهاء أو حتى تخفيف جرائم إسرائيل ضدنا.

ومع أنه من المرجح أن يستغرق صدور الحكم النهائي للمحكمة سنوات، إلا أننا نأمل أن تتخذ المحكمة قراراً سريعاً بشأن وقف إطلاق النار، لكن هذا الأمل يتضاءل عندما ندرك أن تنفيذ الحكم يعتمد على مجلس الأمن، حيث تستطيع الولايات المتحدة استخدام حق النقض في وجه أي قرار ضد إسرائيل، وقد سمح هذا لإسرائيل بالتصرف لفترة طويلة مع الإفلات من العقاب وتجاهل اتفاقيات جنيف.

المعايير المزدوجة

 وفي ذات الوقت نتساءل: أين دول ما يسمى بالعالم الحر الذي طالما تحدث عن العدالة وحقوق الإنسان؟  نحن نشعر بالإحباط، لأن أياً من الدول العربية والإسلامية التي كان من المفترض أنها الأقرب إلى الشعب الفلسطيني لم تساهم في دفع هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية.

كما ننظر بعين الريبة إلى المعايير المزدوجة التي يطبقها نظام العدالة الدولي، والذي تمكن بسرعة نسبياً من إصدار مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بسبب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا من خلال المحكمة الجنائية الدولية في آذار / مارس الماضي، ليس هذا فحسب، بل في آذار / مارس من عام 2022، وبعد أسبوعين فقط من اندلاع الصراع، أمرت محكمة العدل الدولية روسيا بـ “التعليق الفوري” لعملياتها العسكرية بعد أن رفعت أوكرانيا شكوى بشأن الإبادة الجماعية.

يشير مصطلح “الإبادة الجماعية” إلى التدمير المتعمد كليًا، أو جزئيًا لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، ويقول بعض الخبراء إن أصعب شيء يمكن إثباته هو نية الإبادة الجماعية، لكن المسؤولين الإسرائيليين ومن أعلى المستويات أوضحوا نواياهم.

وقد أعلنت إسرائيل مراراً وتكراراً عن هدفها المتمثل في فرض عقوبات جماعية على المدنيين في غزة بسبب الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول / أكتوبر، وفي إعلانه عن حصار كامل للقطاع، وقطع الكهرباء والماء، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”.

بينما نواصل عيش معاناة الحرب وويلاتها، تتجه أعيننا نحو لاهاي، على أمل أن تنتصر صرخات أطفال فلسطين ونسائها على سياط الجلاد.

وقال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتزوغ إنه لا تمييز بين المقاتلين المسلحين والمدنيين في غزة، مشيراً إلى أن “أمة بأكملها هناك هي المسؤولة، وليس صحيحاً الحديث عن مدنيين غير ضالعين وغير متورطين، وسنقاتل حتى نكسر عمودهم الفقري”.

 يمكن لإسرائيل أن تزعم أن سلطة محكمة العدل الدولية في البت في التدابير المؤقتة مقيدة بالحق في الدفاع عن النفس المعترف به في ميثاق الأمم المتحدة، لكن ما تفعله إسرائيل ليس دفاعاً عن النفس، من الواضح أنها في حالة هجوم، فمن يستطيع أن يزعم بشكل واقعي أن الدفاع عن النفس يعني تشريد وتجويع مليوني إنسان ومحاصرة المستشفيات وتدميرها وقتل الأطفال الخدج والأطفال والنساء؟ وهل قطع المياه والكهرباء والوقود والغذاء عن شعب بأكمله هو عمل من أعمال الدفاع عن النفس؟

وفي حين أن محكمة العدل الدولية لا تتمتع بسلطة إنفاذ قراراتها، فإن أحكامها ملزمة بموجب القانون الدولي، وقد تؤدي النتيجة إلى المزيد من تآكل سمعة إسرائيل العالمية وعلاقاتها مع الدول الأخرى.

 وبينما نواصل عيش معاناة ويلات الحرب، تتجه أعيننا نحو لاهاي، على أمل أن تنتصر صرخات الأطفال والنساء الفلسطينيين على سوط الجلاد، وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة للفلسطينيين لاستعادة الثقة في المجتمع الدولي، الذي لم ينجح قط في وقف الاحتلال والظلم الإسرائيلي.

ونأمل أن تبدأ قضية جنوب أفريقيا فصلاً جديداً لشعبنا المضطهد وأن تنتهي أيام الإفلات الإسرائيلي من العقاب مرة واحدة وإلى الأبد.للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة