وادي رم الساحر… تحفة طبيعية أردنية مساراتها تمتد إلى أعماق التاريخ!

بقلم مارك إسبانيول

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الحدود الجنوبية للأردن، تقع أرض الوديان الشاسعة المليئة بالتلال الرملية المبهرة في ألوانها وتدرجاتها والجبال التي تتوجها قمم تطل على الصحارى الممتدة الواسعة، وتسمى وادي رم.

في الماضي، كانت تلك الأرض جزءاً من السعودية، ثم تحولت إلى أرض أردنية عام 1965 بعد اتفاقية حدودية حصلت فيها الأردن على 18 كيلومتراً إلى الجنوب تشمل امتداد الساحل على طول خليج العقبة.

كان التقسيم الحدودي الجديد آنذاك غريباً على القبائل التي كانت تقوم بترسيم الحدود في المنطقة بطريقتها التقليدية، كما أن التعديل الجديد كان يعني أن جبل أم الدامي الذي كان تلة صغيرة بالنسبة للسعودية، صار أعلى جبل في الأردن على ارتفاع 1854م، متجاوزاً جبل رم المجاور له.

 جبل رم أحد أكثر المناطق الأسطورية في الأردن بل في العالم، بسبب كثرة الينابيع الدائمة فيه وامتدادات النباتات البرية والقطعان من حيوان الوعل البري

تحولت هذه المنطقة الخلابة اليوم إلى جزء من طريق وادي رم، التي يمكن استكشافها والتمتع بطبيعتها الفريدة عبر مسار حديث للمشي لمسافات طويلة داخل الأردن، ويعتبره الأردنيون شيئاً جديداً بالنسبة للمنطقة، لأنه يختلف عن الرحلات المعروفة بسيارات الجيب في المنطقة، فهو مسار مشي يختبئ بين الجبال والوديان.

ويربط الطريق، الذي تم افتتاحه رسمياً في فبراير 2023، على طول 120 كم من طرق الرعي والصيد والتجارة والسفر بل وأجزاء من مسار الحج إلى مكة قديماً، وطرق القوافل القديمة وبعض خطوط التسلق في المنطقة، فكل جزء له قصته الخاصة كما يقول أهل المنطقة.

“الحجر الرملي الأشهر حول العالم”

قد يستغرق المسار، الذي يعد نتيجة مشروع تعاوني بين العائلات البدوية في وادي رم ومتطوعين، حوالي 10 أيام مشياً على الأقدام، حيث يمر المسار عبر منطقة وادي رم المشهورة عالمياً بحجارتها الرملية الساحرة الألوان والتدرجات، ثم يمر بسهول شاسعة وأودية ضيقة وقمم شاهقة، وفي المجموع يغطي المسار مساحة تبلغ 450 كم مربع، مقسمة إلى 6 مناطق لتسهيل التعرف على جغرافيا المنطقة وتخطيط مسارات الرحلات.

تتمركز إحدى هذه المناطق الست حول جبل رم، أحد أكثر المناطق الأسطورية في الأردن بل في العالم، بسبب كثرة الينابيع الدائمة فيه وامتدادات النباتات البرية والقطعان من حيوان الوعل البري.

 قسم آخر من المسار يمتد إلى واحدة من أكبر وأشهر السلاسل الجبلية في الشرق الأوسط، سلسلة جبال الحجاز، الممتدة على طول ساحل البحر الأحمر من العقبة إلى اليمن وفي قلبها مكة والمدينة المنورة، مهد بداية الإسلام، حيث يعد المشي في الحجاز أشبه بالسير في الوطن التاريخي لقبائل البدو التي انتقلت واستقرت عبر قرون في مناطق بعيدة شمال أفريقيا ومصر والشام، فجميع القبائل تقريباً ترجع جذورها إلى سلسلة جبال الحجاز هذه.

إرث التسلق

يعد مسار وادي رم أول مسار للمشي لمسافات طويلة في الشرق الأوسط يتضمن تسلق الصخور حقيقياً، على الرغم من وجود طرق بديلة لمن يفضلون تجاوز ذلك، ويحاكي المسار تقليد بدو المنطقة التاريخي الذين كانوا يصعدون الجبال حفاة، وغالباً ما يكونون بمفردهم بحثاً عن أفضل المناطق للصيد، والوصول إلى منابع الماء والاختباء وجمع النباتات لإطعام حيواناتهم.

“مسار وادي هدية للشعب، حيث يمكنهم أن يجدوا الجمال في الجبال وينعموا بالصمت والسلام، بالإضافة إلى قضاء المزيد من الوقت مع البدو” – راكان الزلابية- مرشد تسلق 

 يقولون “إذا لم تتسلق الجبال فلن تعيش حياة طيبة”، وسلاسل الجبال الطيبة تلك كان الكثير منها موجوداً في وادي رم، قبل أن تندثر وتختفي، ويمكن القول أن مساراً يشتمل على تسلق الصخور لابد أن يكون أكثر صعوبة من أي مسار آخر، ولكنه مغامرة مثيرة أيضاً خاصة في استكشاف إرث المنطقة.

سياحة بطيئة

أصبحت السياحة في وادي رم في العقد الأخير، صناعة مزدهرة تجلب مئات الآلاف من الزوار سنوياً بالإضافة إلى مزايا اقتصادية كبيرة، لكنه يجلب معه أيضاً تغييرات في المناظر الطبيعية وجوانب الحياة المجتمعية وهي لا تكون إيجابية بالضرورة دائماً، فمن يزور المنطقة من خارج الأردن يأتي لأيام قليلة ويبحث عن برنامج مضغوط سريع الخطى، بسيارات الدفع الرباعي والخيم المبنية مسبقاً.

أما مسار وادي رم، فهو يهدف إلى الترويج لنوع مختلف من السياحة المجتمعية، وإحياء طرق تربط بالماضي التقليدي للمنطقة، أكثر بطئاً وأكثر تقليدية، تساعد في الحفاظ على البيئة وزيادة الوعي بالتراث المحلي القديم، فقد تم بناء المسار إيماناً بأن السياحة يمكنها أن تتعمق بالمنطقة وتعزز علاقة عفوية أصيلة بين الزوار وأهل المنطقة المحليين.

ويهدف مسار وادي رم أيضاً إلى المساهمة في الحفاظ على المعارف والمهارات المحلية، فهوية البدوي لا زالت قوية هناك، ولكن القليل من الشباب من يعرف مسارات الأرض ومصادر المياه والنباتات والحيوانات المحليةن فضلاً عن الأسماء والقصص والأساطير.

وفقاً لمرشد التسلق وأحد مؤسسي المسار، راكان الزلابية، فإن مسار وادي “هدية للشعب، حيث يمكنهم أن يجدوا الجمال في الجبال وينعموا بالصمت والسلام، بالإضافة إلى قضاء المزيد من الوقت مع البدو”، خاصة وأن طرق المسار النائية والصحراوية القاسية في بعضها يصعب السير فيها دون مساعدة محلية.

وادي رم موطن العديد من العائلات البدوية من قبائل عنزة وبني عطية والحويطات وترابين، قبائل يعتبر خبراء الآثار والتاريخ وجودهم مهماً في الحفاظ على السياحة المستدامة في مناطقهم، من خلال استفادتهم واهتمامهم بمكونات بيئتهم من حيوانات ونباتات وموارد طبيعية.

يوجد لمسار وادي رم توأمان آخران، مسار سيناء ومسار جبال البحر الأحمر وكلاهما في مصر، ويجمعها جميعاً ملامح الطبيعة الصحراوية وثقافة البدو المشتركة رغم اختلاف البلدان اليوم.

ويحتاج المغامرون في مسار وادي رم، بالإضافة إلى مساعدة المرشدين والبدو المحليين، إلى حمل كل ما هو مطلوب للرحلة، من خيام وطعام وماء، وقد يحملونها عبر سيارات الدفع الرباعي أو الجِمال وهو ما ينصحون به غالباً، حيث أن الجِمال لطالما كانت رفيقاً رئيسياً للبدو عبر التاريخ.

ولا يعد مسار وادي رم مملوكاً لجهة خاصة، بل تم إنشاؤه كمشروع مجتمعي للمنطقة، تم على إثر ذلك إنشاء منظمة “مسار وادي رم” كمجموعة تطوعية للإشراف على تطوير رحلات المسار وإداراتها وإنتاج الموارد العامة وزيادة الوعي بهذا النوع الجديد من السياحة في وادي رم.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة