هل تشهد المنطقة نهضة إسلامية جديدة؟ سوريا كمحور للتحولات وأبعادها المختلفة

بقلم هشام جعفر

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

توجهت بالسؤال إلى عدد من الناشطين والخبراء وقادة المنظمات الإسلامية عما إذا كان يمكن للأحداث في سوريا أن تشكل بداية إحياء جديد للإسلاموية في المنطقة.

ومن الهام توضيح أن الإسلاموية تختلف عن الإسلام، فهي تشير إلى أيديولوجية سياسية تقترح نماذج للتنظيم السياسي والاجتماعي على أساس الشريعة، فضلاً عن حركة اجتماعية منخرطة في التعبئة السياسية باسم الإسلام.

كان دافعي لهذا السؤال هو إعادة تقييم تأكيدي السابق حول “فشل الإسلاميين في المنطقة” والنهاية المفترضة للإسلام السياسي، ذلك أن التراجع المطرد في شعبية الإسلاميين على مدى العقد الماضي كان واضحاً في الموجة الثانية من الربيع العربي (2018-2019)، التي اندلعت ضد الإسلاميين في السودان والعراق ولبنان، وبدرجة أقل في الجزائر.

إن هذا التغير يؤكد على التمييز بين أفعال الإسلاميين السياسية وخطابهم الديني، ولكن التطورات في سوريا تضيف بعداً جديداً، وتفرض علينا فحصاً جديداً لمستقبل الإسلاموية في المنطقة.

“تفاؤل حذر”

وقد أشار أحد كبار الشخصيات في جماعة الإخوان المسلمين المصرية المقيم في تركيا إلى ما يلي: “لقد أعادت سوريا الأمل إلى قلوب أولئك الذين أنهكتهم الصراعات الطويلة التي لا نهاية لها في الأفق، حيث وقع ما كان يبدو مستحيلاً، فقد أطيح بحاكم قوي من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يدعمه جيش قوي، وأجهزة أمنية، وحلفاء إقليميين، وميليشيات شيعية، وتؤكد عودة النظام إلى الحظيرة العربية، على الرغم من فشله في تلبية المطالبات بالنأي بنفسه عن إيران، على هذا التحول”.

في غضون ذلك، أشار أحد قادة حزب العدالة والتنمية المغربي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا والمعضلة التي يفرضها زعيم هيئة تحرير الشام قائلاً: “أحمد الشرع لم يستقر بعد على موقف أيديولوجي واضح، وإذا ظل موقفه غامضاً، فكيف يمكن لأنصاره في هيئة تحرير الشام التكيف مع مساره السياسي والفكري المتغير؟”.

وينبع قلق هذا القيادي المغربي من حقيقة أن الإسلاميين السوريين انخرطوا في المقام الأول في صراع وجودي ضد النظام بدلاً من السعي إلى استراتيجية ديمقراطية لبناء دولة حديثة، بل ويعتقد أن “تبني فكرة الدولة الحديثة لا يمكن أن يتطور في بيئة مثل سوريا ولا داخل البنية الإسلامية الشرقية”.

وقد أشار أحد القادة الشباب من الانتفاضة المصرية في عام 2011، والذي ترك جماعة الإخوان المسلمين ونفي فيما بعد، إلى أن “سوريا لديها القدرة على إلهام نهضة إقليمية، للإسلاميين وغيرهم على حد سواء، ويشعر العديد من الأصدقاء من خلفيات مختلفة بالنشاط من جديد، على الرغم من أن المخاوف بشأن مستقبل سوريا لا تزال قائمة”.

ويصف أحد القادة الإسلاميين في المغرب الإسلامي المزاج العام بين الإسلاميين بأنه “تفاؤل حذر”، إلا أنه يلاحظ أن “الجميع مسرورون عمومًا بسقوط النظام السوري، وخاصة بعد أن اتضح المدى الكامل لانتهاكاته لحقوق الإنسان”.

وعلى الرغم من هذا الشعور بالابتهاج، إلا أنه لم يظهر حتى الآن تحليل متعمق لتداعيات الحدث وتأثيره المستقبلي.

لكن القائد المغاربي يلاحظ أنه “ليس هناك ثمة تقييمات عميقة، بل استهلاكاً واسع النطاق لما ينشره بعض الصحفيين والباحثين، مع إشارات ضمنية إلى الحاجة إلى استخلاص الدروس من الحالة السورية نحو مزيد من الانفتاح السياسي، والديمقراطية، ومعالجة قضايا حقوق الإنسان التي لم تُحل بالإضافة إلى ذلك، بدأ الدور المهم لتركيا كلاعب رئيسي في المنطقة يتشكل”.

هذه بعض وجهات النظر التي جمعتها من الناشطين والخبراء، إذا كنت سأقدم بعض الأفكار حول هذا الموضوع، فسأسلط الضوء على خمسة جوانب رئيسية تساعد في تفسير الدور المتطور للإسلاموية في المنطقة.

الصراعات الإسلامية

الأول هو كيفية تشكيل الصراع لمسار الإسلاموية، وكيفية انعكاسه في الأحداث المهمة على مدى السنوات القليلة الماضية، فمنذ عام 2021، شكلت ثلاثة أحداث محورية أجندة الحركات الإسلامية، وهي نجاح طالبان في إجبار الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الانسحاب المهين من أفغانستان، عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، والدخول المسلح لهيئة تحرير الشام إلى دمشق في نهاية العام الماضي.

تسلط هذه الأحداث الضوء على ثلاث مجالات رئيسية لمشاركة الإسلاميين وهي إنهاء الاحتلال الأجنبي، ومقاومة المشروع الاستيطاني الصهيوني المدعوم من الغرب، والإطاحة بالأنظمة الاستبدادية.

ومع ذلك، فإن هناك تحديات كبيرة لاتزال قائمة، فالإسلاميون لم ينخرطوا بعد بشكل هادف في العدالة الاقتصادية، وهي ركيزة من ركائز الانتفاضات العربية، إلى جانب الحرية والكرامة الإنسانية

لقد تبنت السلطات السورية الجديدة اقتصاد السوق، ولكن دون معالجة التفاوت المتجذر، وكان هدف هذا القرار هو التكامل السريع مع الاقتصادات الإقليمية والدولية، ولكن دون خطة واضحة لمعالجة مشكلة التوزيع غير المتكافئ التي طال أمدها وهي المشكلة التي من المرجح أن يؤدي اقتصاد السوق إلى تفاقمها.

وعلاوة على ذلك، تظل العلاقة بين النضالات ضد الاحتلال، والقضية الفلسطينية، والنضال ضد الطغيان غير واضحة، إذ يدور الكثير من الحوار العام حول وجهات نظر متباينة، فالبعض يزعمون أن من شأن سقوط نظام الأسد أن يشكل انهياراً لمعقل رئيسي للمقاومة، الأمر الذي من شأنه أن يقوض القضية الفلسطينية، في حين يزعم آخرون أن تحرير فلسطين لابد وأن يتم جنباً إلى جنب مع النضال ضد الطغيان.

ومن التحديات الأساسية التي تواجه “محور المقاومة” ارتباطه بالاستبداد، كما يتجلى في نظام بشار الأسد، ومن القضايا التي نادراً ما تتم مناقشتها، والتي أبرزها رئيس تحرير سابق لصحيفة الأهرام المصرية، الضمانات التي ربما قدمتها السلطة الجديدة في دمشق لواشنطن (عبر تركيا) فيما يتعلق بدولة الاحتلال.

لقد وصلت كل التجارب السابقة في الدول التي تبنت الإسلاموية كأيديولوجية توجيهية لها إلى الفشل، سواء كانت ثورية مثل إيران، أو انتخابية مثل تركيا بعد عام 2012، أو من خلال انقلاب كالسودان، أو في شكل تقليدي مثل المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، لا يزال الإسلام يتمتع بجاذبية قوية في المنطقة اليوم.

وعلاوة على ذلك، فإن الطريقة التي تتعامل بها الحركات الإسلامية المختلفة مع الأزمات المتعددة التي تواجه المنطقة في السنوات المقبلة سوف تشكل الدور طويل الأمد للدين.

التدين المتطور

في رأيي، هناك أربعة عوامل رئيسية سوف تحدد العلاقة بين الإسلاموية وواقع المنطقة: الاستقلال الوطني، والقضية الفلسطينية، والنضال ضد الطغيان الشامل بكل أشكاله، والتوزيع العادل للموارد والفرص والثروات، أي القدرة على تحقيق اختراق اقتصادي يأخذ هذا البعد في الاعتبار.

وإلى جانب أحداث أخرى متوقعة في المستقبل القريب، فإن هذه العوامل الأربعة تعكس اتجاهاً متزايداً نحو التدين بين الشباب العربي، وإن كان من دون خطة عمل واضحة.

فقد لاحظت سابقاً أن طوفان الأقصى يؤكد على ميل متزايد بين العرب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً إلى إعادة الاتصال بالدين والانخراط بنشاط في الشعائر الدينية، وأعتقد أن التطورات في سوريا قد تعزز هذا الاتجاه المتزايد.

وهذا يثير سؤالاً مهماً: ما هي العلاقة بين هذا الاتجاه وتدين المنظمات والجماعات القائمة، بالنظر إلى محنتها التاريخية؟ هل تمكن هؤلاء الشباب والشابات من تجاوز الحركات الإسلامية الكبرى تنظيمياً وأيديولوجياً، أم أنهم ما زالوا متمسكين بالأفكار والهياكل التنظيمية والممارسات التقليدية؟

وفي أعقاب الانتفاضات، ظهرت نماذج دينية وثقافية بديلة ذات طابع مميز، متباعدة عن المنظمات الإسلامية القائمة، وبمرور الوقت، أعادت هذه البدائل تشكيل الأدوار التي كانت تشغلها الجماعات التقليدية بشكل كبير، وكل ذلك دون أن تتبلور في منظمات جامدة.

وقد أوقدت الأحداث الأخيرة المشاعر الدينية بين الشباب العربي، وإن كان ذلك دون أجندة سياسية أو اجتماعية متماسكة.

وعلى النقيض من الحركات الإسلامية الأقدم، فإن التدين اليوم فردي، ويتشكل من خلال الشبكات الاجتماعية والنشاط والخبرة المباشرة وليس العقيدة الإيديولوجية، كما يتميز بمشاركة نسائية قوية.

وفي رأي أحد القادة الإسلاميين السابقين فإن: “سوريا تقدم فرصة للإسلاميين الجدد لتنظيم أنفسهم بشكل مختلف عن الجماعات التقليدية، وقد تشجع الحوار وإعادة تقييم مفاهيم مثل الثورة والتغيير، وحتى استخدام القوة ضد الأنظمة القمعية”.

وهو يعتبر أن الأحداث السورية قد “تعيد تنشيط الجماعات الإسلامية الأخرى وتلهم الأمل، مما قد يعزز الحوار بين الفصائل المختلفة”، ويضيف أن ذلك يشجع أيضاً “إعادة تقييم المفاهيم التي تم تجاهلها أو طغت عليها الأحداث الماضية والعزلة المطولة مثل الدين والثورة والإسلاموية والتغيير، وحتى استخدام العنف المحدود ردًا على عنف الدولة”.

إن التدين لدى طلاب الجامعات بعد الربيع العربي فردي بطبيعته، ويتشكل من خلال شبكات التفاعل والمبادرات الشعبية أكثر مما يتشكل بتأثير المنظمات الرسمية.

وأخشى أن يعتمد النموذج الناشئ في نهاية المطاف على القوة المسلحة لفرض التغيير، لأن جميع السبل الأخرى للإصلاح مسدودة بقوة

وكما تشير دراسة الباحث محمد فتوح الرائدة، فإن هذا النموذج يتكون مدفوعاً بالعلماء الإسلاميين والتصوف العاطفي، الذي ينشأ من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي والمشاركة المباشرة بدلاً من الخطاب الإيديولوجي.

ويتميز هذا النموذج أيضاً بحضور نسائي قوي أما موقفه السياسي فيبقى رخواً، ويتشكل من خلال الأحداث الكبرى لا العقائد المحددة مسبقاً، وبالتالي فإن هذه العلاقة الجديدة مع الدين متجذرة في الحرية والاختيار والقناعة وهي خالية من سلطة الشيوخ، أو الطوائف، أو المنظمات أو التقاليد الموروثة.

يُعاد اكتشاف الدين إذن من خلال التجربة المعاشة لا عبر النقاش النظري، ولم تشتعل شرارة هذا الإحياء من خلال الخطاب الديني الجديد، أو الدراسات التقليدية، أو شعارات الإسلام السياسي، بل من خلال الحماسة والمرونة التي شهدناها في غزة، وفتح دمشق، والإطاحة بنظام الأسد بقيادة ما يسمى بالثوريين الجدد والجهاديين.

إن هذا التدين يتجسد في الممارسات اليومية وليس في التلقين الإيديولوجي، ويتم تفسير الإيمان بشكل عملي، مع التركيز على دوره الشخصي والوظيفي في مواجهة الواقع بدلاً من أبعاده الفكرية أو العقائدية.

الإسلامية البراغماتية

ويجسد الخطاب الذي قدمه الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً) هذا التحول البراغماتي، إذ يفرق خطابه بين الثورة وبناء الدولة، والمنظمات والمؤسسات.

ومن الجدير بالملاحظة أنه يتجنب الإشارة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية أو الدولة الإسلامية التي كانت في السابق تشكل محوراً مركزياً في الخطاب الإسلامي، ويركز بدلاً من ذلك على الحكم المحلي في سوريا.

وعليه، فإن هذا التحول يثير تساؤلات أهمها هل ينتج هذا التدين الناشئ حركة إسلامية أكثر براغماتية؟ أم أنه سيظل إحياءً فضفاضًا بدون اتجاه استراتيجي واضح؟

كما أن الانفصال المتزايد عن المؤسسات الدينية التقليدية ملحوظ أيضاً، فالناشطون الشباب أقل ميلاً إلى اتباع السلطة الدينية، ويستمدون بدلاً من ذلك الإلهام من الحركات الشعبية والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعيد هذا التحول تعريف الارتباط بين التدين والسياسة، حيث يعمل الإيمان كدافع أخلاقي وأيديولوجي بدلاً من العقيدة الجامدة.

وتمثل تجربة هيئة تحرير الشام في إدلب تحولاً عن الإيديولوجية السلفية الجهادية مع انخراطها بشكل متزايد في الحكم المحلي، وهذا التحول يُدفع بالضرورة العملية لا الإيديولوجية، حيث تم تفويض الحكومة الجديدة إلى النخب المدنية بسبب قيود الموارد.

ويسهل هذا التحول أيضاً إشراك التكنوقراط والقادة الثوريين الشباب، وكما زعمت سابقًا، غالبًا ما تفتقر الحركات الإسلامية إلى إطار سياسي واقتصادي ملموس، يمكن وضعه جانبًا بسهولة عندما تواجه حقائق الحكم.

التحولات في المواقف

لقد انخرطت القوى الغربية والحلفاء الإقليميون مؤخراً في مفاوضات مع منظمات كانت قد وصفتها ذات يوم بأنها إرهابية.

فمثلاً ضمنت حركة طالبان انسحاب الولايات المتحدة من خلال المفاوضات المباشرة، كما انخرطت المملكة العربية السعودية في مفاوضات مع الحوثيين بعد تعرضها لهجمات على بنيتها التحتية النفطية، وحتى دولة الاحتلال تتفاوض الآن عبر قطر ومصر والولايات المتحدة مع حماس، وهي المنظمة التي تصفها بأنها “إرهابية”.

وبالمثل، فالشرع الذي تم تصنيفه ذات يوم على أنه إرهابي تمت إعادة تأهيله بعد دوره في سقوط الأسد، وقد انخرطت الحكومات الغربية والإقليمية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ومصر، مع إدارته في دمشق.

إن هذه التحولات تكشف عن المرونة السياسية لوصف “الإرهابي”، مما يثير تساؤلات حول الوضع المستقبلي للحركات الإسلامية

فهل يمكن لهذه الأمثلة وغيرها أن تدفع الأنظمة العربية إلى إعادة النظر في تصنيفها لبعض الجماعات الإسلامية كمنظمات إرهابية؟ هذه الأنظمة تتعامل الآن مع القيادة السورية الجديدة، وقد قبلت حكم طالبان في السابق، وما زالت غير قادرة على التحرك إذا أرادت تجاوز حماس بعد اتفاق الهدنة المؤقتة.

كان دمج الإسلاميين في سياقاتهم الوطنية نتيجة رئيسية أخرى للربيع العربي، حيث أجبرهم صعودهم إلى السلطة والمنافسة السياسية على إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية على الأممية الإسلامية.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإقناعه بخلاف ذلك، فإن الشرع يعترف بالحاجة إلى تعزيز هذا التوجه الوطني بين الإسلاميين السوريين على حساب الإيديولوجية الأممية التي حددت حركتهم طوال القرن العشرين أو على الأقل، إعادة تفسيرها من خلال عدسة وطنية.

يتمثل أحد الجوانب الرئيسية للتجربة السورية في أن منظمات مثل أحرار الشام وهيئة تحرير الشام قد طورت استراتيجية محلية فريدة، على الرغم من انخراطها في صراع مسلح ضد نظام الأسد.

وفي حالة هيئة تحرير الشام، فإن لها جذور أيديولوجية وهيكلية في تنظيم القاعدة، لكن أهدافها وتبريراتها بقيت مرتبطة بالسياق السوري، وتركز في المقام الأول على مواجهة نظام الأسد.

ما بعد الأيديولوجيا التقليدية

وكمثل حال طوفان الأقصى، فإن التجربة السورية تشير إلى تحول يتجاوز الأطر الإيديولوجيات التقليدية وتتحرك إلى ما هو أبعد من الاستقطاب القديم الذي كان يركز على “الهوس بالإسلاموية”.

لقد اعتمدت النخب الراسخة ذات يوم على هذه الانقسامات للحفاظ على نفوذها، ومع ذلك، فإن هذا التحول قد يمهد الطريق لاستجابات إسلامية تفتقر إلى الأطر الإيديولوجية الجامدة والروابط بالمنظمات التقليدية.

إن الاتجاه اللافت للنظر هو كيف يسعى الداعمون الإقليميون والدوليون لسوريا إلى تجريد الجهات الفاعلة من وصفها الإسلامي بدلاً من مواجهة عناصرها المتطرفة بشكل مباشر، ويتم ذلك من خلال الاحتواء والعقوبات وإدارة تدفقات المساعدات في أعقاب الدمار الذي خلفه النظام السابق على غرار النهج الذي اتبعته حماس، وإن كان بموقف أكثر استبعاداً.

تكشف هذه الديناميكيات تكشف عن عجز المنظمات الإسلامية التقليدية عن معالجة الحقائق المجتمعية الجديدة والتحولات الجيوسياسية الزلزالية فكرياً أو تنظيمياً أو سياسياً، وفي الوقت نفسه، فقد أعادت إشعال النقاش حول تقاطع التدين والسياسة، وهكذا أخذت الأجيال الشابة تعيد تعريف المشاركة السياسية من خلال أساليب مبتكرة.

ففي أعقاب طوفان الأقصى، تم تحدي سرديات الاحتلال، وأصبحت أنشطة المقاطعة شكلاً من أشكال المقاومة التي تربط بين خيارات المستهلكين والسياسة، واكتسبت عمليات جمع التبرعات الشعبية للفلسطينيين زخماً لافتاً.

تتسق هذه الجهود مع ما أسميته “ما بعد السياسة” أو “السياسة الثانوية”، إلا أن قدرتها على تعطيل سلطة الدولة واضحة، كما رأينا في كينيا وبنغلاديش والسنغال، ومؤخراً في سوريا.

إن الموجة الجديدة من الأفراد المتدينين تدخل السياسة من خلال طرق متعددة، مما يدل على مدى سهولة ترجمة التدين إلى عمل سياسي، وهذا بحد ذاته يشكل تحدياً للأنظمة العربية، التي بنت استراتيجياتها على نزع الطابع السياسي عن المجتمع، واتبعت فصل الإسلام السياسي عن السياسة كتكتيك أساسي، إلا أن الأحداث لا تزال تؤكد على ارتباطهما العميق بدلاً من أي انقسام حقيقي.

إن المعضلة الحقيقية التي تواجه هذه الأنظمة هي صعود التدين الشديد المرتبط بشكل متزايد بالمجال العام، والذي يزداد قوة يوماً بعد يوم، ولكنه يفتقر إلى القنوات الرسمية للإصلاح الهادف.

وأخشى أن يعتمد النموذج الناشئ المتمثل في طالبان وحماس وهيئة تحرير الشام في نهاية المطاف على القوة المسلحة لفرض التغيير، حيث تظل جميع السبل الأخرى للإصلاح مسدودة بصرامة.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة