هل تكثف أوروبا أخيراً ضغوطها على إسرائيل؟

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

في غضون بضعة أسابيع، ستدخل الحرب الوحشية على غزة شهرها الخامس، ومن المفيد أن نتساءل ما إذا كان هناك تحول في مواقف الاتحاد الأوروبي وغيره من اللاعبين تجاه هذا الصراع.

جاء الدليل الأول على أن شيئا ما قد يتغير من ورقة سرية غير رسمية وزعتها الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية “EEAS” على الدول الأعضاء خلال مفاوضات مغلقة في كانون ثاني/ يناير لكنها لم تحظ بانتشار واسع، وتسعى الوثيقة إلى تحديد الخطوات العملية لإعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط.

لم يكن هدف الوثيقة السياسية البحتة معالجة هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما تلا ذلك، أي إطلاق إسرائيل العنان لحرب إبادة جماعية على غزة، بل كانت تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967.

لقد اعترفت الورقة أخيراً بواقع العنف المأساوي الإسرائيلي اليومي ضد الشعب الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية الذي استمر لعقود قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر وإن لم تتناوله بشكل كبير 2023، وكذلك تناولت العنف الناجم عن العدوان الإسرائيلي على غزة على مدى الأشهر الأربعة الماضية.

إن حقيقة إمكانية إصدار وثيقة كهذه من قبل هيئة تديرها أورسولا فون دير لاين كان في حد ذاته معجزة، فخلال الأشهر الأربعة الماضية، ومع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الخامس، بدت رئيسة المفوضية الأوروبية وكأنها تردد أسطوانة مكررة لشعار أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.

وفي الوقت نفسه، لم تتمكن فون دير لاين من التلفظ بكلمة واحدة تتعاطف مع آلاف المدنيين الفلسطينيين الذين قضوا في هذه الحرب ومعظمهم من النساء والأطفال، بل إنها كانت في بعض الأحيان تقدم كلاماً غير صادق من خلال طلب انتقام متكافيء، لكنها لم تكن قادرة على النطق بكلمة “وقف إطلاق النار”.

إن أقل ما يمكن قوله هو أن فون دير لاين كانت تتمتع بصحبة جيدة، وكانت تحيط بها القوى الكبرى في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ناهيك عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

خطة السلام

الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في الورقة غير الرسمية هو الفقرة 11، التي تقول: ” بمجرد الانتهاء من خطة السلام، ينبغي تقديمها إلى الأطراف المتنازعة التي يتوجب عليها التفاوض على الصيغة النهائية، ومن أجل تعزيز تلك المفاوضات، يجب على الدول والمنظمات الدولية أن تساهم في تلك المرحلة أن تحدد العواقب التي يتصورون ربطها بالمشاركة أو عدم المشاركة في خطة السلام”.

إن أهم ما يمكن ملاحظته في هذه الفقرة هو:

أولاً، يجب أن تشرف مجموعة من الدول والمنظمات الدولية على خطة السلام هذه، ولا ينبغي أن تترك في أيدي الولايات المتحدة وحدها.

وهذا أمر منطقي ببساطة لأن العدالة في عملية السلام التي تديرها الولايات المتحدة وحدها غير مضمونة باعتبارها ليست وسيطاً نزيهاً في نظر أغلبية العرب، ويمكن لعملية تديرها مجموعة اتصال أو دول ومنظمات دولية أخرى أن تحظى بضمانات أفضل.

سيكون ذلك خروجاً جذرياً عن الممارسة المألوفة في العقود القليلة الماضية، حيث كانت الولايات المتحدة تدير عملية السلام وتتكون حصرياً من إسرائيل التي تبلور الأفكار وتسلمها إلى واشنطن التي تعمل بعد ذلك على صياغتها في اقتراح سلام وتقديمه للفلسطينيين كخطة أمريكية، مقسمة أنه لم يتم الاتفاق على بنودها مسبقًا مع إسرائيل.

وكلما اعترض الفلسطينيون الذين يدركون تماماً اللعبة الأميركية الإسرائيلية، فإن الإدارات الأميركية عادة ما تلومهم على إضاعة الفرصة المتاحة لهم.

