استغلال الممرات الإنسانية لصناعة النكبة الثانية.. هل سيتم تخيير الفلسطينيين بين الموت أو الفرار إلى سيناء؟

بقلم ريحان عُدين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

رداً على هجوم المقاومة الفلسطينية المفاجئ قبل أيام، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن رد إسرائيل “سوف يغير الشرق الأوسط” على حد قوله، وذلك وسط مخاوف متزايدة بين الفلسطينيين في غزة من أن التغيير قد يأتي على شكل متكرر من نكبة عام 1948، إذا ما فر الآلاف من القطاع المحاصر عبر ممر إلى مصر.

يذكر أن المقاومة قد شنت هجوماً مفاجئاً من عدة جبهات على التجمعات الإسرائيلية يوم السبت السابع من أكتوبر، حيث أطلقت آلاف الصواريخ وأرسلت مقاتلين إلى إسرائيل براً وبحراً وجواً، وقُتل أكثر من 1300 إسرائيلي وأُسر 130 آخرين إلى غزة.

ردت القوات الإسرائيلية على ذلك الهجوم بشن وابل من الغارات الجوية على قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1350 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.

 تم الترويج لفكرة فرار الفلسطينيين من قبل شخصية عسكرية إسرائيلية، بالإضافة إلى قيام المستوطنين اليمنيين بالحديث عن فكرة مستوطنات إسرائيلية غير قانونية في غزة عقب غزو بري محتمل

على إثر ذلك، تصاعد الحديث عن فتح ممر إنساني بين مصر وغزة، من أجل السماح للمدنيين الفلسطينيين للفرار من القصف الإسرائيلي المستمر، خاصة مع استهداف معبر رفح الحدودي، بوابة غزة الوحيدة للعالم، بثلاث غارات خلال 24 ساعة.

ويطالب الفلسطينيون مصر بالسماح بإيصال المساعدات والموارد الأساسية إلى القطاع، خاصة بعد قطع السلطات الإسرائيلية للكهرباء والماء، كما أشار الباحث عمر شعبان من غزة إلى أن “المستشفيات في وضع سيئ للغاية، محطات الكهرباء والمياه في غزة توقفت، ولا توجد خدمة الواي فاي، ولا يوجد طعام في السوق، والأسعار ترتفع”.

بموجب القانون الدولي، إسرائيل هي الملزمة بحماية حياة المدنيين وفق قدرتها، بوصفها القوة المحتلة، ولا شك أن الممر الإنساني في إطار قدرتها

على الجانب الآخر، أجرت واشنطن محادثات مع عدة دول حول فكرة إنشاء الممر، وهو ما ترفضه مصر حتى الآن، حيث صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه “لن يكون هناك أي تنازل أو إهمال للأمن القومي المصري تحت أي ظرف من الظروف”، ولكن مع تقلب الأوضاع، فقد بدأت مصر بالاستعداد على الأرض بنصب خيام بالفعل في منطقة الشيخ زويد ورفح في سيناء، في حالة حدوث نزوح، وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة مدى مصر.

كما نقل التقرير عن مصادر حكومية أنه لن يًسمح للفلسطينيين بدخول العريش، أكبر مدينة في شبه جزيرة سيناء، فهم سيكونون مضطرين للبقاء في منطقة عازلة يبلغ طولها 14 كم، مع بقاء احتمال أشار إليه الباحث المتخصص في أمن المنطقة، ريكس برينين، في قوله “من الممكن أيضًا أن يتمكن سكان غزة اليائسون من عبور الحدود بغض النظر عما إذا كانت مصر تسمح بذلك أم لا، فالمسؤولون المصريون يستعدون بالفعل لهذا الاحتمال”.

أما سكان غزة، الذين يتجاوز عدد اللاجئين من النكبة الأولى فيهم 60%، فيعلمون جيداً أن النزوح في ظل الاحتلال الإسرائيلي يعني احتمالاً ضئيلاً بالعودة.

