بقلم سينز ماثيوز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لطالما وصفت الولايات المتحدة زعيم حماس الراحل يحيى السنوار بأنه “عقبة لا يمكن التغلب عليها” أمام وقف إطلاق النار في قطاع غزة، غير أن مقتله أدى في الواقع إلى رفع الحجاب عن رغبة إسرائيل بمواصلة حربها على غزة!
في تصريحاتهم لموقع ميدل إيست آي، رأي مسؤولون أمريكيون أن مقتل السنوار يمكن أن ينشط محادثات وقف إطلاق النار، مؤكدين أن الولايات المتحدة قد تواصلت بالفعل مع قطر ومصر لمعرفة ما إذا كان من الممكن إحياء المفاوضات.
وعلى الجانب الآخر، يرى محللون آخرون أنه من غير المرجح أن يؤثر موت السنوار في تحريك ملف المفاوضات، ذلك أنه غير مرتبط بتغيير دوافع إسرائيل بمواصلة قصف القطاع المحاصر، بل في الواقع فإن موته ربما يزيد من التصعيد الإسرائيلي داخل غزة.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار مدير الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في معهد الشرق الأوسط، خالد الجندي، إلى أن “السنوار كان بالتأكيد عقبة أمام التوصل إلى اتفاق، لكن العقبة الرئيسية هي نتنياهو الذي اغتال وصعد هذه الحرب عند كل فرصة، ولو كان السنوار هو السبب الرئيسي لعدم التوصل إلى اتفاق، فلماذا إذن ما زال ملف التفاوض عالقاً رغم خروجه من الصورة؟!”.
منذ قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن في شهر مايو الماضي بالكشف عن تفاصيل مقترح اتفاق لوقف إطلاق النار مكون من 3 مراحل، تراجعت الفرصة حول التوصل إلى اتفاق حتى اختفى الاتفاق تماماً، وتراجع حماس البيت الأبيض لذلك، حيث أكد بايدن في آخر تصريحاته أن الولايات المتحدة قد تكون قادرة على إنهاء القتال بين حزب الله وإسرائيل، لكن وقف إطلاق النار في غزة “هو الأصعب”.
شروط إسرائيلية تعجيزية
وفقاُ لمحللين، فإن كلاً من حماس وإسرائيل قد أخذتا في المفاوضات مواقف متشددة في بعض الأحيان، حيث قام كلا الجانبين بتغيير تفاصيل كما كان هناك خلاف حول توقيت إطلاق سراح الأسرى وسحب القوات الإسرائيلية من غزة.
وعلى عكس الكثير من قيادة حماس السياسية المتمركزة في قطر، فقد كان السنوار، الذي كان يقود القوات على الأرض في غزة، يعتبر متشدداً في آرائه حيث أن موقفه كان يشكل تصويتاً حاسماً على أي اتفاق.
من وجهة نظر السنوار الاستراتيجية، فإن حماس، التي تحكم القطاع منذ عام 2007، كان لديها الوقت من جانبها للضغط في المحادثات لأن إسرائيل بدأت تتعرض لعزلة دولية بعد 7 أكتوبر عام 2023، وذلك نتيجة لحملة القصف المدمرة على قطاع غزة.
لقد أثار اغتيال هنية سؤالاً مهماً، فلماذا قتلت إسرائيل أحد قادة حماس الذي كان على استعداد للتفاوض على صفقة كان يمكن أن تكون وشيكة جداً؟
من جانبه، فقد عزى سفير الأردن السابق لدى إسرائيل، مروان المعشر، فشل الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار إلى “عوامل أخرى تتعدى شخصية السنوار، حيث أن هناك فجوات جوهرية بين حماس وإسرائيل” على حد تعبيره.
أول هذه الفجوات هي الخطوات التي اتخذتها إسرائيل لضمان الأساس للاحتلال الدائم لقطاع غزة خلال العام الماضي، حيث قامت إسرائيل بتدمير مساحات واسعة من المساكن السكنية لإنشاء منطقة عازلة على طول محيط غزة مع إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، فقد قامت إسرائيل بتحصين قواتها في منطقتين استراتيجيتين على الأرض، أولهما ممر فيلادلفيا، وهو ممر يبلغ طوله 14 كيلومتراً بين غزة ومصر تدعي إسرائيل أن حماس تستخدمه لتهريب الأسلحة، وثانيهما ممر نتساريم، وهي منطقة ضيقة اقتطعتها إسرائيل لفصل شمال غزة عن جنوبها.
لقد كان أحد الدوافع الرئيسية الأخرى لإسرائيل طوال محادثات وقف إطلاق النار هو حماية مطلبها باستئناف القتال في غزة وقتما تشاء، حتى بعد أن أعادت حماس الرهائن، كما عرضت تنازلات تكتيكية على حماس لاستعادة الرهائن لديها، لكن إصرارها على احتلال غزة ورفض الموافقة على وقف دائم الأعمال العدائية كان هو العقبة الرئيسية أمام وقف إطلاق النار.
يرى الخبراء أنه “لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يقبل بما تريد إسرائيل فرضه، خاصة حماس، فإسرائيل تقول لحماس (عليكم إطلاق سراح جميع الرهائن وبعد أن تفعلوا ذلك سنعود ونقتلكم)، ولا علاقة لقتل السنوار برفض حماس للفكرة من عدمه”.
“جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي في غزة”
رغم ذلك، فقد وافقت حماس على معظم شروط إسرائيل في ربيع عام 2024، فقد كانت الحركة تمر بمرحلة ضغط، وكانت إسرائيل قد عزلت غزة فعلياً بعد الاستيلاء على رفح في مايو الماضي، كما انتشرت المجاعة في أجزاء من القطاع، وتضرر أو دمر ثلثا مباني القطاع.
“نتنياهو يتقدم في استطلاعات الرأي وقد استعاد كل ما فقده، ولذلك فليس لديه مصلحة في وقف إطلاق النار”! – مروان المعشر- السفير الأردني السابق في إسرائيل
لقد كانت مرونة حماس هي التي خلقت مساحة للتوصل إلى اتفاق، حيث أرسلت الولايات المتحدة كبير مفاوضيها، مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، إلى روما للقاء مسؤولين إسرائيليين وقطريين ومصريين، شريكي واشنطن العربيين في التواصل مع حماس التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية.
الحقيقة أن إسرائيل رفضت التنازل عن ما قدمته سابقاً من سحب قواتها من أجزاء من غزة، بما في ذلك ممر فيلادلفيا، ثم قامت بعد ذلك في 31 يوليو باغتيال زعيم حماس، إسماعيل هنية، في هجوم وقح على طهران.
لقد أثار اغتيال هنية سؤالاً مهماً، فلماذا قتلت إسرائيل أحد قادة حماس الذي كان على استعداد للتفاوض على صفقة كان يمكن أن تكون وشيكة جداً؟
من جانبها، ألقت الولايات المتحدة باللوم على حماس عندما انهارت المحادثات، لكن الحقيقة أن إدارة بايدن هي التي جعلت الولايات المتحدة تفشل في استخدام أقوى أشكال نفوذها مع حليفتها لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات.
منذ 7 أكتوبر عام 2023، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 17.9 مليار دولار، وفي الوقت نفسه، لم تكن لتلتقي بحماس على الإطلاق، وهنا يطرح سؤال نفسه، فما مدى فعالية الوسيط إذا لم يفرض أي تكاليف على إسرائيل؟
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أكد أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، فواز جرجس، أنه “على الرغم من أمنيات أمريكا وصدق رغبتها في وقف إطلاق النار، إلا أن ذلك لن يحدث، حيث أن الولايات المتحدة لا تقبل أن تكون وفق الشروط التي تريدها إسرائيل.
ويعد قيام الولايات المتحدة بحجب الأسلحة عن إسرائيل سابقة لم تتكرر إلا نادراً، حيث أوقف الرئيس الأمريكي رونالد ريغان تسليم قذائف المدفعية والقنابل العنقودية لإسرائيل عندما غزت لبنان عام 1982، وفي العام التالي، اشترط على إسرائيل الانسحاب من لبنان مقابل تزويدها بطائرات إف-16.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون تحدثوا مع موقع ميدل إيست آي، أن الإدارة الامريكية تعتقد أن هناك الآن فرصة ضيقة لوقف إطلاق النار لأن مقتل السنوار أضعف موقف حماس أكثر، فيما يرى جرجس أن وجهة النظر هذه هي السبب وراء فشل الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق في المقام الأول!
يعتقد الأمريكيون والإسرائيليون أن مقتل السنوار قد هز حماس وصدمها مما سوف يجعلها تستسلم ، ومن ثم يسهل تنفيذ الخطة الأساسية وهي تطهير غزة من حماس، إلا أنهم لا يدركون أن “حماس جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي في غزة”.
أما شركاء الولايات المتحدة العرب، والذين ينظرون بازدراء إلى حماس باعتبارها حركة إسلامية شعبوية خطيرة، وعلى رأسهم الإمارات التي قالت علناً أنها سترسل قوات إلى غزة كجزء من خطة ما بعد الحرب، فهم جزء من الخطة ضد حماس، فالشخص الإماراتي المعني بغزة هو الرجل الفلسطيني محمد دحلان، الزعيم السابق للسلطة الفلسطينية وله بعض العلاقات مع مسؤولي حماس.
الحقيقة أن موت السنوار لن يؤدي إلا إلى تشديد مواقف إسرائيل حول حماس وغزة، فقد احتفل الإسرائيليون في الشوارع بإعلان وفاة السنوار.
لقد تركت هجمات 7 أكتوبر عام 2023 آثاراً على الإسرائيليين، خاصة وأن الجمهور الإسرائيلي كان أصلاً منجرفاً نحو اليمين قبل اندلاع الحرب على غزة.
في تصريح له، يرى السيناتور الأمريكي، كريس ميرفي، أن قبضة نتنياهو على السلطة اليوم باتت تعتمد على عدم وقف إطلاق النار في غزة، فليس هناك من شك في أن الحرب قد أدت إلى إحياء حظ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، السياسي، فعلى حد وصف المعشر، فإن “نتنياهو يتقدم في استطلاعات الرأي وقد استعاد كل ما فقده، ولذلك فليس لديه مصلحة في وقف إطلاق النار”!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)