لقد أعادت الورقة الأوروبية إنشاء مجموعة اتصال مثل المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا)، والتي قامت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بصياغة ما يسمى بخريطة الطريق والتي لم تصل إلى أي مكان مع الأسف، علماً بأن الحكومة الإسرائيلية قدمت 15 اعتراضاً على خارطة الطريق لإفراغها من أي معنى دون تحمل أي عواقب من واشنطن وأعضاء الرباعية الآخرين.

ومع ذلك، فإن العنصر الأكثر أهمية في الفقرة 11 هو أنها أوضحت إمكانية إلقاء العواقب على أحد الطرفين أو كليهما إذا لم يشاركا في خطة السلام، وهذا يعني ضمناً ولأول مرة أن الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية كانت مستعدة للنظر في العواقب؟ ضد إسرائيل إذا رفضت أو لم تتعامل مع المقترحات.

ولم يواجه الاتحاد الأوروبي أي مشاكل في الماضي في فرض عقوبات على الفلسطينيين، لكنه لم يفكر قط في مثل هذا الخيار بالنسبة لإسرائيل، فهل نشهد بداية النهاية لسياسة الإفلات من العقاب التي تمتعت بها إسرائيل منذ عقود؟

إسرائيل تخسر معركة الرواية

علاوة على ذلك، اتخذ الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مبادرة شجاعة في الأسابيع القليلة الماضية للتنديد بالتصريحات السابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي تناول فيها موضوع تمويل حماس بهدف زيادة تقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية وتقويضها. وفي الآونة الأخيرة، طلب بوريل من الولايات المتحدة تقديم “أسلحة أقل” لإسرائيل.

وجاء الدليل الثاني الذي يشير إلى أن شيئاً ما قد تغير في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير، عندما قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن المملكة المتحدة تدرس الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.

ووصف هذا الخيار بأنه دليل على “التقدم الذي لا رجعة فيه” نحو حل الدولتين، ويعني هذا التوضيح ضمناً أن لندن يمكن أن تكون مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل تحقيق حل الدولتين.

وبعبارة أخرى، سيكون ذلك بمثابة صفعة على وجه إسرائيل وعلامة ملموسة على الالتزام تجاه التطلعات الفلسطينية، ومن غير المعروف ما إذا كان تصريح كاميرون قد تم الاتفاق عليه مسبقاً مع البيت الأبيض أم لا، ولكن سيكون من الجيد الاعتقاد بذلك.

وأخيراً، طالبت 26 دولة من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي والتي رفضت المجر الانضمام إليها بعقد هدنة إنسانية في غزة، وألا تمضي إسرائيل قدماً في هجومها العسكري المخطط له على رفح، كما منعت المجر فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي على المستوطنين الإسرائيليين العنيفين.

يبدو أن شيئاً ما يتغير، لأن الأمر الذي أدى إلى استشهاد ثلاثين ألف مدني فلسطيني حتى تعيد أوروبا النظر في موقفها هو أمر مخز، ولكن دعونا نأمل أن يسير الاتحاد الأوروبي الآن على المسار الصحيح.

وفي الوقت نفسه، تعكف الولايات المتحدة على صياغة قرار خاص بها في مجلس الأمن الدولي بشأن غزة، وفي نصه، تُستخدم كلمة وقف إطلاق النار لأول مرة في الدبلوماسية الأمريكية وتنص على عدم المضي قدمًا في الهجوم على رفح.

ومع ذلك، ومن أجل عدم ترك حجر واحد دون أن نقلبه في اكتشاف دفاعها المحموم عن إسرائيل في الأمم المتحدة، استخدمت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء حق النقض للمرة الثالثة لمنع قرار في مجلس الأمن بقيادة الجزائر يطالب بوقف إطلاق النار، لقد نطقت الولايات المتحدة بالعديد من الكلمات الجميلة في الآونة الأخيرة، ولكن المهم هو أفعالها، وهي تتحدث عن نفسها.

إذا تم أخذ هذه المؤشرات فرادى فقد لا تضيف الكثير، لكنها مجتمعة توفر إحساساً واضحاً بأن المزاج العام يتغير وأن إسرائيل بدأت تخسر معركة الرواية على الأقل.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة