وقف تمويل الأونروا يظهر تواطؤ القوى الغربية في الإبادة الجماعية في غزة!

بقلم حسن البصري بلبل

ترجمة وتحرير مريم الحمد

بعد أن وجدت أن خطر الإبادة الجماعية أمر معقول، قضت محكمة العدل الدولية لصالح اتخاذ إجراءات مؤقتة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، فأمرت المحكمة إسرائيل بالامتناع عن أنشطة الإبادة الجماعية ومنع ارتكابها ومعاقبة من يحرض عليها.

لقد أمرت المحكمة إسرائيل أيضاً باتخاذ تدابير فورية لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في ظل الظروف المعيشية التي يواجهها الفلسطينيون اليوم في قطاع غزة.

لقد كان إيصال المساعدات للقطاع المحاصر أوضح إجراء اتخذته المحكمة، ومع ذلك فقد أصبح غير فعال بسبب تعليق تمويل الأونروا

وخلال أقل من 48 ساعة من القرار، أعلنت 9 دول مانحة للأونروا، تعليق تمويلها للهيئة الاممية المسؤولة عن غوث وتشغيل اللاجئين، على رأسها الولايات المتحدة ومعها المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا وأستراليا وكندا.

لقد كان إيصال المساعدات للقطاع المحاصر أوضح إجراء اتخذته المحكمة، ومع ذلك فقد أصبح غير فعال بسبب تعليق تمويل الأونروا بناءً على ادعاءات بأن 12 من أصل 13 ألف موظف في الأونروا شاركوا في هجمات 7 أكتوبر ضد إسرائيل.

وفي الوقت الذي كان فيه العالم يتوقع من الحكومات الغربية إعادة النظر في دعمها المطلق لإسرائيل بعد حكم محكمة العدل الدولية، قررت تلك الدول نقل موقفها من الشعب الفلسطيني من خطر الإبادة الجماعية إلى مستوى آخر، بقرار صادم سوف يعرض حياة مئات الألاف في غزة لخطر الجوع وتفاقم الأزمة الإنسانية!

خطر المجاعة

تعد الأونروا شريان الحياة لغزة، فهو قطاع صغير مكتظ باللاجئين وأحفادهم، حيث يبلغ عدد اللاجئين حوالي 1.7 مليون من إجمالي عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة، يعتمدون بشكل كبير على مساعدات الأونروا وخدماتها.

وفي الحرب الحالية، فجميع سكان القطاع معرضون لخطر المجاعة والطاعون، بعد تدمير إسرائيل لنظام الغذاء والرعاية الصحية بشكل كبير.

“في اليوم التالي لحكم محكمة العدل الدولية، قررت بعض الدول وقف تمويل الأونروا، مما أدى إلى عقاب جماعي لملايين الفلسطينيين في أحلك الأوقات، وبالتالي مساعدة إسرائيل في انتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”

فرانشيسكا ألبانيز- المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة

تسببت الحرب على غزة في نزوح قسري واسع النطاق مما أدى إلى إرهاق عمليات الأونروا، كما قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 152 من موظفي الهيئة الأممية ، ناهيك عن الجرحى.

في ديسمبر الماضي، حذر المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، في رسالة إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أن الوكالة على حافة الانهيار، قائلاً: “خلال 35 عامًا من العمل في حالات الطوارئ، لم أكن أتوقع أبدًا أن أكتب مثل هذه الرسالة يوماً وقد تم قتل موظفين من الوكالة وانهيارها بشكل يمنعها من القيام بدورها”.

تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 لا تنص على حظر الإبادة الجماعية فحسب، بل تلزم أيضًا جميع الدول الأطراف بمنعها.

في ظل هذا السياق، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز: “في اليوم التالي لحكم محكمة العدل الدولية، قررت بعض الدول وقف تمويل الأونروا، مما أدى إلى عقاب جماعي لملايين الفلسطينيين في أحلك الأوقات، وبالتالي مساعدة إسرائيل في انتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”.

وقف عمليات الأونروا في هذا الوقت الحاسم فلن يؤدي إلا إلى المساهمة في مزيد من الدمار للشعب الفلسطيني!

إن وقف تمويل الوكالة الأكثر أهمية في القطاع، مع قرار المحكمة الدولية الذي أشار إلى معقولية وجود خطر الإبادة الجماعية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الظروف المعيشية في غزة، خاصة مع استمرار الدعم العسكري لإسرائيل، وبذلك يصبح خطر الإبادة الجماعية محتوماً ولا يوجد ما يمنعها!

ظروف مدمرة

يجب تذكير هذه الحكومات الغربية بأن الإبادة الجماعية، كما حددتها الاتفاقية، لا تنطوي فقط على قتل أعضاء مجموعة معينة أو إلحاق أذى جسدي أو عقلي، بل تشمل أيضًا تعمد فرض أو تجاهل ظروف معيشية ناتجة عن الدمار المادي، سواء كليًا أو جزئيًا، وما من شك في أن إسرائيل قد خلقت تلك الظروف بالفعل.

من هذا المنطلق، فإن المساهمة عن عمد في تحقق ظروف الإبادة الجماعية في غزة يعني تواطؤ هذه الدول في الإبادة الجماعية، فهناك خطر حقيقي من حدوث إبادة جماعية لحوالي 2 مليون شخص، وهي حقيقة أثبتتها المحكمة الدولية، مقابل تورط مزعوم ليس عليه أدلة بحق 12 موظف في الأونروا في هجمات 7 أكتوبر.

مشكلة اللاجئين

قامت إسرائيل باستهداف الأونروا بشكل متكرر تحت حجة أن  الوكالة هي ذراع الأمم المتحدة لحركة حماس، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة.

تنبع أهمية الأونروا ليس فقط في تقديم المساعدات الإنسانية، بل أيضًا في دعم مطالب اللاجئين الفلسطينيين بحق العودة إلى وطنهم، وهو حق تريد إسرائيل محوه، فطالما الأونروا موجودة، فإن وضعية اللاجئ تنتقل عبر الأجيال بسبب التسجيل لدى الوكالة، وبذلك لن تتخلص إسرائيل أبدًا من عبء مشكلة اللاجئين!

وعلى النقيض من ذلك، فإن الحكومات الغربية لا تدرك حقيقة أن وقف تمويل الأونروا وانهيارها، سوف يجعل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أقرب إلى الوطن بحسب المادة 1د من اتفاقية اللاجئين.

تنص المادة 1 على ما يلي: “لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتلقون في الوقت الحاضر الحماية أو المساعدة من أجهزة أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وعندما تتوقف هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب من الأسباب، يحق لهؤلاء الأشخاص بحكم الواقع الاستفادة من فوائد هذه الاتفاقية”.

هذا يعني أنه إذا أصبحت الأونروا غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، يمكن للاجئين الفلسطينيين تلقائيًا المطالبة بالاعتراف بوضعهم كلاجئين في دول ثالثة، بما في ذلك الدول التي أوقفت تمويل الوكالة.

الحقيقة أن الأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية في غزة لن تدخل حيز التنفيذ إلا عندما يتم احترام نص وروح الحكم ليس فقط من جانب أطراف الدعوى، بل أيضاً من قبل المجتمع الدولي الأوسع، أما وقف عمليات الأونروا في هذا الوقت الحاسم فلن يؤدي إلا إلى المساهمة في مزيد من الدمار للشعب الفلسطيني!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة