ينتاب الفلسطينيون في قطاع غزة شعور باليأس حيال إمكانية انتهاء العدوان عليهم قبل حلول شهر رمضان المبارك في العاشر من آذار/ مارس من هذا العام.
وفي الوقت الذي كان الفلسطينيون فيه يصلون من أجل تخفيف معاناتهم الحالية، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برؤية جديدة من شأنها أن تزيد من تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وحرمانهم من حقوقهم.
وتوجه موقع ميدل إيست آي إلى الناجين في غزة المحاصرة لسؤالهم عما كانوا يأملون فيه بعد الحرب، ولم يتطلب الأمر من معظمهم كثيراً من التفكير للقول أن ذلك اليوم لازال يبدو بعيداً وأنهم يتعاملون مع ظروفهم يوماً بيوم.
فقد قالت ترنيم حمد أنها تتأمل “الأفضل”، والأفضل بنظرها هو ” الإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة”، لكن الفلسطينية تتوقع ” الأسوأ أيضاً، وهو تشديد الحصار وتوسيع المستوطنات غير القانونية وعدم اتخاذ خطوات ذات معنى لضمان إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة”.
وأضافت حمد: ” في الوقت نفسه، أتوقع أن يقف المجتمع الدولي خلف غزة، وأن يساعد في إعادة بناء البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والمنازل، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتسهيل الانتعاش الاقتصادي”.
وكانت الولايات المتحدة قد وجهت السلطة الفلسطينية في رام الله للاستعداد لتولي مسؤولية غزة، لتبسط سيطرتها مكان سيطرة حماس الفعلية على القطاع، بعد الحرب.
وضمن هذه الاستعدادات، قدم رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية وحكومته استقالتهم في أواخر شباط/ فبراير في خطوة نحو إطلاق إصلاحات للسلطة، بهدف نهائي هو إقامة دولة فلسطينية موحدة بعد الحرب.
من جهتها، تواصل الأمم المتحدة الدعوة إلى حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو المفهوم الذي تدعمه العديد من الدول الغربية والإقليمية.
أما على أرض الواقع، فيبدو هذا الخيار ميتاً حتى قبل وقت طويل من هجوم السابع من أكتوبر، حيث رفضت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة مراراً مثل هذه الدعوات.
ولا تلقى تطلعات سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة إلى مستقبلهم بعد الحرب كثيراً من الاهتمام، حيث يقول الفلسطينيون في غزة إنهم يريدون فقط ما يريده بقية الناس في جميع أنحاء العالم، أي أن يكونوا قادرين على العيش بكرامة.
وفي غزة أيضاً، خلقت الحرب كارثة إنسانية بعدما كانت الحياة صعبة للغاية أساساً جراء الحصار الإسرائيلي طويل الأمد.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما بين 70 إلى 80% من البنية التحتية المدنية بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس ومرافق المياه والصرف الصحي قد دمرت أو لحقت بها أضرار جسيمة بسبب القصف الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وبحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، فإن استعادة الناتج المحلي الإجمالي في غزة يتطلب العمل حتى عام 2092 إذا انتهى القتال على الفور وبدأت جهود إعادة الإعمار على الفور.
من جهتها، ذكرت غادة الصفطاوي، التي تبلغ من العمر 26 عاماً، أن أطفالها هم اهتمامها الرئيسي، موضحةً أن لديها طفلين في السابعة والخامسة من أعمارهما بالإضافة إلى رضيع عمره تسعة أشهر.
وأضافت أن أطفالها الأكبر سنا “سيتذكرون دائما” الحرب، وتابعت: ” ابني الأصغر لن يتذكر، لكنني سأتذكر أنه عاش أكثر من نصف حياته في الحرب حتى الآن، سأتذكر أن غرفة الحضانة الخاصة به تعرضت للقصف، ولم أستطع حتى احتضانه بسلام وهو ينام بين ذراعي”.
وأوضحت الصفطاوي: ” على الرغم من أن الأمر يبدو مرعباً، إلا أننا إذا بقينا على قيد الحياة، فسوف نغادر غزة، لست متأكدةً من أين سنخرج، لكن إسرائيل لم تترك شيئاً لأطفالنا، فقد قصفت مدرستهم، وقصفت منزلنا”.
واستدركت الصفطاوي بالقول: ” لكن قلبي سيبقى إلى الأبد في غزة، إن فكرة مغادرة غزة تبدو وكأنها خيانة، لكن يجب أن أضع مستقبل أطفالي في الاعتبار”.
وأردفت: ” لقد خذلنا العالم، لذلك أعلم أن أطفالي على الأقل سيحصلون على بعض الحقوق الأساسية المحمية بمجرد عبورهم الحدود إلى العالم الخارجي”.
أما حسن سلمي، وهو صحفي يبلغ من العمر 30 عاماً فذكر أن عمله أجبره على ترك عائلته، التي تقطعت بها السبل في شمال غزة منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقال: ” بمجرد انتهاء الحرب، أريد أن أرى عائلتي، أريد أن أملأ خزانات المياه وأحصل على الطعام لهم، أريد أيضاً أن أتزوج كي أعطي عائلتي سبباً للاحتفال والسعادة”.
وأردف: ” بحكم عملي، أدرك حجم الدمار الذي ألمَّ بغزة، وسوف يستغرق الأمر عقوداً حتى تصبح غزة صالحة للسكن مرة أخرى، أود أن أغادر غزة حتى يُعاد بناؤها فهي لم تعد صالحة للحياة البشرية”.
ومع اقتراب شهر رمضان، ظهرت عدة تقارير عن وفاة غزيين بسبب الجوع، حيث يستيقظ الفلسطينيون في غزة كل يوم وهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيعيشون للاحتفال بالشهر الكريم.
وقال سلمي: ” لقد وعدت أمي أن أطهو لهم طعام الإفطار كل يوم في شهر رمضان إذا انتهت الحرب، حتى لو انتهى بنا الأمر بالعيش في خيام في حينا المدمر، وهذا إذا لم يمت أحد منا بحلول ذلك الوقت”.
أما حمد فأكدت أنها لم تستوعب حتى حقيقة اقتراب شهر رمضان في ظل الظروف الحالية، لكنها ” تعيش على حافة الأمل بإمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل حلول الشهر الكريم”.
من ناحيته، أوضح مصطفى علي، 26 عاماً، الذي تقطعت السبل بأفراد عائلته في شمال غزة أن الأسرة تمزقت منذ الحرب حيث أصبحوا يسكنون في أماكن مختلفة لتجنب التعرض للقصف في منزل واحد.
وقال: ” لا أستطيع أن أفكر فيما أريده بعد الحرب سوى الاجتماع ببقية أفراد العائلة، أريد حقاً حياة طبيعية، أريد أن أنام على سرير، أريد الجلوس على أريكة لأشاهد فيلماً وأضحك مرة أخرى، أريد أن أتناول القهوة عندما أستيقظ في الصباح”.
وتابع: ” لا أتوقع شيئاً من العالم سوى إعادة بناء غزة، سنظل محتلين وتحت الحصار”.
وأضاف علي أنه مستعد للنوم في خيمة في موقع منزله الذي دمرته إسرائيل حتى تتاح له فرصة إعادة بنائه.
أما سما حمود، 37 عاماً، فقالت أنها ستبقى في منزل والديها بعد الحرب، إذا كان لا يزال سليماً بعدما دُمر منزلها في غارة إسرائيلية، وهي تأمل في إعادة بنائه.
وختمت: ” إذا انتهت الحرب خلال شهر رمضان، أريد أن أعد لعائلتي وجبات إفطار لذيذة وأن نجلس معاً دون الضغط الذي وضعته علينا هذه الحرب”.