يحدث في السودان: الجثث المنتفخة تتعفن في ممرات المستشفيات التي أخرجت عن الخدمة بفعل القصف المتبادل

تواصل القتال لليوم الخامس على التوالي في السودان رغم إعلان وقف إطلاق النار، ليرتفع عدد الضحايا إلى 270 قتيلاً وأكثر من 2600 جريحاً، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

وشهدت العاصمة الخرطوم محاولات الكثير من الأهالي للفرار إلى مناطق أكثر أمنا، في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة أنها لا تملك أي خطط حالية لإجلاء رعاياها بعيدا عن مخاطر القتال.

يأتي كل ذلك وسط تحذيرات دولية من تفاقم الظروف الإنسانية المتعلقة بنفاد المؤن وتعرض المشافي للقصف الكثيف الذي أخرج الكثير منها عن الخدمة، في ظل انهيار المساعي المتعددة للتوصل إلى هدنة توقف تبادل إطلاق النار.

تضرر المستشفيات

وأغلقت العشرات من مستشفيات السودان أبوابها في اليوم الخامس من الاشتباكات الدموية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقالت نهى محجوب، ممرضة في مستشفى الخرطوم، إن المستشفيات تتعرض للقصف، ولا يمكن لسيارات الإسعاف الوصول إلى الجرحى أو أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية طبية.

ظل الطاقم الطبي عالقًا داخل مستشفى الخرطوم لمدة ثلاثة أيام، إلى أن تم إجلاء 30 مريضًا وطبيبًا وممرضًا إلى مستشفيات أخرى.

وأفادت أن بعض الجثث في المستشفيات السودانية قد انتفخت وتعفنت في الممرات بسبب عدم القدرة على نقلها إلى المشرحة وبسبب انقطاع الكهرباء. 

وأوضحت أن مستشفى الشعب التعليمي، الذي كانت تعمل فيه، استُهدف بالقنابل بشكل مباشر، وأن ” قصفا استهدف الجناح الخاص بأمراض الصدر والقلب جرى على إثره اخلاء المستشفى وسط إصابة بعض المرضى”.

وأكدت محجوب أن أحدا لا يعرف سبب استهداف المستشفيات، وأوضحت أن “بعضها قريب من مقرات القوات المسلحة مثل مستشفى الخرطوم الذي علق وسط القتال”.

” ضحايا القتال هم مرضى يحتاجون إلى أكسجين، أو مرضى آخرين في منازلهم بحاجة إلى رعاية عاجلة لمشاكل القلب أو غسيل الكلى”. نهى محجوب – ممرضة في مستشفى الخرطوم.

وتابعت بالقول:” لا يمكننا إرسال سيارات إسعاف لمعالجة هؤلاء المرضى لأن الوضع في الشوارع خطير للغاية، الناس يموتون في منازلهم بسبب نقص الرعاية الطبية، استخدمنا سيارات الإسعاف كمركبات فقط بدون طاقم طبي لنقل وإجلاء المرضى إلى مستشفى آخر “.

وقالت إن بعض المستشفيات التي استقبلت المرضى الذين تم إجلاؤهم، مثل مدينة أم درمان، أغلقت لاحقًا أيضًا، فكان لابد من إجلاء المرضى مرة أخرى.

وبحسب اللجنة المركزية لأطباء السودان، فإن 39 من أصل 59 مستشفى في الخرطوم أصبحت خارج الخدمة حتى مساء الثلاثاء، بينها 16 أخليت فسراً بينما تم قصف تسعة مستشفيات.

مساع لوقف إطلاق النار

وفشلت محاولة جديدة لوقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنة، كانت من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ مساء الأربعاء، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع المتناحرة في السودان.

وفي وقت سابق، أعلنت قوات الدعم السريع السودانية موافقتها على وقف لإطلاق النار لمدة 24 ساعة، بدءًا من الساعة 6 مساءً بالتوقيت المحلي، فيما لم يؤكد الجيش السوداني بعد ما إذا كان سيلتزم بالهدنة المقترحة.

 لكن شهود عيان أكدوا أن عدة مناطق بالعاصمة الخرطوم شهدت استمرار القتال، كما فشلت محاولة لإبرام هدنة أخرى يوم الثلاثاء.

وأعلن الطرفان، أمس، أنهما اتفقا على هدنة لمدة يوم لإجلاء المدنيين، لكن ذلك تحطم بفعل أصوات الطائرات الحربية وطلقات الرصاص ونيران الدبابات، حيث وجه كل طرف الاتهام للآخر بخرق الهدنة.

من جهتها، أصدرت البعثات الدبلوماسية في السودان بيانًا مشتركًا دعت فيه القوى المتناحرة إلى تجنب المزيد من التصعيد وحل القضايا العالقة، في وقت يتوقع فيه وصول قادة الاتحاد الأفريقي إلى الخرطوم مع فشل مساعي وقف إطلاق النار.

ومن بين الموقعين على البيان سفارات كل من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا والنرويج وبولندا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وسويسرا والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ودعت البعثات إلى وقف إطلاق النار وحثت الجيش السوداني والجماعات شبه العسكرية على احترام الالتزامات بموجب القانون الدولي لحماية المدنيين والجهات الإنسانية والدبلوماسيين.

فرار جماعي ومساع للإجلاء

وفيما يواصل الدبلوماسيون الغربيون الضغط من أجل التوصل إلى وقف الاشتباكات، أصدرت الأمم المتحدة تحذيراً جدياً من نفاد الطعام والوقود والإمدادات الحيوية الأخرى.

قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك خلال مؤتمر صحفي إن المدنيين في السودان يعانون من نفاد الغذاء والوقود والإمدادات الحيوية، وأن العديد منهم باتوا بحاجة إلى “رعاية طبية عاجلة”.

وأضاف أنه وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تم إغلاق 16 مستشفى في جميع أنحاء البلاد، محذراً من إمكانية انهيار نظام الرعاية الصحية تماماً.

ونقلت وسائل الإعلام شهادات حية عن سودانيين فروا من أتون القتال في الخرطوم لكن الاشتباكات لاحقتهم إلى المناطق التي لجأوا إليها، ومن بينهم إبراهيم دوما، الذي نزح إلى أم درمان يوم الإثنين، لكنه اصطدم بأعمال العنف هناك.

وقال دوما إنه كان يسمع أصوات القنابل والقذائف وإطلاق النار بالقرب من حي المهندسين جنوب غرب أم درمان التي يقطنها ضباط سودانيون رفيعي المستوى وعائلاتهم، كما تستضيف الطواقم الطبية والهندسية وقوات الإشارة وقاذفات الصواريخ والأكاديمية العسكرية العليا.

وأشار دوما إلى أنه مر بخمس نقاط تفتيش يديرها ضباط من الجيش في طريقه إلى أم درمان وتعرض للاستجواب عليها حول وجهته ومن أين جاء.

“كنا نصوم ونأمل أن ينتهي هذا في غضون ساعات قليلة، كانت لدينا آمال كبيرة في أن يمهد الجيش وقوات الدعم السريع الطريق للانتقال إلى حكومة مدنية، لكن هذه الآمال تبددت الآن”. إبراهيم دوما – مواطن سوداني فر من القتال في الخرطوم إلى أم درمان.

وتواردت أنباء صحفية عن تجميد مهمة عسكرية ألمانية لإجلاء 150 من الرعايا الألمان في الخرطوم يوم الأربعاء بسبب الضربات الجوية والاشتباكات المستمرة التي أجهضت المهمة بعد إرسال ثلاث طائرات ألمانية لتنفيذها الأربعاء.

وأعلنت اليابان إنها تخطط لإجلاء حوالي 60 مواطنا يابانيا، فيما قالت الخارجية الأمريكية إن إغلاق مطار الخرطوم والوضع الأمني غير المستقر يمنعان دخول خطط الإجلاء الحكومية حيز التنفيذ.

وتعرضت قافلة دبلوماسية أمريكية يوم الاثنين لإطلاق نار، على ما يبدو في هجوم لقوات الدعم السريع، بعد وقت قصير من تعرض سفير الاتحاد الأوروبي في السودان لهجوم في منزله بالعاصمة.

وكانت قوات الدعم السريع شبه العسكرية قد أعلنت أنها نقلت الجنود المصريين الذين كانت تحتجزهم في مطار مروي إلى الخرطوم.

وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود على موقع تويتر الخبر، وأبرقت برسالة تطمين لعائلات الجنود مؤكدة أن “جميعهم بأمان ويتلقون الرعاية اللازمة، وسيتم تسليمهم عندما تسنح الفرصة المناسبة”.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد يوم الاثنين أن الجنود المصريين كانوا في السودان لإجراء تدريبات مع نظرائها السودانيين، وأن مصر لا تدعم أي طرف ضد الآخر. 

في الأثناء، أكدت منظمة أطباء بلا حدود، إن مجمعها الطبي في نيالا بمحافظة دارفور تعرض للنهب حيث نقلت سيارات ومعدات طبية منه دون أن تفصح عن الجهة التي ينتمي اليها المسلحون الذين قاموا بعملية النهب.

وقالت المنظمة “نطلب مرة أخرى احترام المنظمات الإنسانية وحماية مبانيها، أولويتنا الآن هي ضمان سلامة موظفينا “.

ومن جانب آخر، نفت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية أي نشاط لها أو انخراط لمقاتليها في المعارك التي تهز البلاد.

وكان دبلوماسيون غربيون في الخرطوم قد أفادوا في مارس / آذار 2022 إن فاغنر تورطت في أنشطة غير مشروعة لتعدين الذهب في السودان، الأمر الذي نفته الخرطوم في ذلك الوقت.

إلى ذلك، اتهمت تقارير غربية وحدات الدعم السريع بإطلاق حملة دعائية على الإنترنت لتعزيز تصريحات رئيس القوات محمد حمدان دقلوا المعروف باسم “حميدتي”، مؤكدة توظيف ما لا يقل عن 900 حسابا تمت سرقتها في تويتر لترويج تلك الروايات.

مقالات ذات صلة