“نكبة ثانية”

لقد تم الترويج لفكرة فرار الفلسطينيين من قبل شخصية عسكرية إسرائيلية، بالإضافة إلى قيام المستوطنين اليمنيين بالحديث عن فكرة مستوطنات إسرائيلية غير قانونية في غزة عقب غزو بري محتمل.

يقول شعبان “الفلسطينيون يدركون فكرة بعض الإسرائيليين، وهي دفع غزة إلى سيناء، لكن الفلسطينيين لن يفعلوا ذلك، ولن يقبلوا به”، وأضاف “خلال الحروب السابقة طُرحت الفكرة ولكن الناس لم يغادروا غزة إلى سيناء، إنهم ليسوا أغبياء، لا يريدون نكبة ثانية”.

في حرب غزة 2009، رفض وزير الخارجية المصري آنذاك، أحمد أبو الغيط، فتح معبر رفح الحدودي أمام اللاجئين الفلسطينيين، فمصر لم تكن تريد تحمل مسؤولية فيما كان يحصل في القطاع المحاصر، ويبدو أن القاهرة ما تزال على موقفها حتى اليوم.

“هل يعتقدون أننا نريد الهجرة إلى مصر؟ مستحيل، هذه المرة سنذهب إلى أرضنا المحتلة، إلى القدس” – فلسطيني من غزة

وقد جاء في بيان للأزهر في مصر “رسالتنا إلى أولئك الذين يتمسكون بأرضهم هي أنه من الأفضل لكم أن تموتوا فرسانًا وأبطالًا على أرضكم من أن تتركوها فريسة للمغتصبين”.

ويرى الباحث السياسي من غزة، محمد شحادة، أن مسؤولية الممر الإنساني تقع على إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة، حيث أوضح أنه “يجب على إسرائيل السماح بنقل الفلسطينيين المصابين بجروح خطيرة والذين يحتاجون إلى علاج طبي في الضفة الغربية، على سبيل المثال، لأن الأراضي المحتلة هي وحدة إقليمية واحدة متجاورة بموجب اتفاقيات أوسلو”.

بموجب القانون الدولي، إسرائيل بالفعل هي الملزمة بحماية حياة المدنيين وفق قدرتها، بوصفها القوة المحتلة، ولا شك أن الممر الإنساني في إطار قدرتها.

“لا أحد يريد العيش في خيام في سيناء”

بعد حرب عام 1948، احتلت مصر قطاع غزة، حتى حرب حزيران عام 1967، عندما استولت عليها إسرائيل، وفي عام 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ونقلت حوالي 8 آلاف مستوطن وجندي كانوا يعيشون في 21 مستوطنة حول غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، و في عام 2007، فرضت إسرائيل حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على القطاع، ما زال مستمراً حتى اليوم.

خلال حواره مع ميدل إيست آي، سئل الباحث علي عبد الوهاب من غزة، عما إذا كان يفكر بمغادرة غزة إذا ما تم فتح ممر إنساني في الأيام المقبلة، خاصة مع عدم وجود ملاجئ أو مناطق آمنة في القطاع، يقول “سأكون منطقياً وأحاول تحدي نفسي للبقاء وعدم السماح بكارثة أخرى تتكرر، لكن لدي عائلة وهي أولويتي، أنا أطرد فكرة المغادرة من رأسي باستمرار، فأنا لا أؤيد فكرة إعادة التوطين في سيناء، الفلسطينيون الذين عاشوا الحروب وذكريات النكبة يأملون ألا تتكرر مرة أخرى، فلا أحد في غزة يريد أن يعيش كلاجئ في خيام في صحراء سيناء، هذه في الأساس خطة اليمين المتطرف الإسرائيلي”.

يذكر أنه على الرغم من الحصار الإسرائيلي ومعايشة 5 حروب وحشية منذ عام 2008، إلا أن معظم سكان غزة ليس لديهم الرغبة في المغادرة، وهذا ما عبر عنه غزاوي في مقطع متداول بقوله “هل يعتقدون أننا نريد الهجرة إلى مصر؟ مستحيل، هذه المرة سنذهب إلى أرضنا المحتلة، إلى القدس”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة