أحمد أبو ارتيمة.. يومًا ما ستكون حرًا

“واصلوا المسيرة، استمروا بالضغط، نحن بحاجة إلى دعمكم”، كانت هذه هي الكلمات التي يردّ بها أحمد أبو ارتيما دوماً على أسئلتنا في مجموعة الواتساب حول كيفية دعم فلسطين.

كان أحمد عيننا في غزة، وفي ظل الحرب المتواصلة هناك كنا ننتظر رسائله اليومية ليخبرنا أنه بخير، وكأن ذلك يمكن أن يطمئننا أن غزة بخير.

بيد أن آخر رسالة تلقيناها من أحمد كانت في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، بعدها بدأنا نقلق من إمكانية أن يكون قد تعرض لمكروه، وأخذنا نبحث في الأخبار عن اسمه، هل كان من بين شهداء القصف الإسرائيلي؟ بدأت آمل أن يكون هو وعائلته قد وجدوا طريقهم إلى الأمان النسبي.

وبعد عدة أيام، وتحديداً في 24 تشرين الأول/ أكتوبر، علمنا أن القصف الإسرائيلي طال عائلة أحمد التي كانت من بين الكثيرين الذين انتقلوا إلى جنوب غزة بناءً على أمر إسرائيلي، ظانين أن الوضع سيكون أكثر أمناً هناك.

وجراء الغارة، فقد أحمد خمسة من أفراد عائلته بينهم ابنه الأصغر الذي كان يبدد الخوف من أصوات الغارات الجوية بالصراخ “هاي هاي” بعد كل قنبلة يسمع انفجارها.

كما أصيب أحمد نفسه بجروح خطيرة وبحروق من الدرجة الثانية، ومثل وائل دحدوح، مراسل الجزيرة الذي فقد مؤخرًا زوجته وابنه وابنته وحفيده في غارة جوية إسرائيلية، كان أحمد قد لجأ إلى مكان قالت إسرائيل إنه سيكون آمنًا.

 

وحتى الآن، قُتل أكثر من 30 صحفياً في الحرب، غالبيتهم العظمى من الفلسطينيين، وهناك تقارير تفيد بأن إسرائيل استهدفت عمداً بعض العاملين في مجال الإعلام، في حين تواصل ارتكاب الفظائع في جميع أنحاء غزة.

 

“لم نستطع البقاء صامتين”

لطالما آمن أحمد بالمسيرات السلمية كوسيلة للنضال، وتساءل على منصات التواصل الاجتماعي عام 2018: “ماذا سيحدث إذا حاول الآلاف من سكان غزة عبور السياج الذي يفصلهم عن أراضي أجدادهم بسلام؟”.

تحول ذلك السؤال إلى مصدر إلهام لمسيرة العودة الكبرى، التي بدأت في شهر آذار / مارس من ذلك العام للمطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة والاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وقال أحمد، الذي بالإضافة إلى كونه صحفيًا، فهو أيضًا شاعر وناشط بارز، في حديثٍ العام الماضي: “لقد نشأت مع شغف كبير بالحرية، إن فكرة الحرية ترافقني دائمًا، ومنذ طفولتي وأنا أشتاق إليها ومازلت أحلم بالعيش بلا قيود”.

وأردف أن مسيرة العودة الكبرى جاءت لأنه لم يكن أمام الفلسطينيين في غزة خيار آخر.

لماذا يتم تصديق إسرائيل عندما تقدم روايتها حول ارتكاب مجزرة، بينما يتهم الفلسطينيون بالكذب بشأن أعداد قتلاهم؟

وقال أحمد: “كان علينا أن نفعل شيئاً، لأننا كنا نموت موتاً بطيئاً، ولم نتمكن من البقاء صامتين، لقد اتخذنا هذا القرار لأننا نعيش تحت الاستعمار”، وتابع:” فكر فيما يجب أن يكون عليه الأمر عندما تضع شخصًا في سجن، دون طعام وماء سيسعى إلى التحرر من ضغط التعرض للموت البطيء، ليس لدى الفلسطينيين خيار البقاء صامتين، إذا فعلنا هذا، فإنه سيؤدي إلى المزيد من الوفيات”.

 

وقال أحمد إن المسيرات كانت بمثابة مساحات للأمل، حيث ازدهرت الحوارات السياسية، وتابع: “لقد كانت مساحات استعدنا فيها وجودنا وأحياناً كانت صرخة للعالم بأننا هنا، مسجونون، ونريد مخرجاً”.

 

أراد أحمد أن يمنح الأمل للشباب في غزة من خلال إخبارهم عن أشكال النضال المختلفة، ولكن على الرغم من أن مسيرة العودة الكبرى لم تكن عنيفة، إلا أن الجيش الإسرائيلي كان يرد بإطلاق الذخيرة الحية على الحشود، وخلال عام من المسيرات، قُتل أكثر من 200 فلسطيني، من بينهم عشرات الأطفال، وأصيب آلاف آخرون على يد القوات الإسرائيلية.

استعادة اللغة

لم يكن إطلاق النار على المظاهرات السلمية بالأمر الجديد بالنسبة لإسرائيل التي واصلت الادعاء بأنه ليس لديها شريك في السلام، وبالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن سياق للوضع الحالي في غزة، فإن المظاهرات السلمية تمت تجربتها منذ فترة طويلة، وكانت مسيرة العودة الكبرى بمثابة احتجاج شعبي، ومحاولة للهروب من سجن غزة.

كانت المسيرات مساحات للنقاش السياسي وإحياء الأحلام، وفي المسيرة الكبرى ولد حلم العودة، وحتى عندما كان تحت القصف الإسرائيلي الشهر الماضي، ظل أحمد يطلب منا مواصلة المسيرة، من أجل خلق الضغط حتى يسمع العالم.

ولكن ماذا سيسمع العالم الآن؟ فهناك حرب يدعمها الغرب ضد الفقراء في منطقة محاصرة، وهناك حرب إعلامية عالمية على اللغة، مذبحة كلمات يطلق فيها وصف “الدفاع عن النفس” على العنف الإسرائيلي، وتسمى فيها المقاومة الفلسطينية “إرهاباً”.

فهل ينبغي لنا أن نصدق أن التطهير العرقي والإبادة الجماعية من الأساليب المشروعة للدفاع عن النفس؟ إن الإسرائيليين بشر يحبون الحياة، والفلسطينيون حيوانات يحبون الموت؟ لماذا تصدق إسرائيل عندما تقدم روايتها حول ارتكاب مجزرة، بينما يتهم الفلسطينيون بالكذب بشأن أعداد قتلاهم؟

أحمد، بما أنك آمنت دائمًا بالمسيرات، فربما عندما تشفى، يمكننا أن ندعو إلى مسيرة لاستعادة اللغة، مسيرة لتحرير أنفسنا ومن هم تحت الاحتلال، مسيرة لتحرير الإفلاس الأخلاقي للإنسانية.

لقد كتبت ذات مرة:” انا اكره الاحتلال لأنه يفسد علي نزهاتي المسائية، لأنه يتعارض مع قانون الطبيعة، أنا أكره الاحتلال لأنه يقص جناحي ولا يسمح لي بالطيران، أنا أكره الاحتلال لأنه يحطم أحلامي”.

لقد ولدت عام 1984، ولكن بسبب الحصار الإسرائيلي، لم تطأ قدماك خارج غزة حتى عام 2015، حاولت الهروب من السجن من خلال قراءة الكتب، بهدف الشعور بالارتباط بالثقافات الإنسانية الأخرى، نأمل أن تنمو لك يومًا ما أجنحة لتطير وتحقق أحلامك، أن تزور قريتك الرملة التي هُجّر منها والداك قسراً منذ عقود، وأن تعيش في الدولة الديمقراطية الواحدة التي طالما دافعت عنها، وحتى لحظة العودة نتمنى لك الشفاء العاجل.

مقالات ذات صلة