من الفائز في حرب جنرالي السودان حميدتي وبرهان؟

بقلم أسامة أبو زيد

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

سماء مظلمة مليئة بالدخان، وأصداء مرعبة لتبادل إطلاق النار وشوارع خالية من المشاة، ومستشفيات لا تعمل، ومتاجر مغلقة، وانقطاع للمياه وللتيار الكهربائي، كل ذلك يشير لتواصل المأساة في السودان مع امتداد الصراع عبر الخرطوم، المدينة التي كانت ذات يوم نابضة بالحياة.

كيف بدأ كل هذا؟ لقد ظل الصراع بين أقوى جنرالات السودان محتدماً لبعض الوقت، قبل أن تصب التطورات السياسية الأخيرة الزيت على النار، وسط خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

يقود قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، بينما يقود القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان.

طغى الخلاف بين البرهان وحميدتي على تاريخهما التعاوني، ففي ديسمبر 2022، وقع القادة العسكريون والمدنيون في السودان اتفاقًا إطاريًا لإنهاء الحكم العسكري ولتسهيل الانتقال المدني إلى الانتخابات. 

لكن الخلاف حول دور قوات الدعم السريع، بما في ذلك من سيكون له السيطرة في نهاية المطاف على المقاتلين والأسلحة، خلق عقبة رئيسية أمام إنهاء الصفقة.

في وقت سابق من هذا الشهر، انتشرت قوات الدعم السريع في بلدة مروي الشمالية، التي تضم قاعدة عسكرية استراتيجية، إلى جانب الخرطوم وأجزاء أخرى من البلاد، بينما أعلن الجيش السوداني أن هذه التحركات تمت دون موافقته.

وسرعان ما اندلعت اشتباكات في الخرطوم مستهدفة مواقع استراتيجية مثل المطار ومقرات الجيش.

وقال تحالف قوى الحرية والتغيير، الذي مثل المدنيين في محادثات بوساطة دولية مع الجيش السوداني، هذا الشهر إن “الخطة الحالية هي خطة لبقايا النظام السابق وتهدف إلى تدمير العملية السياسية”.

ودعا البيان الشعب السوداني إلى “الوقوف ضد الحرب وعودة فلول النظام السابق”.

إلا أن المذبحة لا زالت قائمة، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، قُتل أكثر من 400 شخص وأصيب أكثر من 3500 منذ اندلاع القتال، وتُركت جثث الموتى لتتعفن في شوارع الخرطوم، مع عدم تمكن الناس من الخروج وسط تبادل لإطلاق النار.

بات الوضع الإنساني كارثيا، حيث ورد أن حوالي ثلثي المستشفيات في المنطقة قد توقفت عن العمل في غضون أيام قليلة، مما دعا عدد من الدول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، لإجلاء مواطنيها أو موظفي سفاراتها من السودان.

الجهود الإنسانية

دعت وزارة الصحة الفيدرالية السودانية الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار والسماح بعبور آمن لسيارات الإسعاف ومركبات المرضى، وتعرضت الجهود الإنسانية لمزيد من العراقيل بعد أن تضررت طائرة تابعة للأمم المتحدة نتيجة اشتباكات بمطار الخرطوم.

بالنسبة لسكان العاصمة، هناك نقص حاد في الضروريات الأساسية، بما في ذلك المياه، التي انقطعت في مناطق شاسعة من الخرطوم، وسط انقطاع الكهرباء لفترات طويلة.

وفي ظل الظروف القاسية، يتحصن العديد من المدنيين في منازلهم دون طعام، وغير قادرين على الخروج بسبب القتال المستمر والوضع الأمني الهش، مما اضطر الكثيرون للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بالمساعدة في الإخلاء.

لكي يُسمع صوت الشعب السوداني، يحتاج إلى تمثيل من خلال كيانات المجتمع المدني، وهو الطريق الوحيد نحو سلام مستدام.

وفي حال استمر القتال، ستزداد الحاجة الى الأدوية والمواد الغذائية، حيث أجبرت بالفعل معظم الصيدليات ومحلات السوبر ماركت والمتاجر على الإغلاق.

وفي حين أعلن الأسبوع الماضي عن وقف لإطلاق النار لمدة 24 ساعة من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، إلا أن وقف اطلاق النار قد كسر بسرعة، بعد أن تبادل الجانبان الاتهامات حول من يقع عليه اللوم.

يدرك حميدتي والبرهان بالتأكيد أنه لا توجد معركة عسكرية على الأرض قادرة على تحقيق حل نهائي لخلافهما السياسي، إلا أنه كليهما يسعيان إلى إضعاف الآخر وهزيمته في محاولة لتأمين وضع تفاوضي أفضل لقواته.

الصراع المستمر ليس حربًا يمكن كسبها بسهولة، نظرًا لتعقيد سياقه الجيوسياسي والجغرافي، فاستهداف القواعد العسكرية مع محاولة تجنب إيذاء الأشخاص المقيمين في العاصمة التي يسكنها ملايين المدنيين في منطقة مترو الأنفاق مهمة صعبة للغاية.

تداعيات جذرية

ستستمر التداعيات الجذرية والمتعددة المستويات للصراع في الظهور مع استمرار المعارك، حيث باتت تلوح في الأفق أزمة نزوح داخلي واسعة النطاق، من الخرطوم إلى ولايات أخرى، حيث يشكل الصراع تهديدًا كبيرًا لاقتصاد البلاد غير المستقر، فيما تتعرض البنية التحتية الهشة لخطر التدمير الكامل.

يستلزم الخروج من هذا المستنقع النظر في الجانب الثالث من مثلث القوة الذي يضم الجيش وقوات الدعم السريع والشعب السوداني.

يبدو أن غياب المواطنين السودانيين عن هذه المعادلة تسبب في اختلال التوازن، فلكي يُسمع صوت الشعب السوداني، يحتاج إلى تمثيل من خلال كيانات المجتمع المدني، وهو الطريق الوحيد نحو سلام مستدام. 

كما أن المبادرة السودانية الموحدة يجب أن يتم تسخيرها ودعمها من قبل الفاعلين الإقليميين.

من جانبه، يحتاج المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل، باستخدام الدبلوماسية والعلاقات الإقليمية متعددة الأطراف القائمة، للمساعدة في منع السودان من الانزلاق إلى الفوضى الكاملة.

دعت جامعة الدول العربية إلى هدنة خلال العيد لتمكين المواطنين السودانيين من تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، على أمل أن تشكل الهدنة نقطة انطلاق لحوار بناء، لكن حتى مع بدء الاحتفالات يوم الجمعة، استمر الصراع، مشوهًا اليوم المقدس بأصوات إطلاق النار والقصف الجوي وقاذفات الصواريخ.

في نهاية المطاف، لن يكون هناك منتصر في هذه الحرب، وستخسر الدولة الكثير، في الوقت الذي يتوجب عليها فيه أن توجه الموارد المخصصة لتنمية هذا الصراع نحو تنمية السودان، بدلاً من تمزيقه.

مقالات ذات صلة